المقاومة في القانون الدولي
عصام الحسيني
أعطى القانون الدولي الأهمية الكبيرة لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وحقها في الدفاع عن النفس، وحق الإنسان في العيش بحرية وكرامة.
وصدرت الكثير من المواثيق، والإعلانات، والاتفاقيات، والعهود الدولية، التي تشدّد على حماية هذه المبادئ، وعلى ضرورة احترامها، والنضال في سبيل تحقيقها.
ومن أبرز ما ورد في هذا السياق:
أولاً: ميثاق الأمم المتحدة:
تحدث ميثاق الأمم المتحدة، عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الدفاع المشروع عن النفس، وعن مبدأ احترام حقوق الإنسان وحريته.
فقد ورد في مقدمة الميثاق، تأكيد من شعوب الأمم المتحدة، على الإيمان بكرامة وحقوق الإنسان الأساسية، وبحريته وبضرورة التسامح والعيش بسلام.
في المادة الأولى، الفقرة الثانية «يدعو الميثاق إلى إنماء العلاقات الودّية بين الأمم، على أساس المساواة في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكلّ منها حرية تقرير مصيرها».
وفي الفقرة الثالثة، من نفس المادة «الدعوة إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للناس جميعاً، وعدم التمييز بسبب الجنس، أو اللغة، أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء».
وفي المادة الثانية، الفقرة الرابعة «يدعو الميثاق إلى امتناع الدول في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة».
وفي المادة الواحدة والخمسين «أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة، على احد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الأزمة لحفظ السلم والأمن الدولي».
والتدابير التي اتخذها الأعضاء، استعمالاً لحق الدفاع عن النفس، تبلغ إلى المجلس فوراً.
ثانياً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
في المادة الأولى، تأكيد على مبدأ أساسي يقول إنّ «الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء».
وفي المادة الثانية، تأكيد «أنّ لكلّ إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز بسبب العنصر، أو الدين، أو اللون، أو الجنس، أو النوع، أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر».
ثالثاً: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:
يشدّد العهد في الجزء الأول على «حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وحريتها في العمل لتحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي».
أوجب العهد الالتزام بعدد من الحقوق في جميع الأحوال، وفي كلّ زمان ومكان، ومن هذه الحقوق:
الحق في الحياة، الحق في عدم الخضوع للتعذيب، أو المعاملة غير الإنسانية، أو المهينة، وحظر الرق.
رابعاً: قرارات الأمم المتحدة:
United Nations decision:
1 القرار الدولي رقم 1514 تاريخ 14/12/1960، وجاء في مقدمته، أنّ الجمعية العامة تعلن أن «لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير».
2- القرار الدولي رقم 2625 تاريخ 24/10/1970 أشار إلى حق تقرير المصير بقوله «لجميع الشعوب وبمقتضى تساوي الشعوب في حقوقها، وحقها في تقرير مصيرها، الحق في أن تحدّد بحرية ودون تدخل خارجي، مركزها السياسي، وفي أن تسعى بحرية، إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي».
3- القرار الدولي رقم 260 تاريخ 9/12/1948 حول الاتفاقية الخاصة بمكافحة جريمة إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها.
تؤكد الاتفاقية في الديباجة «أنّ إبادة الجنس البشري، هي عمل يشكل جريمة في نظر القانون الدولي».
خامساً: الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات العامة
لقد شدّدت الاتفاقية على «حق الإنسان في الحياة، وفي سلامة الجسد، وفي الحق في عدم الخضوع للاسترقاق والعبودية، والحق في الحرية والأمان».
نستنتج من ذلك، أنّ القانون الدولي قد أعطى للمبادئ العامة، المتعلقة بحقوق الإنسان الأساسية، صفة الإلزامية القانونية الواجب احترامها، والعمل على تحقيقها، وأنّ أية مخالفة لها هي مخالفة لهذا القانون.
والقانون الدولي، لم يشر صراحة إلى مفردة «مقاومة»، لكن هذا التوصيف يأتي في سياق روحية ما نصت عليه المبادئ العامة في الحقوق الإنسانية، في حق الدفاع عن النفس، وفي تقرير المصير.
