آفاق حسم المعارك في أوكرانيا في ظلِّ استنزاف متسارع للذخائر
} د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
سيل الأسلحة الغربية المتدفق إلى كييف يدلّ على قرار إطالة أمد الحرب الدائرة من دون أدنى اكتراث للتداعيات الإقليمية، واكبه عدد من التصريحات المتباينة لقادة حلف الناتو بأنّ سير المعارك وصل إلى «طريق مسدود»، القيادة العسكرية الأميركية، إلى بيان لوزارة الدفاع البريطانية يعِد جمهوره ترقّب بيان «انتصار» يعلنه الرئيس الروسي يوم 9 أيار الحالي في موسكو، ترجمته، بحسب الخبراء العسكريين، أنّ معركة أوكرانيا انتهت، ولو استمرّ تبادل إطلاق النار في مناطق متعددة (بيان وزارة الدفاع البريطانية، 29 نيسان/ أبريل 2022).
البيت الأبيض والمؤسسة العسكرية الأميركية تماديا بتوريد «أسلحة ثقيلة وذخيرة» إلى كييف، فضلاً عن طلب الرئيس الأميركي من الكونغرس تمويلاً عاجلاً لأوكرانيا قيمته 33 مليار دولار، مضافاً إلى «منحة عسكرية» لكييف قيمتها 800 مليون دولار، يفصل بينهما بضعة أيام لا تتعدّى الأسبوع، وقد بلغ مجموع قيمة المعدات التي تسلمتها كييف من واشنطن 2،6 مليار دولار «منذ بدء» العملية العسكرية الروسية (بيان وزارة الخارجية الأميركية، 13 نيسان/ إبريل 2022).
اللافت في بيان المؤسسة السياسية الأميركية، الصادر عن «وكالة التعاون الأمني» التابعة لوزارة الخارجية، تشديده على توريد «ذخائر، مثل طلقات لقاذفات القنابل، ومدافع هاون ومدافع من طراز D-20» للقوات الأوكرانية التي كانت تشكو من نقص شديد في مختلف أنواع الذخائر لأسلحة «عفا عليها الزمن، وغير منظّمة» (تقرير لأسبوعية «فوربز»، 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021).
سخّرت «لجنة القوات المسلحة» في مجلس النواب نفوذها الواسع لدى وزارة الدفاع بتوجيه مذكّرة عاجلة موقّعة من الحزبين تحثّها على توفير ما تستطيع من معدات عسكرية لأوكرانيا، والتي «نراها مسألة بالغة الإلحاح، نظراً لما أفرزته التطورات في أوروبا من أهمية توفر الإمكانيات المطلوبة وحاجة قوات الجيش وسلاح المارينز لبلورة خطّة لتنشيط القاعدة الصناعية» داخل الولايات المتحدة، كما شهدت الترسانة الأميركية توفّر احتياطي معتبر من طائرات «درونز» والعربات المدرعة التي أرسلت على عجل إلى أوكرانيا.
تزامن توقيت مذكرة «لجنة القوات المسلحة» مع الكشف عن تقرير شامل صادر عن «المجموعة الوطنية للصناعات الدفاعية»، أوضح فيه «تدهور قاعدة الانتاج الصناعي الأميركية» (موقع المجمّع الصناعي «أن دي آي إيه.أورغ»، 2 أيار 2020).
ما يجري من تكديس للأسلحة والذخائر لدى كييف يطلق عليه العسكريون وصف «تشكيل احتياط حربي بكميات كبيرة للاستخدام ضدّ قوة عسكرية جيدة التسليح، تكفي لخوض معركة أولى تمتدّ من 30 إلى 60 يوماً لحين استكمال خطوط الانتاج وزيادة توريداتها»، لا سيما أنّ «أوكرانيا نالت مرتبة متقدّمة من إنتاج الأسلحة بعد عام 2014».
