القمم العربية والتنازلات المجانية…
د. سمير صباغ
بالأمس عقدت ندوة، بدعوة من المنتدى القومي العربي، تحدث فيها نخبة من الناصريين الذين ما زالوا متمسكين بثوابت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أي بثوابت الأمة العربية.
وفي الأسبوع المقبل، تعقد قِمة عربية في شرم الشيخ. والحقيقة أنّ المواطن العربي لا يرجو أملاً كبيراً لا من هذه ولا من تلك. فبالنسبة إلى الأولى فكم من مرة جُربت هذه القوى ودعيت إلى الوحدة والتنسيق فيما بينها، لكنها بقيت على ما هي عليه من تشرذم وضعف وانعدام التفاف الشعب حولها.
تلك القوى إذ تدعى اليوم إلى البحث وإعطاء الرأي في التحديات القومية وجبه هذه التحديات، فإنها كقوى مشرذمة ضعيفة لا تستطيع المواجهة حتى في لبنان الذي يواجه التحديات نفسها.
يجتمعون في شرم الشيخ، وهم جميعاً خاضعون لمشيئة أميركا حتى ولو خرج منهم من يولول ويصرخ، لكنه في النهاية يسكت على ظلم وقساوة السيد الأميركي المحتل. اليوم يجتمعون وكلّ بلد عربي يعاني من أزمة داخلية أو فوضى عارمة. اليوم يجتمعون ويستمعون إلى بعضهم البعض وكلّ واحد منهم ينكر الآخر وطروحاته في داخله.
الشعب العربي كله ينتظر من القمة العربية أن تكون جدية، ولو مرة واحدة، في إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي يدفع أبناؤه الثمن ويقدم التضحيات عن كلّ العرب، يترك اليوم وحيداً لا أحد يمدّ له يد المؤازرة السياسية من أجل تحقيق مطالبه في أن تكون له دولة ذات سيادة، ويترك عملياً وحيداً يعاني معاناة لم يختبرها أحد. فمثلاً الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول لرئيس الوزراء الصهويني المتغطرس أنّ عليك أن تنهي احتلال الأراضي الفلسطينية، بينما لا يوجد رئيس عربي واحد يتجرأ أن يقول لـ«إسرائيل» ذلك، وإذا كانوا يريدون عقد قمة حقيقة فما عليهم إلا أن يتراجعوا جميعاً عن تحريض بعضهم البعض ومحاربتهم لبعضهم البعض، في حين هناك في أميركا وأوروبا من يجد أن لا بدّ من مفاوضة الرئيس الأسد وإنهاء الحرب في سورية، بينما بعض الدول العربية مثل السعودية وقطر يستمر في القول بأنّ الأسد لا مكان له في مستقبل سورية، وبالتالي يعمل على استمرار الحرب.
وإذا كانت القِمة تريد أن تكون قِمة لا قُمّة، فعليها أن تعيد المقعد السوري إلى سورية التي كان لها الدور الكبير في تأسيس جامعة الدول العربية، بينما كان من أوحى وطلب ودفع الأموال لطرد سورية من هذه الجامعة يرزح تحت الاحتلال ولم يكن قد شكل وأسس دولة ذات سيادة كما ينصّ ميثاق جامعة الدول العربية.
وإذا كانت القِمة لا تريد أن تكون قُمة، فما عليها إلا تنقية الأجواء العربية من حالة التفكك والتشرذم إلى التضامن العربي المفقود، وتحضير الأجواء المتشدّدة إزاء العدو الصهيوني وتجميد العمل بكلّ الاتفاقات والمفاوضات والمعاهدات معه.
وإذا كانت القِمة لا تريد أن تكون قُمة، فما عليها إلا أن ترفع الصوت عالياً، رافضة ما تريده الإدارة الأميركية أي الاقتتال والتقسيم كما يحصل تقريباً في كلّ بلد عربي.
وإذا كانت القِمة لا تريد أن تكون قُمة، فما عليها إلا أن توحد كلمتها حول فلسطين وتشترط على العدو الصهيوني الالتزام بالمقررات والاتفاقات المعقودة وإيقاف المستوطنات، وإلا فلتسحب مبادرة السلام العربية كمرحلة أولى من مراحل تضييق الخناق على «إسرائيل».
وإذا كانت القِمة لا تريد أن تكون قُمة، فما عليها إلا الاتفاق على حسن استعمال الثروة العربية المتمثلة بالبترول وحسن توزيعها على أقطار الأمة كافة.
وإذا كانت القِمة لا تريد أن تكون قُمة، فما عليها إلا أن توحد كلمتها حول مضاعفة قدراتها العسكرية لفرض كلمتها على كلّ من يخرق سيادتها.
وإذا كانت القِمة لا تريد أن تكون قُمة، فما عليها إلا أن تعمل على قيام مشروع عربي يستعيد زمام المبادرة في القضايا العربية وفي مقدمها فلسطين، فلا تكتفي بالصراخ مندّدة بالخطر الذي يتمثل بالنسبة إليها، بإيران التي تدعو إلى تبني نهج المقاومة ودعمه لتحرير أقطار الأمة من كلّ أشكال الاستعمار، بينما السكوت مطبق على مشاريع تركيا العثمانية أو «الاسرائيلية» الصهيونية أو الأميركية. في يوم من الأيام، دعا جمال عبد الناصر إلى قمة عربية حول تحويل مجرى نهر الأردن وعدم استفادة «إسرائيل» منه، ومنذ ذلك الوقت تراجعت مؤتمرات القمة وبدأ تقديم التنازلات المجانية لأعداء الأمة حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، فهل تتجرأ القمة العربية على إيقاف هذا النزيف من التنازلات؟
إننا لا نأمل كثيراً من قمّة شرم الشيخ، بل بالعكس ننتظر منها المزيد من التنازلات على صعيد القضية المركزية وقضايا الأمة ، فالقمة التي يأملها العرب تحتاج إلى رجال ومن نراه على رأس الأنظمة العربية أشباه رجال.