«القومي» أحيا ذكرى عمليّة الاستشهاديّة سناء محيدلي باحتفال في جل الديب عميد الخارجيّة غسان غصن: الوفاءُ لسناء وكل الشهداء نهجٌ ثابت راسخ نجسّده مقاومة ولن نحيد عن نهج الفداء المعمّد بالدماء
ـ الذين يصوّبون سهام حقدِهم على المقاومة وسلاحِها ينفذون أجندات قوى خارجية إما متحالفة مع العدو الصهيوني أو مطبّعة معه، الحواصل الانتخابية، ليست هدفاً بذاته بل هي جزء من معركة نخوضها وليعلم كل من افتأت على حواصلنا في هذه الانتخابات بأننا حزب يعتزّ بحاصله المقاوم
} عبير حمدان
سبعة وثلاثون عاماً ولما يزل وجه سناء الشاهدة والشهيدة يُشرق على إيقاع القرى، هناك حيث يروي زهر الليمون حكاية فتاة مزنّرة بالعزّ لم تهَبْ كيد المعتدي فأشعلت الأرض بجمر الروح المقاومة لتعبِّد درب النصر.
حين رسمت عروس الجنوب سناء محيدلي خط المواجهة وأشبعت الثرى بقدسيّة الدماء نبتت بين اخضرار العشب بنادق لا تعرف الاستكانة، ونبض سناء رسّخ مفاهيم التاريخ وجغرافيا الوجود مسقطاً حدود الاستعمار.
سناء ابنة الزمن الذي أكد أن بيانات الاستنكار والقرارات الدوليّة البالية لا تحرّر الأوطان بل وحده صاعق التفجير قادر على استرجاع الأرض حتى آخر شبر، وصوت رسالتها يردّد صداه في وجدان أجيال عرفتها رمزاً ونهلت من معينها مفهوم التصدّي والصمود وكيفيّة العيش بكرامة.
في نيسان يتجدّد اللقاء مع سناء وهي الحاضرة على امتداد الأيام بين التفاصيل بكل ما آمنت به، بعقيدة ثابتة لا تتبدّل مهما تبدّلت المفاهيم حولها.
يأتونها من كل أنحاء الوطن ليجدّدوا عهدهم لها ووفاءهم للنهج الذي اختارته وحملت رايته نحو فلسطين.
احيت منفذية المتن الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذكرى الـ (37) لعملية الاستشهادية سناء محيدلي (عروس الجنوب)، باحتفال في قاعة مسرح الأوديون ـ جل الديب حضره رئيس المجلس الأعلى في الحزب سمير رفعت، نائب رئيس الحزب وائل الحسنية وعدد من أعضاء مجلس العمد والمجلس الأعلى والمسؤولين.
كما حضر الاحتفال الوزير السابق د. بشارة مرهج وممثل حركة أمل سامر عز الدين ورئيس التجمّع اللبناني العربي عصام طنانة وفاعليات.
بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي.
زينة أبو حيدر
تولّت التعريف والتقديم الطالبة زينة أبو حيدر وجاء في كلمتها:
«نجتمع اليوم لنحيي ذكرى العملية البطولية للشهيدة سناء محيدلي الراسخة في وجدان شعبنا، ولاجتماعنا معنى مفاده أن هذه الذكرى لم تزل تُضيء عزاً ومجداً، وما انفكت رمزاً للبطولة والفداء.
سناؤنا ربيع يزهر في خريف أمتنا.
سناؤنا غيث قانٍ وصواعق متفجرة حباً وغضباً.
هي وفيّ الروح أجمله.. من ألبس التاريخ وجهاً أبهى كبهاء محياها وأنقى كنقاء روحها المعطاء؟
نقيم هذه الذكرى الخالدة لنؤكد أننا نسير على نهج شهدائنا ركيزتنا حقيقة لا تضمحل وحق غير منقوص، تؤازرنا قوة وحيها روح أمتنا ومآثر قادتها وعظمائها وشهدائها، نسير درب العزّ وفي مسيرنا يسقط المتوهمون بفنائنا، فنحن من يفنى الكون ولا نفنى، نحن أبناء عقيدة رفعت شعار أن الحياة كلها وقفة عزَّ فقط، وهذه الوقفة ستنتصر على مطبّع وفاسد وعميل، وسنقضي على كل من يتوهم إن باستطاعته إنهاء هذه القضية وتطويع حامليها.
