أولى

خسارة «إسرائيل» معركة الأقصى تستولد صداماً أهليّاً بين أطراف يمينها المتطرّف وحرباً على الفلسطينيّين؟

 د. عصام نعمان*

أقرّت معظم وسائل الإعلام «الإسرائيلية»، ومن ورائها أطراف سياسيّة معارضة وموالية لحكومة نفتالي بينيت، بأنّ «إسرائيل» خسرت معركة الأقصى سياسياً. وعليه، يبدو أنّ تعداد الخسائر (صحيفة «معاريف»، 20/4/2022) هو على الوجه الآتي:

 أولاً، اعتمدت فصائل المقاومة الفلسطينية خطة التأجيج عن بُعد في توقيت ممتاز خلال أيام شهر رمضان. لم تردّ على الاستفزازات والاعتداءات الصهيونية بإطلاق صواريخ من قطاع غزة بل بتصدّي «شباب الأقصى»، أيّ شبان التلال والأرياف في الضفة الغربية، لأوغاد أطراف الصهيونية الدينية بالحجارة خلال محاولاتهم اقتحام الحرم القدسي الشريف وردّهم على أعقابهم ما أدّى الى إلحاق أضرار بالغة بهم والتسبّب بتعطيل المواصلات العامة.

ثانياً، إذ اضطرت وحدات «حرس الحدود الإسرائيلي» الى التحرك بكامل قوّتها داخل الحرم القدسي، نجحت فصائل المقاومة في أن تقدّم الى مئات ملايين المسلمين في العالم، صوراً قاسية تُظهر عناصر الشرطة وهم يضربون شباناً فلسطينيين في المسجد، ويمنعونهم من ممارسة شعائرهم الدينية في شهر رمضان المبارك، ويدنّسون المكان الأكثر قدسية بالنسبة الى كلّ مسلم حيثما كان.

 ثالثاً، أدّت انتهاكات «إسرائيل» الى ردود فعل قاسية في العالم الإسلامي، لا سيما في الأردن ومصر والسعودية والمغرب وغيرها من الدول العربية والإسلامية التي كان بعضها اشترك مؤخراً في مؤتمر النقب مع «إسرائيل» لوضع أساسٍ لتحالفٍ استراتيجي لمواجهة التهديد الإيراني، فكان أن اعتبرت انتهاكات الأقصى بأنها خدمت الإيرانيين!

 رابعاً، الى جانب ذلك نجحت «حماس» مرة أخرى في مفاقمة حدّة النقاش الذي يقسم الجمهور «الإسرائيلي» بين مؤيدين للتقارب وتقديم تسهيلات للفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية الى جانب «إسرائيل» ضمن حدود العام 1967، وبين أنصار اليمين المتطرف الذين يؤيدون استخدام القوة المفرطة ضدّ الفلسطينيين والعرب داخل «إسرائيل»، ويؤجّجون نار الكراهية بمواقفهم المتصلّبة وإيمانهم بأرض «إسرائيل الكبرى»، أيّ بما يتطلّب إعادة بناء الهيكل مكان الحرم القدسيّ.

خامساً، استنتج المعلقون السياسيون «الإسرائيليون» بأنه «على الرغم من تجاربنا وتعلّمنا من دروسها فإننا في كلّ مرة نقع في الحفرة التي حفرتها لنا حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في الحرم القدسيّ، في حين أنهما لا تتوقفان عن الحلم والإيمان بقدرتهما على إقامة دولة فلسطينية من البحر الى النهر. وما دام لدينا صهاينة دينيون متطرفون سنظلّ نغرق في الوحل المشبع بالكثير من الدماء، وسنظلّ ندفع أثماناً باهظة، ومهما كانت التحالفات والاتفاقات التي نجريها مع دول عربية مهمة، فإنها ستتبدّد بمرور الزمن، ولن تنجح في إنقاذنا من هذا الوضع الإشكالي».