لقد أعطت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشروعية حق الدفاع عن النفس، لكن القانون الدولي، وضع شروطاً لإعمال هذه المادة هي:
1 – عدم مشروعية الهجوم الاستباقي بقصد الدفاع.
2 – أن تُعلم الدولة التي تدافع عن نفسها مجلس الأمن بالهجوم، لأنها مسؤوليته، وانّ حق الدفاع قد أعطي للدولة بشكل استثنائي وموقت.
3 – شرط التناسب، بمعني أن يكون الدفاع موازياً للهجوم في النوع والكمّ.
4 شرط التزامن، بمعني أنّ الدفاع يجب أن يتزامن وقت الهجوم وليس بعده، كما أنّ مقولة الاحتفاظ بحق الردّ غير قانونية.
المقاومة في لبنان
من هنا ندخل إلى الإشكالية القانونية، في حالة المقاومة في لبنان، وفي مقولة عدم شرعيتها في ظلّ انسحاب العدو من الأراضي اللبنانية، مستنداً إلى ما ورد في المادة 51 وشرط التزامن.
لكن وقبل الإجابة على هذه الإشكالية، علينا أن نتأكد من حصول انسحاب فعلي وكامل للعدو عن الأراضي اللبنانية.
في الوقائع:
ما زالت هناك أراض لبنانية، واقعة تحت سلطة الاحتلال الصهيوني المباشر، منها قسم من مزارع شبعا، وتلال كفر شوبا، والغجر.
وما زالت بعض الأراضي اللبنانية، واقعة تحت احتلال الألغام التي زرعها ونشرها العدو، والتي تتسبّب بالعديد من حالات الوفاة أو الإعاقة، إضافة إلى حرمان اللبنانين من الاستفادة منها، مع رفض العدو للتعاون مع الهيئات الدولية المختصة، في إبراز خرائط الألغام بقصد الإيذاء.
إضافة إلى قيام العدو بشكل دائم، باستباحة سيادة الدولة اللبنانية، عبر خرق أجوائها الجوية، وحدودها البرية
والبحرية، ومن دون أية محاسبة دولية.
ويقوم العدو بتهديد الدولة اللبنانية بشكل دائم، وتحميلها مسؤولية أيّ عمل مقاوم، بهدف إرهابها، وإخضاعها لهيمنته، وهي مخالفة صريحة لما نصت عليه المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تدعو إلى امتناع الدول في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة.
كما يقوم العدو، بالتعرّض لسيادة الدولة اللبنانية، من خلال تجنيده لشبكات من العملاء في الداخل اللبناني، تعمل على خرق وتخريب مؤسساته بمختلفها، وهذه جرائم تمسّ بأمن الدولة، ويعاقب عليها القانون بأشدّ العقوبات.
وفي السياسة الخارجية، يمارس العدو علاقاته الدولية، في التأثير على عدم تسليح الجيش اللبناني بسلاح نوعي وازن، يردع اعتداءته المتكرّرة وإرهابه الدائم بحق الوطن.
إزاء كلّ ما تقدم، نستخلص أنه ما زال قسم من الوطن يخضع للاحتلال الصهيوني المادي والمعنوي، وأننا في حالة حرب مفتوحة معه، تتخللها حالات وقف إطلاق نار، وبالتالي فوجود المقاومة متزامن مع وقت العدوان، وليس خارجه، ولا يتعارض مع ما نص عليه القانون الدولي، في تفسيره للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وهذه الحرب المفتوحة مع العدو، ليست مرتبطة بواقع وجود المقاومة، التي يحاول البعض تحميلها مسؤولية أعمال العدو العدوانية، بل هي مرتبطة بطبيعة هذا العدو التوسعية الإجرامية منذ لحظة وجوده.
لقد ارتبط تاريخ هذا العدو، بتاريخ المجازر التي نفذها بحق أهلنا في فلسطين وفي كلّ الوطن العربي، والتي تعتبر جرائم إبادة بشرية، وجريمة في نظر القانون الدولي، بحسب ما ورد في القرار الدولي، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 260 تاريخ 9/12/1948.