مضى هؤلاء مشدّدين على العناية القصوى بالمسائل اللوجستية في تلك السلسلة، والتي «تهدد بتقييد جهود الأوكرانيين الحربية في حال أخفق حلف الناتو في ضمان توريد أسلحة رئيسية وإمدادات أخرى» (موقع «ستراتيجي بيج» الأميركي للشؤون العسكرية، 18 نيسان/ إبريل 2022).
حجم الأسلحة والقذائف الصاروخية الأميركية المقررة لأوكرانيا يشمل: 1،400 قذيفة صاروخية مضادة للطائرات من طراز «ستينغر»، وأكثر من 5،500 قذيفة صاروخية مضادة للدروع من طراز «جافلين»، وأكثر من 1،4000 نظام مضاد للدروع، وأكثر من 700 طائرة «درون» من طراز «سويتش بليد»، و 121 طائرة «درون» من طراز الشبح – «فينيكس»، ومدافع هاون من عيار 155 ملم مع 183،000 قذيفة من العيار نفسه، و 72 عربة تكتيكية لجر مدفع «هاويتزر» من عيار 155 ملم، و16 مروحية مسلحة من طراز Mi-17”»، والمئات من العربات المدرّعة والمحمولة، و200 ناقلة جنود مدرّعة من طراز M113”»، وأكثر من 7،000 قطعة سلاح فردية، وأكثر من 50 مليون طلقة ذخيرة، ونظم صاروخية مسلّحة بالليزر، ونظم جوية غير مأهولة من طراز «بوما»، وعدد من القوارب المسلّحة غير المأهولة لخفر السواحل، وألغام مضادة للأفراد من طرازM18A1 «كلايمور»، ومعدات تدمير ومتفجرات من طراز “C-4” (يومية «بيزنيس إنسايدر»، 28 نيسان/ إبريل 2022).
خصّصت وسائل الإعلام الأميركية، والغربية بشكل عام، مساحة اهتمام عالية لكلٍّ من قذيفتي «ستينغر» و «جافلين»، كأسلحة قد تحدث قفزة نوعية في مسار المعارك ضد القوات الروسية.
نُظم «جافلين» المضادة للدروع وكلفتها الباهظة، 176،000$ للقذيفة الواحدة، لم تخضع للتجارب الميدانية للتيقن من فاعليتها. وأوضحت يومية «نيويورك تايمز» أنّ واشنطن تعهّدت بتسليم كييف «17،000» بطارية مضادة للدروع من ضمنها صواريخ جافلين، بعد إصرار الحكومة الأوكرانية، بيد أنّ «الفاعلية الحقيقية لذلك النظام التسليحي يصعب التيقن منه بشكل مستقل خارج سرديات قصص المعارك».
ونقلت عن مصادر عسكرية قولها إنّ مجموع ما سيُنقل إلى كييف من صواريخ «جافلين» يعادل ثُلث ما يتوفر لدى الترسانة الأميركية عينها («نيويورك تايمز»، 6 آذار/ مارس 2022).
أما نُظم «ستينغر» وذخائرها، فهي تعاني نقصاً شديداً، بحسب رئيس شركة «رايثيون» المصنّعة، غريغوري هايز، الذي قال: «لدينا مخزون محدود جداً من المواد لإنتاج ستينغر». واضاف موضحاً للصحافيين أنّ «وزارة الدفاع الأميركية لم تخصّص بند مشتريات لـستينغر منذ 18 عاماً، وبعض المكونات الضرورية لم تعد موجودة في السوق» (26 نيسان/ إبريل 2022).
يرجّح الخبراء العسكريون تزويد أوكرانيا بنظم وصواريخ «ستينغر» من مخزون الترسانة الأوروبية، أسوة بترسانة الصواريخ الأوروبية المضادة للدروع من طراز «جافلين». من المبررات التي يسوقها هؤلاء أنّ دول حلف الناتو لم تشهد إنفاقاً عسكرياً ملحوظاً إلا منذ العام 2014، في عهد الرئيس باراك أوباما، ولم تولِ أولوية لبناء ترسانة عسكرية احتياطية، لاعتمادها على توفير الولايات المتحدة ما تحتاجه من «قنابل ذكية ومعدات حديثة أخرى»، كما حدث في أعقاب غزو الناتو لليبيا.