رفقائي، أنتم جنود النهضة في كل ساحات الجهاد، وفي هذا الزمن المتداعي نعود الى عروس الجنوب وبقية أبطال وطننا لنثبت اليقين بأن النصر لا يمكن أن يكون إلا بأسمى أفعال البطولة وبالتضحيات المجيدة والدماء العزيزة…
إن النصر أيّها الرفقاء يبدأ خياراً وقراراً… فلنمض في أعمالنا واثقين مؤمنين بأننا نسير إلى نصر عظيم.
المجد للشهداء ولتحيا سورية».
رزق
وألقى كلمة منفذية المتن الشمالي المنفذ العام رضوان رزق، فقال:
في «الندوة التي دعت إليها مجلة «فكر» تحت عنوان: «العمليات الاستشهادية بواعثها ومدلولاتها» يستشهد الأمين الراحل منير خوري في تحليل نظرة عالم الاجتماع دوركهايم حول ظاهرة الانتحار، والذي يخلص إلى أن الانتحار أنواع. وما يهمنا نحن في هذه المناسبة العظيمة هو ما يسميه دوركهايم الانتحار الغيري، أي أن يضحّي إنسان بنفسه من أجل غيره أكان هذا الغير فرداً أم مجموعة من الأفراد أو قضية آمن بها أم وطنه الذي أحبّه حتى الموت.
إذا كان قد تخبّط علماء النفس وعلماء الاجتماع حول تفسير هذه الظاهرة باعتقادي أن مدرسة الاستشهاد في الحركة السورية القومية الاجتماعية سوف تزيد من تخبّط علماء الاجتماع والنفس معاً إذ ما يدفع فرد ما لكي يذهب الى الاستشهاد بكل إرادة وتصميم ووعي وإدراك غير ممنٍ النفس بملكوت السماء ولا أنهار من الخمر والعسل، ولا كعوب أتراب بانتظاره في جنة الخلد.
وأضاف: «وحدة الإيمان بالعقيدة القومية الاجتماعية المستمدة روحها من تاريخ الأمة الطويل لا تزال تمثل استمراراً لخط سيرها الفكري الحضاري والثقافي والأخلاقي.. هذا الإيمان الذي يدفع بأبناء النهضة القومية الاجتماعية إلى قطع خط سير حياتهم الشخصيّة من أجل حياة أمتهم الأبدية».
وتابع: «أتت العمليات الاستشهادية في الحزب، حزب «سعاده» لتؤكد على قوة الشخصية وصفاء الروح السورية رغم النكبات وطغيان الغزاة، فنحن لسنا تحولّاً في تاريخ سورية بل امتدادٌ له، نحن نعبّر التعبير الكلي عن نفسية سورية عظيمة، تعبر عن إرادة أمة ترفض أن يكون التاريخ قبراً مكاناً لها تحت الشمس..
أما أسطورة الخلق البابلية «اينوما ايليش» فيرمز الإله مردوك الى النظام والقوة الفاعلة الإيجابية، وتهامة ترمز إلى الفوضى، وفي سياق الأسطورة نرى الإله مردوك يصارع قوى الفوضى المتمثلة في التنانين والأفاعي وينتصر عليها».
واستطرد: «تقول الكاتبة جانيت هاوغينز في كتابها «موسيقى العظام القديمة.. إيزابيل عبر العصور» والذي تتحدث فيه عن «ايزوبعل» أميرة صيدا في القرن التاسع قبل الميلاد، هذه الأميرة الفينيقيّة التي قاتلت اليهود الغزاة حتى الرمق الأخير وحين حوصرت وأيقنت أن الموت قادم لا محالة تبرّجت كما تتبرّج الأميرات ورمت بنفسها من نافذة قصرها لتستشهد بكل فخامة وكبرياء، وهنا أيضاً تكرّرت إيزوبعل بسناء. وهكذا تبرجت سناء وتزيّنت بثوب عرسها الأبيض لتزفّ إلى تموز في عرس العطاء على مذبح الفداء».
