المنطقة في العصر الفلسطينيّ
– مرت انتفاضات كثيرة على فلسطين، وكثيرة هي موجات العمليات الفدائية التي امتدت لأسابيع، وفي مرات عديدة امتزجت الانتفاضات بالعمليات المقاومة، لكن السياق السياسي الدولي والإقليمي والفلسطيني والإسرائيلي لم يكن يسمح بالقول إنه العصر الفلسطيني.
– للمرة الأولى في المواجهات التاريخية التي يخوضها الفلسطينيون يبدو أن القوة العسكرية للغرب خارج احتمالات التورط في أية حرب دفاعاً عن كيان الاحتلال، وأن أميركا وأوروبا لا تملكان سلاحاً لحروبهما المباشرة إلا سلاح العقوبات، وأن جرح أفغانستان لا يزال حياً وينزف فشلاً وخيبة ويعزّز قرار الابتعاد عن التورط في الحروب، وسلاح العقوبات لا يُخيف الفلسطينيين ولا يقيمون له حساباً وهم تحت حصار ما مثله حصار، وما يعنيهم أن الغرب الذي كانت جيوشه طرفاً في حروب فلسطين قد تمّ تحييدها من أية مواجهة مقبلة.
– للمرة الأولى في حروب فلسطين تتجه أولويات الغرب نحو وجهات جغرافية واستراتيجية أخرى، وتفقد المنطقة التي تشكل فلسطين قلبها مكانة الأولوية التي احتلتها لعقود في السياسات الغربية، ويتزامن ذلك مع تراجع القدرة الغربية، واشتداد التنافس حول الأحجام والأدوار مع قوى عالمية صاعدة تتصدّرها روسيا والصين، في لحظة تاريخية نادرة.
– للمرة الأولى يتحرر الفلسطينيون من عقدة الوهم بأنهم أضعف من إمساك مصيرهم بأيديهم، وبأن مصدر قوتهم هو من عمقهم العربي بجيوشه ونفطه وعلاقاته الدولية، فينفضون أيديهم من هذا الوهم، ويكتشفون ان هذا العمق العربي بهذا البعد قد صار عبئاً على قضيتهم مع مسارات التطبيع وصفقة القرن، ويكتشفون أن هناك عمقاً عربياً آخر تمثله حركات المقاومة خصوصاً في لبنان واليمن ستكون جاهزة لمساندة الفلسطينيين في أية حرب مقبلة، خصوصاً عندما تكون القدس عنواناً لها.
– للمرة الأولى لا يملك الإسرائيليون فائض قوة يفرض معادلة الردع على الفلسطينيين، بل إن ما يحدث هو العكس، فقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس أنها تملك فائض قوة يمثل قدرة ردع تحمي العمق الفلسطيني في المناطق المحتلة.
– للمرة الأولى تذوب طروحات التفاوض ويضمحل أصحابها وتخلو الساحة لخيار المواجهة، وتسقط القيادة السياسية التي روّجت للتفاوض في وحل التنسيق الأمني مع الاحتلال، بحيث يصير الفرز حاداً بين المعسكرين، مَن في ساحات المواجهة لا يستطيع أن يكون من جماعة السلطة، وهذا يطال فتح نفسها، التي تعود لساحة المواجهة تحت عنوان كتائب الأقصى.
– للمرة الأولى لا يكون سقوط خط التفاوض سياسياً فقط بل استراتيجياً، فمع تقدم مكانة المستوطنين المتطرفين في مشهد الكيان السياسي يتقدّم موقع فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 والقدس المشهد الفلسطيني، ويصير الصراع أشد جذرية يصعب إيجاد مناطق وسط فيه.
– في المنطقة سقط العصر الأميركي من بوابة حرب العراق وسقط العصر الإسرائيلي من بوابة المقاومة في لبنان، وسقط العصر العثمانيّ الجديد من بوابة الحرب على سورية، وسقط العصر السعوديّ من بوابة حرب اليمن ليبزغ فجر العصر الفلسطينيّ.