تشكّل ألمانيا القوة الأوروبية الاقتصادية والعسكرية المعتبرة، وقد تذرّعت بنقص مخزونها من الأسلحة الثقيلة والذخائر كسبب مباشر لعدم تلبية مطالب أوكرانيا بتزويدها أسلحة ثقيلة، واضطُرت إلى التماهي مع الموقف الأميركي بعد ضغوط عالية مارستها واشنطن، ووافقت على توريد نحو «50 دبابة من طراز جيبارد» (الفهد)، لكنّ الصفقة تواجه نقصاً في توفّر الذخيرة المطلوبة، ما دفع برلين إثر ذلك إلى التوجه إلى بعض الدول الأخرى التي اشترت المدرعات عينها في السابق، مثل البرازيل وقطر والأردن، لتوريد بعض ذخائر ترسانتها إلى أوكرانيا.
وأوضحت وكالة «بلومبيرغ الأميركية للأنباء أن عدد الذخائر المتوفرة في ألمانيا لا يزيد عن 23،000 طلقة «والتي لا تغطي سوى 20 دقيقة فقط من الإطلاق المكثف، في حين ستحتاج صفقة الدبابات الخمسين إلى مئات الآلاف من الطلقات لمدافعها المزدوجة» (وكالة «بلومبيرغ»، 27 نيسان/ إبريل 2022).
وأضافت أنّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن «أشاد بالخطوة الألمانية المفاجئة، بيد أنّ نقص الذخيرة يعدّ عقبة كبيرة تهدد تقويض سمعة ألمانيا»، ويشكّل فشل وزارة الدفاع الألمانية الحصول على ذخيرة معتبرة لمدرعتها أرضية «لرفض أوكرانيا للعرض».
روسيا أيضاً «تبدو كأنها استنزفت مخزونها من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز بعد أكثر من شهر من قتالٍ ضارٍ ومكثّف أبعد مما كان متوقعاً»، كما يشهد تقليص غاراتها الجوية على المدن الأوكرانية (موقع «ستراتيجي بيج» سالف الذكر).
ويستطرد الخبراء العسكريون الأميركيون أنّ حجم الهجوم الروسي على أوكرانيا «كان كبيراً، لكنه لم يكن هائلاً إذا قيس بما كان يُنتظر منه في مواجهة مباشرة مع حلف الناتو ضمن سياق حرب عالمية ثالثة تقليدية».
ويشير هؤلاء إلى اقتصار حركة القوات الروسية على الطرق الرئيسية، واعتمادها على القصف المدفعي والصاروخي البعيد المدى، ما يدلّ على بقاء مساحات واسعة من الأراضي تحت سيطرة القوات الأوكرانية، التي تتلقّى أسلحة ونظماً دفاعية سوفياتية الصنع، مثل «أس-300» ودبابات ومدرعات ومقاتلات، تقوم واشنطن بتنظيمها وتسليمها لكييف، مع وعود لدول أوروبا الشرقية بتعويضها بنظم تسليحية أميركية أكثر حداثة.
حقائق الميدان تنبئ بسردية قاتمة لمخزون الترسانة الأميركية ذاتها. جاء ذلك على لسان أسبوعية «إيكونوميست» المرموقة بعنوان «الترسانة الأميركية تُستنزف: الحرب ترفع سقف القلق بشأن قدرة أميركا على تسليح أصدقائها»، وتعويض ترسانتها من ذخائر ذكية، وخصوصاً «مكوناتها من المجسّات والشرائح الإلكترونية بالغة الكلفة»، والتي تُستنزف في الحرب بوتيرة عالية في ظل «أزمة سلسة التوريد» المستفحلة، كما أشار إليها رؤساء شركتي «لوكهيد مارتن» و «رايثيون» (مجلة «إيكونوميست»، 1 أيار/ مايو 2022).