يوم القدس العالميّ ومعادلات نهاية الكيان الصهيونيّ المؤقت
العميد د. أمين محمد حطيط _
أظهر الإمام الخميني بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979 انّ هذه الثورة ليست لإيران وحدها بل إنها ثورة من اجل حقوق الأمة الإسلامية ومن أجل حقوق المظلومين والمضطهدين في العالم. وبصيغة أخرى هي ثورة من اجل نشر الحرية وتأكيد سيادة الحق في العالم. ومن هذا المنطلق أطلق في مواجهة الكيان الصهيوني جملة من المواقف تلتقي جميعها على هدف واحد هو وجوب إزالة هذا الكيان، لأنه قائم على الظلم والطغيان وسلب حقوق الآخرين.
وفي سياق المواقف الإيرانية في ظلّ الثورة، من هذا الكيان، كانت عملية إغلاق السفارة «الإسرائيلية» في طهران وتسليم مبناها للفلسطينيين ليكون مقراً لسفارة فلسطين التي يجب أن تقوم دولتها على كامل أراضيها المغتصبة من قبل الكيان منذ العام 1948 وكان أيضاً إطلاق يوم القدس العالمي الذي حدّد موعده في يوم الجمعة الأخير من رمضان من كلّ عام وتكون فيه دعوة للمسلمين وللعالم أجمع للتوقف عند مأساة اغتصاب القدس والعمل على إنهائها.
وفي تحليل للإعلان الأخير هذا نجد أنه في جوهره يتعدّى الشأن السياسي الإعلامي الاحتفالي ليصل الى المفهوم الاستراتيجي العميق للمسألة في ما يفرز رزمة من المعاني والرؤى تبدأ بوضع عنوان صارخ جامع للقضية الفلسطينية هو القدس التي تحرّك إثارتها المسلم والمسيحي على حدّ سواء نظراً لما فيها من رمزية دينية وما تحتويه من أماكن مقدسة تخصهم، رمزية ومحتوى تمكن إثارتها من التأكيد علي الظلم الواقع وعلى وجوب فرض نهاية له. فإحياء يوم القدس العالمي الذي دعا إليه الإمام الخميني يعني بكلّ بساطة رفضاً للجريمة وتذكيراً بوقوعها واستمرارها وإنكاراً لأيّ قبول او تسليم بها عملاً وتحشيداً لوضع حدّ لها وإنتاجاً لبيئة عدم استقرار عالمي مع استمرارها وأخيراً ومع موجة التطبيع التي احدثتها اتفاقات ابراهام مع العدو الصهيوني فإنّ ليوم القدس في هذا الوقت بالذات أهمية خاصة من حيث الفرز الذي يحدثه بين معسكرين، معسكر نصرة الحق الذي يحتضن فلسطين ويحمل قضيتها ومعسكر التطبيع الذي يعمل بالباطل الذي تقوم «إسرائيل» عليه.
بيد انّ هذا الإعلان الذي بدأت الاستجابة له خجولة يوم أطلق ومقتصرة على دولتين او ثلاث وبعض الأحزاب الحديثة النشأة بات اليوم يظهر في شكل مختلف وبات بالفعل يوماً عالمياً يحتفل به ويشارك في فعالياته تمهيداً او في يومه بالذات، مكونات متعددة من دول وأحزاب لا تقتصر على محور المقاومة بل وتتعداه الى دول وشعوب أخرى خارج منطقة غربي آسيا والشرق الأوسط، ثم انّ هذا الإعلان وفي هذا العام ومع ما آل اليه العالم من المستجدات والمعادلات يؤكد أهمية اعتماده قبل أربعة عقود ويثبت بأنّ فكرة إنهاء الكيان الصهيوني المؤقت ليست وهماً وطموحاً من غير أساس بل انها مبنية على ما يبرّرها ويؤكد وقوعها بشكل أكيد.
ففي العام المنصرم استطاعت المقاومة الفلسطينية القائمة في غزة ان تفرض معادلة دفاع عن القدس لم تكن تخطر ببال الصهاينة، معادلة فاجأت العدو الصهيوني بمضمونها وبمفاعليها، حيث إنها قامت على فكرة ان «القدس تحمى من داخلها ومن خارجها». وهذا هو المضمون الحقيقي لأهداف عملية سيف القدس التي ترجمت ناراً تنطلق من غزة لتحمي حي الشيخ جراح في القدس وتمنع تهويده وتثبت أهاليه فيه، وقد رضخ العدو الصهيوني للمعادلة تلك والتي أعيد التذكير بها في الأسابيع الأخيرة من شهر رمضان الحالي حيث ان مجرد التلويح بها كان كافيا ليدفع العدو الصهيوني الى وقف الاستفزاز حول الأقصى ويمنع مسيرة الأعلام التلمودية إليه وبعده في كنيسة القيامة يوم سبت النور.