المحللُ السياسي أمنون لورد كان ذهب الى أبعد من ذلك («يسرائيل هيوم»،  2022/4/19) بقوله: «إنه مهما حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضبط نفسها ومعالجة هجمات المقاومة الفلسطينية بوسائل دفاعية فقط، فهي في نهاية الأمر دفعت الثمن على الساحة السياسية لأنّ الأزمة التي نشأت بعد الأحداث هي نوع من هزة أرضية متوسطة القوة، وأن الفلسطينيين قادرون على إطلاق عملية سياسية». لكن المفاجأة غير السارة هي ردّ الولايات المتحدة التي يقودها وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي، بدلاً من تقديم الدعم لحكومة «اسرائيل»، هاجم «عنف المستوطنين» ودخول الجيش الإسرائيلي الى أراضي المنطقة أ». أما روسيا المحاصرة على الساحة الدولية فستظهر قريباً أنها لم تنسَ كيف تستخدم الورقة الفلسطينية من أجل الحصول على الشرعية، وربما التسبّب بانشقاق الغرب.

هل انشقاق الغرب فقط هو ما يستشعره الإسرائيليون؟ يبدو أنّ ثمة انشقاقاً، وربما صداماً أهلياً، ينتظرهم بحسب رأي صحيفة «هآرتس» اليسارية ( 2022/4/20). ذلك أنّ أنصار التيار الديني الصهيوني المتطرف داخل اليمين الإسرائيلي يرون انّ صلاة اليهود في الحرم القدسي ليست الأساس إنما السيادة والسيطرة على الحرم، وإلاّ ما معنى أن تكون «اسرائيل» دولة يهودية؟

 فوق ذلك، لا اقتحامات حركة «أمناء جبل الهيكل» اليهودية المتعصبة ولا حلمها ينحصر في الصلاة في الحرم القدسي بل بإعادة بناء الهيكل أيضاً إذ يرى أنصارها أنفسهم رأس حربةٍ تفرض على الدولة السيطرة على الحرم وهدم المساجد الإسلامية هناك، وأنهم كما استطاعوا إلزامها سابقاً «ضمّ» الحرم الإبراهيمي في الخليل وإقامة بؤر استيطانية في جواره فإنهم سينجحون مرةً أخرى في هذا السبيل حتى لو اندلعت حربُ أديان وأدّت الى ان تتوقف علاقات «إسرائيل» مع الدول العربية الصديقة، والى ان تقوم هذه الأخيرة بفرض عقوبات عليها، ذلك أنّ السيطرة الكليّة على الحرم تستحق هذا الثمن».

نفتالي بينيت وأركان ائتلافه الحاكم لا يستطيعان ارتكاب هذه المغامرة لسببين: الاول، لأنهما يدركان أنّ «حماس» و«الجهاد الاسلامي» وسائر فصائل المقاومة قادرون على احباطها بشكل أقوى وأفعل مما فعلوه في عملية «سيف القدس» السنة الماضية. الثاني، لأنّ انشغال الولايات المتحدة بالحرب الأوكرانية مع روسيا يُرغمها على معارضة نقض «الوضع الراهن»، أيّ الاتفاقات التي ترعى المسجد الأقصى مع الاردن منذ «اتفاق السلام» معه سنة 1994.

بسبب إدراكها هذه الروادع والمعوّقات، قامت حكومة بينيت بإلغاء مسيرة الأعلام اليهودية لمناسبة الفصح اليهودي تفادياً لانفجار الحرب مجدّداً بينها وبين فصائل المقاومة وأنصارها على مدى فلسطين كلها من النهر الى البحر. قد يكون تفادي الحرب مع المقاومة أحد أهون خيارين. لكن الخيار الآخر، اي الصدام الأهلي بين الصهاينة الدينيين المتعصبين والصهاينة الأقل تطرفاً، يبقى احتمالاً ماثلاً.

 من الطبيعي، والحالة هذه، ألاّ تكتفي فصائل المقاومة في هذه الأثناء بالتفرّج على العدو وهو يتخبّط في مأزقه. كما ليس من المنطقي ألاّ يضع قادة المقاومة في الحسبان احتمال ان يركب بعض أطراف الائتلاف الحاكم رؤوسهم فيشنّون حرباً محسوبة على فصائل المقاومة وأنصارها داخل الضفة الغربية مع الحرص على تفادي انقلابها ضدّهم الى «سيف قدس» أخرى أشدّ وأعنف.

في المقابل، ربما يضع قادة المقاومة في الحسبان ايضاً ان يتجاوز ردّها بفعاليته وحدّته ليس عملية «سيف القدس» فحسب بل بأن تنطلق فعالياته، بالتعاون مع أطراف محور المقاومة، عبر حدود لبنان وسورية وقطاع غزة الى عمق فلسطين المحتلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى