سليم الحص… رجل الدولة الناجح
} القنصل خالد الداعوق
يمرّ بلدنا الحبيب لبنان بمرحلة قاسية وصعبة جداً لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه. حيث تتراكم الأزمات على كلّ الصعد، وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم بسبب التقصير الكبير من قبل المسؤولين الذين عليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم أمام الله والناس والتاريخ.
وحين يدور الحديث عن سبل المعالجة والإنقاذ، لا بدّ أن نتذكر الرئيس الدكتور سليم الحص الذي تولّى أرفع المسؤوليات في أدقّ المراحل، خاصة في الفترات التي كان البلد غارقاً في الحروب الداخلية مع ما سبقها ورافقها من تدخلات خارجية.
والرئيس الحص كما يعرف الجميع أتى إلى السلطة من خلفية ما يُسمّى اليوم «التكنوقراط»، استناداً إلى نجاحاته العلمية والأكاديمية خاصة في الجامعة الأميركية في بيروت، وإصداره العديد من الأبحاث والدراسات العلمية المتخصصة في العلوم الاقتصادية، وقد تتلمذ على يديه العديد من الطلاب الذين أصبح عدد كبير منهم مسؤولين وقادة سواء في لبنان أو في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج.
وقبل أن يتولى مهام رئاسة الحكومة في العام 1976، شغل الرئيس الحص مسؤولية رفيعة جداً في القطاع المصرفي كرئيس للجنة الرقابة على المصارف حين كان رئيس الجمهورية الأسبق المرحوم الياس سركيس حاكماً لمصرف لبنان، وذلك في مرحلة دقيقة جداً حيث كانت أزمة بنك أنترا لا تزال ترخي بثقلها على القطاع المصرفي وعلى البلد بأسره.
وقد نجح الرجلان بما لهما من علم وحكمة وإرادة في إعادة وضع القطاع المصرفي على السكة الصحيحة، والكلّ يذكر أو يقرأ عن مرحلة الازدهار التي عاشها الاقتصاد اللبناني في مطلع سبعينيات القرن الماضي قبل اندلاع الحرب الأهلية المشؤومة عام 1975.
وإذا كان الرئيس الحص قد حقق نجاحاً باهراً كـ «تكنوقراط»، وكرجل دولة من الطراز الأول، فإنه فشل في العمل السياسي بالمعنى التقليدي للكلمة في لبنان، حيث لم يستطع مجاراة أرباب السياسة اللبنانية الذين لهم أساليب وفنون ووسائل لا يعرفها ولا يبرع فيها إلا مَن تمرّس في هذا «الكار» وبات له باع طويل في التلوّن والتبدّل ونقل البارودة من كتف إلى كتف كما تقتضي المصلحة كلما اختلفت المراحل.
وقد دوّن الرئيس الحص تجربته في الحكم بإصداره العديد من الكتب التي تحدّث فيها بالتفصيل عن مراحل توليه المسؤولية، وعن الصعوبات والعقبات التي واجهته، وكذلك عن الإنجازات التي استطاع تحقيقها، لا سيما مساهمته البارزة في وقف الحرب الأهلية عام 1989 بعد التوصّل إلى اتفاق الطائف. ثم في تحقيق الانتصار الكبير على العدو «الإسرائيلي» عام 2000، وأيضاً في ضبط مالية الدولة حيث كان الدين العام في مطلع التسعينيات لا يتجاوز الملياري دولار أميركي بعد 15 سنة من الحرب الداخلية وما تخللها من مآس وكوارث لا سيما الاجتياحين «الإسرائيليين» عامي 1978 و 1982. كذلك حين عاد رئيساً للحكومة مع بداية عهد الرئيس العماد إميل لحود، ومعه وزير المال الدكتور جورج قرم، حيث وُضعت أسس الإصلاح المالي وتوقف الهدر وتمّ إقرار قانون الضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة إصلاحية أساسية وعادلة لأنها تطال الاستهلاك وليس المداخيل.
هذه الإنجازات تحققت على صعيد دور الرئيس الحص كرجل دولة قام بواجباته وتحمّل مسؤولياته كاملة، ولكنه كرجل سياسي فاز في الانتخابات النيابية مرتين في العامين 1992 و 1996، أما في العام 2000 فقد تعرّض لنكسة كبيرة حين حصد الرئيس الراحل رفيق الحريري كلّ مقاعد العاصمة بيروت، فقرّر الرئيس الحص يومها العزوف عن العمل السياسي بمعناه اللبناني الضيّق الذي لم يبرع به، بل على العكس فقد تمّ استغلال ما يتمتع به من ترفّع ومناقبية، وأحياناً من مقرّبين، لتحقيق بعض المكاسب الخاصة. وأكد الرئيس الحص في الوقت نفسه أنه سيبقى يخوض غمار العمل الوطني الذي لطالما سجّل فيه النجاحات والإنجازات…