لقد ارتكب العدو عبر تاريخه، العديد من المجازر في لبنان، راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين، وألحق بالاقتصاد الوطني خسائر فادحة، وكان دائماً خارج إطار المحاسبة الدولية القانونية، لارتباطه بالحماية السياسية للغرب.
ومن المجازر التي ارتكبت بحق أهلنا نورد منها:
ـ مجزرة حولا ومجزرة صلحا عام 1948، وراح ضحيتها العشرات من الشهداء.
ـ اعتداء عام 1967، حيث احتل العدو مزارع شبعا وطرد أهلها وفجّر منازلهم.
ـ اعتداء عام 1968، على مطار بيروت الدولي، وبلدة ميس الجبل.
ـ اعتداء عام 1973، حيث دمّر العدو رادار الباروك.
ـ اعتداء عام 1974، على الجنوب اللبناني، تحت مسمّى «ضربات وقائية»، وهي عمل مخالف لتفسير المادة 51، وعدم مشروعية الهجوم الاستباقي بقصد الدفاع.
ـ اعتداء عام 1975، وجريمة تشكيل ميليشيا عميلة للعدو.
ـ اعتداء عام 1977، وسياسة العدو بما يسمّى «الجدار الطيب».
ـ اجتياح عام 1978، و«عملية الليطاني»، وما اقترفه العدو من مجازر في الخيام، وراشيا الفخار، والعباسية، والصرفند، وراح ضحيتها عشرات الشهداء.
ـ اعتداء عام 1979 حيث أعلن العميل سعد حداد، ما يُسمّى بـ«دولة لبنان الحرّ» بإيعاز من العدو.
ـ اعتداء عام 1980، حيث قام العدو في اتباع سياسة القضم لأراض لبنانية، في قرى: العديسة، علما الشعب، عيترون، رميش، حولا وميس الجبل.
ـ اعتداء عام 1981، حيث قام طيران العدو، بتدمير ستة جسور، تربط الجنوب بباقي أنحاء البلاد.
ـ اجتياح عام 1982، حيث استباح العدو السيادة اللبنانية، ودخل العاصمة، وكانت الخسائر البشرية والمادية باهظة، فاقت الـ50 ألف شهيد.
ـ مجزرة عام 1984، في بعلبك، حيث سقط عشرات الشهداء في غارات جوية للعدو.
مجزرة عام 1985، في كلّ من معركة، والزرارية.
ـ اعتداء عام 1993، تحت مسمّى «تصفية الحساب».
ـ مجزرة عام 1996، تحت مسمّى «عناقيد الغضب»، والتي راح ضحيتها مئات الشهداء.
ـ اعتداءات عام 1997، وعام 1999، وعام 2000، والتي كانت تستهدف محطات الكهرباء، والجسور، والمنشآت الحيوية.
ـ عدوان عام 2006، وما خلفه من دمار في البشر والحجر.
لقد ارتبط مفهوم الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، في ضمير الأمة، وهذا واقع طبيعي ينسجم مع التطلعات الوطنية والقومية، في مفهوم الفرد والجماعة، كهوية ثقافية، نتاج الوعي لقضايا الأمة.
لقد حاول النظام الغربي، في زمن الحرب الباردة، تحييد لبنان عن الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، فنجح في عزله، لكنه لم ينجح في حمايته.
ويأتي زمن المقاومة، في ظلّ الالتباس القائم، بين السياسة وبين القانون، بين الشرعية وبين المشروعية، ليصحّح في مسار انحراف تاريخي طويل.
المقاومة ليست حاجة قانونية لحظة عدوان، إنما هي حاجة وجودية دائمة، لأنّ العدوان الصهيوني هو حالة عدوان دائم، لطبيعته ولأصل وجوده.
المقاومة ليست عملاً عسكرياً فقط، إنما هي أيضاً ثقافة حياة مع طبيعة النفس البشرية.
النفس التي ترفض أن ينتقص من حقوقها الطبيعية، الحقوق التي أقرّتها كلّ القوانين الدولية، كحق لا يمكن التنازل عنه، أو المسامحة به، لأنه حق لصيق بجوهر وجودها الإنساني.