إهانات الغرب لروسيا… متى ينفد صبر الدبّ الروسي؟
حميدي العبدالله
اتخذت الحكومات الغربية سلسلة جديدة من العقوبات استهدفت سبع شخصيات روسية تنشط في إطار الأعمال، ووقف حصول روسيا على تكنولوجيا متطوّرة في مجال البحوث العسكرية.
وبمعزل عن فاعلية هذه العقوبات، إن لجهة ترويض القيادة الروسية، أو لجهة توليد ضغوط اقتصادية فاعلة تؤثر في أداء الاقتصاد وتتسبب بأزمة، أو تحدّ من قدرات روسيا العسكرية، إلاّ أن هذه العقوبات تشكل مساساً واضحاً باستقلالية القرار الروسي، وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية الروسية، ومحاولةً لمحاربة أعمدة ارتكاز النظام القائم في روسيا الآن، اقتصادياً وعسكرياً، وهذا عمل يوازي العمل على إسقاط النظام.
لا شك في أن مبدأ فرض عقوبات على روسيا يحمل الدلالات الآتية:
أولاً، التعامل مع روسيا ليس كدولة عظمى، أو على الأقل كدولة كبرى وشريك ندّي للغرب في إدارة النظام الدولي. لا سيما أن روسيا تملك جميع مقومات الدول الكبرى للعب هذا الدور، سواء لامتلاكها حق الفيتو في مجلس الأمن، أو لكونها دولة نووية تضاهي الغرب مجتمعاً في قدرتها على هذا الصعيد، أو لأنّها تمتلك جيشاً وأسلحةً متطورة تجعلها في وضع يؤهلها لخلق توازن عسكري مع الجيوش الغربية كلّها، وأخيراً كونها من أكثر دول الإعلام غنىً بالموارد الطبيعية من النفط والغاز، مروراً بالزراعة، وانتهاءً بالموارد المعدنية. تجاهل هذه المعطيات كلّها في تعامل الغرب مع روسيا ينطوي على خفة ومراهقة سياسية وقلة بصيرة وتدبر سيكون لها ثمنٌ، عاجلاً أم آجلاً.
ثانياً، توجيه إهانات حادة لروسيا، فروسيا ليست دولة مثل كوبا أو سورية أو إيران، يمكن استسهال فرض العقوبات عليها وممارسة الضغوط لحملها على الامتثال للسياسات الغربية وقبول التبعية للغرب. وكان منظّرون استراتيجيون أميركيّون من النخبة الحاكمة حذّروا مراراً من الانزلاق إلى مثل هذا التعامل مع روسيا، وبين هؤلاء وزير خارجية الولايات المتحدة المشهور هنري كيسنجر في كتاب أعدّه حول السياسة الخارجية الأميركية، ومستشار الأمن القومي الأميركي في عهد كارتر زبغنيو بريجنسكي في كتاب كرّس أيضاً لتحديد معالم السياسة الخارجية الأميركية. لكن سياسة واشنطن والعواصم الغربية عبر العقوبات التي فرضت على روسيا تجاوزت هذه التحذيرات ومثّلت استفزازاً تجاوز الخطوط الحمر.
ثالثاً، طبيعة العقوبات المفروضة على روسيا تستهدف بالدرجة الأولى إضعاف القيادة الروسية الحالية، وحتى السعي إلى إسقاط النظام الروسي، وهذا تطوّر خطير وغير مسبوق في العلاقات الدولية يستهدف دولة كبرى يصعب عليها قبول مثل هذا الاستفزاز الخطير والجنوح الاستراتيجي غير المسؤول والتعايش معهما.
هذه الدلالات تؤكد على أن روسيا التي كان رد فعلها حتى الآن معتدلاً، وأبدت رغبة في معالجة الأزمة عبر تعاون بنّاء مع الغرب، لا يمكنها السكوت طويلاً، ولا يمكنها أن تسمح باستمرار لعبة العقوبات. صحيح أن السياسات العاجلة التي قد تعتمد من قبل القيادة الروسية تقوم بالدرجة الأولى على التكيّف مع هذه العقوبات والرهان على تأثيرها المتبادل في ردع الغرب عن فرض المزيد منها، إلاّ أن ردّاً روسيا سياسياً واقتصادياً، وربما عسكرياً، في منطقة ما من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بما فيها أوكرانيا، قد يكون أقوى وأشدّ حزماً، وقد ألمحت الخارجية الروسية الإثنين الفائت إلى أن العقوبات الغربية لن تظل من دون رد مؤلم، إذ أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريبابكوف أن «الردّ الروسي سيكون مؤلماً للولايات المتحدة»، مضيفاً: «لا يحق لأحد أن يتحدث مع روسيا بلغة العقوبات، فسترتد على أصحابها محاولات إملاء شيء ما علينا أو توجيه إنذارات لنا».
يجب أن يأخذ الغرب على محمل الجد مثل هذا التحذير الحازم، لأنّ موسكو مقتنعة بأن العقوبات تهدف إلى إسقاط النظام واستهداف روسيا وتحويلها إلى دولة منهكة وفقيرة تدور في فلك التبعية للغرب، وهذا ما يتعارض مع تاريخ روسيا وحاضرها وقدراتها الفعلية.