الاتفاق النووي… تحذيرات أميركية وهدوء إيراني
} د. حسن مرهج
لا نُبيح سراً حين نقول، بأن إيران تدرك بأن عدم التوصل إلى صيغة نهائية للاتفاق النووي، سيكون له تداعيات كارثية، ليس عليها فحسب، بل على المجتمع الدولي بعموم جُزئياته، حيث أن طهران لا تُسقط من إستراتيجيتها، معادلة فشل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، خاصة مع التحذيرات التي تصدر من القوى الغربية، لجهة نفاذ الوقت في المسار التفاوضي، لكن في المقابل، ومع صخب المجتمع الدولي، فإن إيران لا تزال تُمسك بخطوطها الحمراء، وترفض التنازل عن ثوابتها وحقوقها النووية، الأمر الذي أعطى الموقف الإيراني على طاولة التفاوض، قوةً وتأثيراً وفاعليةً أكبر.
بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات صارمة على طهران، ازدادت حدة التشابك والتعقيدان بين طهران والمجتمع الدولي عموماً، فقد كان لخروج ترامب من الاتفاق النووي، الأثر الكبير في تأطير أي إتفاق نووي جديد، ومع وصول جو بادين إلى البيت الأبيض، ووصول إبراهيم رئيسي إلى سُدة الرئاسة الإيرانية، بات الملف التفاوضي بأيدي الإيرانيين، يتحرك ضمن أطر ومسارات مختلفة، مُعززاً بشروط إيرانية، وقد وضعت القيادة الإيرانية، إطاراً ناظماً للعملية التفاوضية، يُمكن إيجازها ضمن مناحي ثلاث. الأولى رفع كافة العقوبات الاقتصادية عن طهران، والثانية الحصول على ضمانات بعدم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي تحت أي ظرف، والبدء فوراً برفع العقوبات عن إيران.
الشروط الإيرانية وعلى الرغم من أحقيتها، إلى أن التوقعات الإيرانية حيال ذلك، ترقى إلى عدم الاستجابة لتلك الشروط من قبل واشنطن، وبناء على ذلك، تتحرك إيران ضمن خطة بديلة، ترتكز على ضرورة التماهي جُزئياً مع رغبات الإدارة الأميركية، لكن بما لا يؤثر على شروط إيران، وتحديداً تلك المتعلقة برفع العقوبات بشكل كامل عنها.
حقيقة الأمر، ثمة تسريبات تؤكد بأن الإدارة الأميركية، تحاول إقناع طهران، بالكف عن ملاحقة قتلة قاسم سليماني، مقابل إزالة الحرس الثوري الإيراني، من قائمة المنظمات الإرهابية، الأمر الذي رفضته إيران بشكل قاطع، وأرسلت رداً على المقترح الأميركي من خلال الطرف الأوروبي الذي يواظب على نقل رسائل مكتوبة بين الجانبين، الإيراني والأميركي، فالمسألة بالنسبة لإيران، تصب في باب الكرامة الوطنية، كما أن توقع أن تقدم إدارة بايدن على هذه الخطوة دون مقابل وتنازلات من إيران، يبدو مستبعدًا؛ حيث تدرك أن رفع تصنيف الإرهاب عن مؤسسة الحرس سيثير ردود فعل معارضة داخل الكونجرس الذي سبق ترامب في فرض عقوبات على الحرس الثوري وقطاعات أخرى محسوبة عليه، كما أن إدارة أوباما التي وقَّعت الاتفاق النووي، عام 2015، قالت بأنها ستحتفظ بإمكانية فرض عقوبات ضد طهران خارج إطار الاتفاق.
وعلى الرغم من أن الرسائل السياسية التي يرسلها القائد الأعلى في إيران السيد على الخامنئي، من خلال خطبه وتصريحاته تكون واضحة ومحددة في أغلب الأحيان، إلا أن حديثه مؤخراً في اجتماعه الرمضاني مع المسؤولين في الدولة، وخاصة بشأن جزئية المفاوضات، كان مثار أخذ ورد، فبينما نُقل عنه قوله: إن محادثات إحياء اتفاق عام 2015 النووي «تسير على ما يرام» طالب معلِّقون بتحري الدقة؛ فقد قال: إن «الدبلوماسية الإيرانية تسير على ما يرام وليست المحادثات. وما لبث مكتبه أن أصدر توضيحًا بأن الجملة التي تتعلق بالمفاوضات لم تصدر عنه، وأنه قال: إن «دبلوماسية الدولة تسير بشكل جيد». وقد دفع هذا التوضيح كثيرا من المواقع إلى تغيير عنوان الخبر وفق التوضيح الصادر عن المكتب.
ختاماً، يبدو واضحاً أن هناك تخبط دولي حيال الملف النووي الإيراني، يقابله هدوء إيراني واضح، خاصة أن إيران تواصل تطوير منشآتها النووية، وفشل المفاوضات قد يعني تنفيذ إيران لتهديدها السابق برفع تخصيب اليورانيوم إلى 90٪، وهي من الناحية التقنية تملك القدرة على ذلك. كما أن إيران تتجه لخطوة قادمة في مجال تطوير برنامجها النووي؛ فقد أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أن إيران لن تتحمل عبء تأخير بدء مفاعل آراك الجديد؛ حيث جرى تصميم المفاعل منذ البداية بجهد إيراني. والأهم أن إيران تجاوزت مرحلة عقوبات الحد الأقصى، فقد عادت إيران لتصدير النفط بمستويات ما قبل العقوبات، وعاد الاستقرار إلى اقتصادها بعد أن فشلت التوقعات بانهياره نتيجة العقوبات، كما أن موقف إيران التفاوضي قوي لدرجة تمكِّنها من الإصرار على مطالبها.