وأضاف: «إن أساطير سومر وأشور وبابل تزخر بتضحيات أفراد بحياتهم فداء لمجتمعهم، لقد رأينا عبر التاريخ كيف صارعت سورية قوى الشر من أجل الخير، في المثولوجيا السورية ليس من أجل سورية، وليس الخير سورياَ فقط، لا بل هو إنساني بامتياز، فأسطورة أدونيس او دموزي في الأصل السومري. وعشتار إلهة الخصب والحب قد سقطا صريعَيْ الدفاع عن القيم الإنسانية بأنياب الشر الخنزيريّة. ألا يجب علينا أن نتوقف عند ظاهرة تموز الفداء لتعود الأسطورة، أسطورة البعث، بعث أدونيس، متجسداً بسعاده، حتى يستمرّ الصراع ويسقط سعاده شهيداً، بأنياب الخنازير الطائفية؟».
وتابع: «في الثالث والعشرين من شهر نيسان يصادف عيد مار جريس الخضر، واسم الخضر كما ورد في دراسة للرفيق حسني حداد مكتسب من قدرته على بسط الاخضرار على الأرض وإكساء الشجر باللون الأخضر، حسبما وصلنا في نصوص الأساطير الأوغاريتية عن شخصية الخضر التي تتفق كثيراً مع شخصية البعل «هداد» أو «هدد» إله الريّ والعواصف، فالبعل المحارب يصبح الخضر الذي يصارع التنين ويصرعه في معركة الخير مع الشر، وعندما سقط شهيداً، قُطّع إرباً ووزّعت أشلاؤه في جميع أنحاء البلاد، هذه الناحية التي تربطه بفكرة الفداء وبطقوس البعل وتموز وأدونيس».
وقال: «الاستشهاد في تاريخنا ثقافة حياة، ولنا في أليسار وهنيبعل ويسوع ويوسف العظمة في ميسلون ونازك العابد وجول جمال أمثلة ومحطات مشرقة ومشرّفة في بذل النفس والموت من أجل الحياة، والدفاع عن قيمنا وثقافتنا وأرضنا. فنحن شعب عملنا ونعمل من أجل الوجود كي نكفل الحياة المثلى الحرّة لأرضنا وشعبنا، فعطاءاتنا لن تنضب وإرادتنا لن تردّ. ففتى آذار سلّ سيفاً مسلطاً في وجه أعداء الأمة مفجّراً بركان نهضة لن يستكن معبراً عن إرادة شعبه سائراً على خطى زينون الرواقيّ في إشعاع سورية الفكري والحضاري والفلسفي على العالم أجمع.
وحده سعاده حوّل الأقوال الى أفعال وجعل لعقيدته جسداً تحيا في داخله وهو الحزب، ولوّن حروف مبادئه بدمائه ودماء شهداء النهضة أجمعين، فتلازم مسار الفكر والنهج ليكوّنا مسار حياة يقود الأمة إلى مراتب المجد العليا، ويزرع مبادئه في أجيال لم تكن قد ولدت بعد لتسير على خطاه في بذل النفس من أجل قضيّة تساوي كل وجودنا.
وختم: «تحية إلى كل المقاومين في كل شبر محتلّ من أرض سورية وإلى كل شهيد سقط على أرض سورية وإلى كل المؤمنين المناضلين الصامتين العاملين بهدى سعاده من أجل سورية وعزها ومجدها».
مرهج
وألقى النائب والوزير السابق بشارة مرهج كلمة وجاء فيها: «استشهدت المناضلة سناء محيدلي بقرار ذاتيّ كما بقرار حزبيّ يهدف الى مواجهة العدو الصهيوني الذي كان يحتل الأرض ويسوم الناس العذاب، ويأسر المناضلين والمناضلات في معتقلات رهيبة لا زالت حتى اليوم تنضح بوحشية السجان وتنبض بأنفاس الأسرى الذين لم يستسلموا قطّ وإنما قاتلوا للتحرير وهم داخل الزنزانات».
