الشهيدة شيرين أبو عاقلة رمز «الوحدة الوطنيّة المقاومة»
د. جمال زهران*
بهويتها العروبية النقية، استشهدت الإعلامية المتميّزة شيرين أبو عاقلة، برصاص الغدر والمحتلّ الصهيوني لأرضنا العربية المقدسة، والتي يدنّسها بكلّ خبرات الاستعمار الأوروبي والأميركي لمنطقتنا العربية بأسرها، منذ أكثر من قرنين من الزمان، ألا لعنة الله عليهم جميعاً. حيث لم يترك الاستعمار فضيلة واحدة، بل أساء استغلال مواردنا ونهبها، ودنّس أراضينا، واستعبد الإنسان، حتى تفجرت الثورات في كلّ المستعمرات، وأجبر المستعمرون على الرحيل المخزي، ولكنه ترك لنا العملاء لا يزالون ينسّقون ويخربون الأوطان من الداخل، وهذه هي معركة الاستقلال والتحرير الحالية والقادمة، وتطهير الداخل من العملاء، وتولية حكام شرفاء وطنيين يحبون بلادهم، ويفضلونها عن احتكار السلطة والكراسي.
وهذه المناضلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ترتدي بذلة الصحافة، وترتدي واقي الرصاص، والخوذة، وتتجوّل في الشوارع مع مساعديها لتغطية جرائم المحتلّ الصهيوني، عند إعلان اقتحامه لـ جنين في الضفة الغربية، ويستهدفها العدو الصهيوني برصاصات قاتلة أودت بحياتها، مضرّجة في دمائها، وجرح زميلها، ولكنها كانت هي المستهدفة بطبيعة الحال بطلقات إجرامية من قناص صهيوني محترف بالضرب في الرقبة المكشوفة. يا لها من جريمة لا تغتفر، ولن تمرّ دون فضح أو عقاب. فقد أصبحت الشهيدة شيرين، أيقونة للتحرير الكامل لكل أرض فلسطين، وطرد المستعمر الصهيوني الذي هو امتداد للاستعمار الغربي، لكي يظلّ خنجراً في ظهر الأمة العربية للحيلولة دون تكاملها ووحدتها.
إن الشهيدة شيرين أبو عاقلة، كانت تمارس عملها الوطني، في تغطية جرائم ولسنوات طويلة، المحتلّ الصهيوني، في تنكيله بالشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال البغيض، وفي عدوانه على الآمنين، وفي اعتدائه على الأرض وإقامة المستوطنات الصهيونية، وبدون احترام لأية حقوق للفلسطينيين، ولا احترام لشرعية دولية ترفض الاستيطان وتدينه ولا تعترف به، فضلاً عن تغطيتها لكلّ الأحداث على الأرض المحتلة، وبلا تمييز وكانت صوتاً للحق وناقلة للحقيقة، فلم تساوم أو تقايض، إلا على حياتها وحياة عائلتها العروبية بهويتها الفلسطينية. وقد عرفها كلّ عربي حُر، وكلّ مواطن حُر في العالم كله شرقاً وغرباً، من خلال تغطيتها لعملها بمنتهى الأمانة والموضوعية والوطنية. وقد تابعها العالم بأسره، وشاهدها، واستمع لصوتها المميّز، مع آخرين، لكنها كانت في المقدمة من حيث المكانة والمهنية والوطنية والشجاعة.
كانت الشهيدة شجاعة، لا تخاف شيئاً، لا الرصاص، ولا الشتائم، ولا الاستفزازات الصهيونية لإعاقة عملها، إلا أنها مغامرة بحق، ولم تخف على حياتها. ومثل هذه الإعلامية المميّزة قدّمت نموذجاً في الشجاعة والوطنية، وأثبتت أنّ المقاومة لا تقتصر على الإمساك بالمدفع والصاروخ ولا حتى النبلة والحجارة والسكينة للطعن في قلب الصهيونيّ المجرم، بل إنّ المقاومة أشمل من ذلك كله. فالإمساك بالميكروفون وفضح العدوان الصهيوني وجرائمه في حق الفلسطينيين على أرضهم المحتلة، هو مقاومة كبرى فهي التي كانت تنقل للعالم كله، من خلال شاشة قناة «الجزيرة». وقد كان المشاهدون يستغربون من ذلك، إلا أنه من خلال معرفتي، أنه لم يمنع لها تقرير، أو تغطية أو نقل هواء خصوصاً أوقات الأحداث الضخمة في قلب فلسطين المحتلة.
ولكن الأهمّ هو تلك الشخصية الوطنية، التي لم تميّز بين دين وآخر في نقل الحدث، وأخيراً عرفنا أنها عروبية مسيحية، فهل اختلف التقييم لها؟ مستحيل، ومن الوهلة الأولى نكتب جميعاً وبضمير عروبي، أنها شهيدة المقاومة على طريق تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. إنها الأيقونة لإتمام تحرير كلّ فلسطين، إنْ شاء الله. فالعدو الصهيوني لا يميّز بين عربي مسلم أو عربي مسيحي، ولا يميّز بين مَن يحمل جنسية فلسطينية أو أميركية أو روسية أو أوروبية، بل هو الذي يصنف بأنّ هذا عدو للاحتلال الصهيوني أو ما يسمّيه دولة «إسرائيل». فمن يكشف جرائم الاحتلال هو العدو بالنسبة للصهاينة، ويجب التخلص منه بكلّ السبل. ثم احتواء الأمر بعد ذلك بالتبريرات والأكاذيب والمزيد من الخداع. فالشهيدة شيرين ـ فلسطينية (مسيحية) تحمل الجنسية الأميركية، وتعمل في قناة «الجزيرة» التي تفتح شاشاتها للصهاينة تحت مبرّر أنها منبر لكلّ الآراء! فهل شفع ذلك لأن تكون شهيدة برصاص العدو الصهيوني الغادر، لتلحق بالناشطة الأميركية راشيل، والتي دهستها الدبابات الصهيونية علناً وعلى مرأى ومسمع من العالم كله ووسائل إعلامه؟!
إنّ الكيان الصهيوني هو ذريعة الاستعمار، وتمّ زرعه بديلاً عن الاستعمار، وليكن فوق رؤوس الجميع عرباً وغير عرب، وفوق الحساب!! ولكن قوة الرأي العام الإقليمي والعالمي سيجبر الأجهزة العالمية على المحاسبة، تحت قوة المقاومة الفعلية ضد هذا الكيان حتى انهياره، وهو قريب بإذن الله.
أناشد السلطة الفلسطينيّة، وبدعم من جميع فصائل المقاومة، لرفع الأمر إلى محكمة العدل الدولية لمحاسبة القتلة، وفتح ملف الحالات السابقة. كما أطالب قناة «الجزيرة، بغلق شاشاتها أمام ممثلي ورموز الكيان الصهيوني، والاكتفاء بمتحدثين من أوروبا وأميركا ليشعر هذا الكيان بالحصار. كما أطالب النظم العربية الحاكمة بضرورة وقف التطبيع مع هذا الكيان فوراً، جزاء هذه الأفعال العدوانية، والجرائم البربرية التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة.
تحية لكِ أيتها المناضلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، تحية لروحك المسالمة، وتحية لأسرتك وعائلتك، ومكانك في الجنة، لأنك دافعت عن الوطن وهو أرقى أنواع الشهادة، بغض النظر عن أية صفة دينية، وبصفتك «إنسانة».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