وبعد سيف القدس كان بالغ الأهمية الموقف والدعوة التي وجهها السيد حسن نصرالله في ٢٥ أيار ٢٠٢١ لإرساء معادلة جديدة في مواجهة العدو مضمونها انّ «المسّ بالقدس يعني حرباً إقليمية شاملة»، ونحن نرى أنّ هذه الدعوة ـ الإعلان تشكل ترجمة استراتيجية وميدانية للهدف من إعلان يوم القدس العالمي أساساً، وفيها اعتبار مسؤولية الدفاع عن القدس لا تقع حصراً على المقدسيين او الفلسطينيين او العرب او المسلمين او المسيحيين، بل انها مسؤولية المنطقة بكاملها وان على شعوبها ان تسعى الى أمنها واستقرارها وازدهارها بإخراج العامل المنتهك لحقوقها منها وذلك باقتلاع الغدة السرطانية المسماة «إسرائيل».
انّ ما أحدثته عملية سيف القدس ٢٠٢١ من مفاعيل وما ترمي اليه الدعوة الى إرساء معادلة الحرب الإقليمية الشاملة دفاعاً عن القدس وما ترمز اليه وما تخفيه في ثنايا قضيتها من شأنه أن يجهز على استراتيجية إسرائيلية ثابتة اعتمدتها «إسرائيل» منذ اغتصابها لفلسطين، استراتيجية تقوم على التفتيت والتجزئة والاستفراد وقضم حقوق الأخيرين لقمة لقمة دون السماح لهم بالتوحد او العمل الجماعي لمشترك ضدّها.
وعملاً بهذه القاعدة الصهيونية رفضت «إسرائيل» في العام ١٩٤٨ التفاوض مع وفد عربي مشترك لتوقيع الهدنة وأصرّت على توقيع الهدنة ثنائياً مع كلّ دولة عربية بمفردها وكررت السلوك في مؤتمر مدريد في العام ١٩٩٢. اما في عقيدتها العسكرية فإنها تعتمد مبدأ «العمل على جبهة واحدة وتثبيت الجبهات الأخرى»، كل ذلك لأنها تخشى من وحدة موقف الأعداء ضدها وقد اختبرت عقيدتها اكثر من مرة ونجحت وكانت حرب الـ ١٩٧٣ الاختبار الساطع حيث إن العرب فتحوا جبهتي الشمال والجنوب معاً في الجولان وسيناء فانهزمت «إسرائيل»، ولكن عندما توقفت جبهة الجنوب عوّضت «إسرائيل» هزيمتها في الشمال.
وعملاً بهذا الشأن نجد منطقياً القول بانّ نهاية «إسرائيل» تقترب مع اعتماد اعدائها لاستراتيجية العمل الجماعي المنسق ومنطق واستراتيجية الحرب الشاملة، شمولاً في الجبهات ما يفرض العمل على جبهات متعددة في الداخل الفلسطيني وعلى الحدود مع الجوار وشمولاً في الأطراف المشاركة ما يمنع «إسرائيل» من استفراد أي طرف منها مهما كان حجمه القتالي وشمولاً بأساليب القتال بين حرب من الجيل الثالث أو الرابع أو الخامس.
وبهذا يكون في مضامين يوم القدس العالمي الدعوة للإعداد للحرب الشاملة تلك وتحشيد الطاقات للانخراط بها من اليمن في الجنوب الى لبنان وسورية في الشمال والى العراق وإيران في الشرق ويبقى العامل والمكوّن الفلسطيني هو الجوهر والمحور والأساس في المواجهة في هذه الحرب الشاملة التي اطلق الدعوة لاعتمادها وإرساء معادلتها السيد حسن نصرالله.
وأخيراً لا بد من الإشارة الي انّ إنهاء «إسرائيل» قد لا يستلزم خوض الحرب فعلياً، وقد يكتفى بالإعداد لهذه الحرب والاستعداد لخوضها بشكل جدّي وفاعل ما يحمل العدو على الانهيار الإدراكي والهروب من المواجهة حتى قبل ان تبدأ. والمهمّ أولاً وقبل كلّ شيء اعتناق عقيدة العمل الجماعي المشترك والموحد في مواجهة نظرية التجزئة والاستفراد التي تعتمدها «إسرائيل» وستكون النتائج إيجابية لمصلحة حقّ الأمة في فلسطين من غير شكّ او تردّد.