وأضاف: «لقد تأثرت سناء بفكر سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه الرافض للذل والاحتلال المتطلع للحرية والنهضة فكان تأثرها أول خطوة على طريق المواجهة والشهادة ثم تدرّبت سناء على يد رفقائها ورفيقاتها وانتصرت في سبيل أن يحيا لبنان ويتحرّر جنوبه الرائد وبقاعه الصامد وكل حبة تراب من أرضه التي تستصرخنا اليوم للدفاع عن كرامتها وكرامة أهلها الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحريّة والتحرير لا من أجل أن تتحكّم بنا منظومات الإقطاع وعصابات المال، ولا من أجل أن تتسلط علينا كارتيلات المصارف واحتكارات الدواء».
وتابع: «لقد استشهدت سناء من أجل أن يتحرّر وطنها لا من أجل إذلال شعبها على أبواب المدارس والجامعات والمصارف والمستشفيات، لقد أعلنتها سناء وبدمائها الطاهرة وإرادتها الحديدية صرخة مدويّة سمعها العالم العربي والعالم كله: من حق أرضي أن تتحرّر، ومن حق شعبي أن يعيش حراً يقرّر مصيره بيده، ولن نسمح باسم المناضلين والشهداء أن يتحوّل الانتصار إلى انتكاسة والانجاز إلى هزيمة ولن نسمح لأرضنا أن تتحوّل الى مملكة فساد متهالكة متخلّفة يحكمها التحاصص والتقاسم وهي الأرض التي روتها الدماء الزكية تلة تلة وأكمة أكمة..
لقد استشهدت سناء تأكيداً على الإنسان وقدرته الكامنة التي تستطيع تغيير الوقائع ورفع المظالم ودحر الغزاة عندما تسير مع حركة التاريخ وتتجاوب مع تطلّعات الجماهير وتتحد مع قيم الحق والبطولة والفداء».
وأردف: «لقد استشهدت سناء من أجل أن نرفع رؤوسنا وقبضاتنا بوجه من يصادر اليوم ـ كما بالأمس ـ أموالنا وتعبنا وخيراتنا مستفيداً من دعم الأجنبي الذي لم يتعلم من الدروس التي تلقاها من أجدادنا وآبائنا ورفاقنا عندما كسروا هيبته وشلوا قدرته واعتقلوا عملاءه وكسروا قواته… والانتخابات النيابيّة التي يسعى البعض لجعلها ستارة تُخفي المحنة التي يعيشها شعبنا بسبب الفئة الضالة لن تتمكن من تزييف المعركة وتحويل المحتكر الى محسن والقاتل الى بريء والطاغية الى منقذ. فالصراع قائم ما زال الاستغلال قائماً، ولن يقبل شعبنا مهما كانت التضحيات أن يرضخ لمنظومات تمثل الانحطاط في مجتمع يعتزّ بتراثه المجيد ويتمسك بقيمه السامية».
وختم: «وإذ يواصل شعبنا مقاومته لكل أشكال التسلط والاحتكار التي تمارسها وتصر عليها منظومات الاستعلاء والتجبر والغطرسة فإنه في الوقت نفسه ينظر نظرة التقدير والاعتزاز للشعب الفلسطينيّ المحاصر الذي يكاد يقف وحده بوجه الكيان الصهيوني الغاصب وحلفائه المعروفين والمستترين.
إن أبطال فلسطين فتية وفتيات رجالاً ونساءً إذ يتصدون اليوم للغزاة وما يمثلونه من فكر عنصريّ ونهج بدائيّ وأسلوب دمويّ إنما يتصدّون باسم أحرار العالم كله لمن استهان بالحقوق واحتقر المقدسات وازدرى الشرائع وامتهن العدوان. إن مقاومة الشعب الفلسطيني كما مقاومة الشعب اللبناني ليست حركة عارضة أو عابرة إنما هي حركة متجذّرة في هذه الأرض الطيّبة، متجذّرة في وجدان كل مواطن يأبى الخضوع للأجنبيّ وينشد الحرية والاستقلال.
عاشت سناء محيدلي شعلة مضيئة في سماء الأمة.
عاشت المقاومة حصناً منيعاً يحمي لبنان وفلسطين ويسجل كل