من يملك مفاتيح تأجيل الانتخابات؟
ناصر قنديل
– لم يعد الحديث عن المصلحة بتأجيل الانتخابات يحتمل الكثير من البحث عن الجهة القلقة الخائفة من المسار الانتخابيّ، الذي تجمع كل الدراسات الإحصائية أنه ذاهب لصالح حفاظ الأغلبية النيابية الحالية على حجمها التمثيلي مع احتمال زيادته، وليس خافياً ما يعنيه ذلك على القوى الدولية والإقليمية والأحزاب والجمعيات والقيادات المحلية التي جعلت لعملها السياسيّ طوال سنتين ونصف منذ 17 تشرين الأول 2019، الانتخابات لتغيير الأغلبية، وبالغت بالتحدّي بالدعوة للانتخابات المبكرة تحت هذا العنوان، وامتنعت عن القيام بأي شيء وتقديم أية حلول، تحت هذا الشعار، الانتخابات ستقلب الأغلبية من ضفة الى ضفة وسيتغير معها الوضع، بحلم الازدهار، كما قال جيفري فيلتمان، إلى تخفيض سعر صرف الدولار، كما وعد سمير جعجع.
– المضي نحو الانتخابات يعني القدرة على تحمل تبعات هزيمة مدوّية، لمعسكر يمتدّ من واشنطن الى الرياض قبل أن يحطّ رحاله في معراب وكل الجمعيات التي خرجت تتوعّد تحت شعار نحن الشعب وفي الانتخابات سنريكم النتائج، وما لم تكن هناك أدوات سياسية ومالية عاجلة تتيح تغيير الوجهة، سيكون التفكير بتخريب الانتخابات تمهيداً لطلب تأجيلها لوقت كافٍ يتيح إعادة تنظيم الصفوف بطريقة جديدة قد يكون من بين عناوينها، مصالحة ولي العهد السعودي لرئيس تيار المستقبل وضمان عودته على حصان أبيض لإعادة إنتاج مشهد يضمن حفظ ماء الوجه بأغلبية ذات مرجعيّة خارجيّة واحدة مناوئة للمقاومة، ولو كانت قواها المحلية تحمل الخناجر على بعضها وراء ظهورها، ولو كان الثمن تحجيم مكانة القوات اللبنانية وجمعيات المجتمع المدني لصالح الحريري كمنقذ من الكارثة.
– القرار بالمضي بالانتخابات أو تخريبها تمهيداً لتأجيلها، خارجيّ وليس داخلياً، لأن أدوات التخريب الداخلية مفضوحة ومحدودة، وتعديل الخطط الانتخابية في فترة التأجيل فوق طاقة القوى المحلية المتضررة من الانتخابات، وفي طليعتها القوات اللبنانية الي تستطيع تصنيع بعض الأحداث الأمنية، لكن القدرة على تحويلها الى أزمة تطيح بالانتخابات غير مضمون بغياب الرعاية الخارجية والتجاوب الداخلي، وما بعد التأجيل سيكون وضع القوات أسوأ مما قبل، بينما بيد الخارج أدوات فاعلة غير مرئية من جهة، تتيح فرض التأجيل. كما تتوقف على هذا الخارج، خطة العمل البديلة التي تمثل العودة لاستنهاض تيار المستقبل ومصالحة رئيسه عنوانها الأبرز.
– رئيس الحكومة وحاكم المصرف المركزي يمثلان مفتاح التأجيل، فبيدهما منع تلبية مطالب الفئات الغاضبة مالياً، والتي تتوقف على مشاركتها في العملية الانتخابية ضمان انتظامها، كالقضاة وأساتذة التعليم الرسمي وموظفي البعثات الدبلوماسية، وبيد الحاكم افتعال أزمة خبز وأزمة بنزين، ورفع سعر صرف الدولار، وكلها مفاتيح إشعال للشارع يمكن أن يترتب عليها تلقائياً وبصورة منظمة مناخ من الفوضى يجعل إجراء الانتخابات مستحيلاً، ولنتخيل أزمة رغيف وبنزين متصاعدتين من أول أيار، ومعهما ارتفاع متصاعد بسعر الدولار وصولاً لسقف الـ 40 ألف ليرة أو 50 الف ليرة، ونتساءل عن أحوال الشارع والبلد، وقطع الطرقات والفوضى وكيفية إجراء الانتخابات.
– في طريقة تفكير القوى المناوئة للمقاومة معادلة التأجيل بعد التخريب موجودة تجاه الانتخابات، فعندما كانت حسابات هذه القوى تقول بأرجحيّة الفوز بالأغلبية، كانت الفكرة الأولى التي قفزت الى السطح في خطابها، التحذير من قيام المقاومة وحلفائها بتخريب الانتخابات بهدف تأجيلها. وهذا يعني شيئاً وحيداً، هو أن منهج التفكير لدى هذه القوى يقوم على معادلة أن أول ما يفكر فيه الطرف الذي يخشى خسارة فرصة نيل الأغلبية النيابية هو السعي لتخريب الانتخابات، وافتعال ما يلزم لذلك أملاً بتبرير السعي لتأجيلها.