نعمان: الإتفاق النووي سيكرّس إيران قوة إقليمية مركزية
حوار: روزانا رمّال
أكد الوزير السابق عصام نعمان أن «المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري هي منبر سياسي وإعلامي يراد منها تشويه سمعة أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، مشيراً إلى أن أميركا وحلفاءها يريدون الآن النيل من إيران ويعتقدون أن ذلك يتحقق بالنيل من حزب الله في المحكمة والرأي العام، متسائلاً: ما تفسير ان يقول الرئيس فؤاد السنيورة أن الحريري أسرّ إليه اكتشاف محاولات اغتيال عديدة من حزب الله وأنه احتفظ بهذا السر بعد الاغتيال! وأعرب عن اعتقاده بأن جهة ما طلبت من السنيورة أن يقول ذلك في هذا الوقت للضغط على حزب الله وسورية وإيران.
وإذ لفت إلى أن سيطرة الحوثيين على عدن لها دلالات استراتيجية واسعة النطاق، بيّن نعمان «أن وصول الحوثيين الى البحر الأحمر سينزعه من السيطرة «الاسرائيلية» والأميركية ما يؤثر على ميزان القوى في المنطقة برمتها».
وتطرق نعمان إلى الملف النووي الإيراني، مرجحاً إنجاز الاتفاق، لافتاً الى أن «الإيرانيين يصرّون على رفع العقوبات بمجرد توقيع الاتفاق، لكن أميركا تريد تقسيطها تحت ذريعة معرفة مدى التزام إيران بالاتفاق».
ورد نعمان قلق وخوف «إسرائيل» من الاتفاق إلى أنه «يكرس إيران قوة إقليمية مركزية ما ينعكس على الدول المجاورة ويهدد أمن إسرائيل».
وفي الملف السوري أوضح نعمان أنه «عندما بدأ الجيش السوري عملياته ضد داعش وما يسمى قوات المعارضة المعتدلة على كل الجبهات، شعرت أميركا بأنه لم يعد بإمكانها أن تستخدم هؤلاء للضغط على سورية وإيران. كما أيقنت أن سيطرة الجيش العراقي على تكريت وربما الموصل، سيفقدها نفوذها في العراق كما جاءت الآن أحداث اليمن لتنهي هذا النفوذ على أيدي الحوثيين».
وفي ما يأتي نص الحوار كاملاً:
كيف تصف المشهد في اليمن في ظل التطورات الأخيرة؟
منذ أشهر ظهر أن ميزان القوى الداخلي في اليمن بدأ يميل إلى الحوثيين والقوى المتحالفة معهم. فالحوثيون ليسوا طلاب سلطة بالمعنى التقليدي، بدليل أنهم عندما وصلوا إلى صنعاء وسيطروا عليها ظن الجميع أنهم سيقومون بانقلاب ويتسلمون السلطة، فكان العكس، إذ قالوا للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لا نريد السلطة، بل أنت عدلت الدستور ونريد أن تعود عن خطئك ثم نشكّل حكومة وحدة وطنية ربما نشارك فيها في شكلٍ مباشر أو غير مباشر. والحوثيون لديهم برنامج سياسي إصلاحي لليمن ومعهم حلفاء، وبعد أن يبسطوا سيطرتهم على عدن وجوارها وربما على محافظات أخرى كحضرموت سيدعون إلى الحوار ولن يملوا على الآخرين آراءهم فهؤلاء مضطرون إلى التجاوب معهم والحوار يمكن أن يعقد مرة أخرى في صنعاء للوصول إلى تفاهمٍ من شأنه انتشال اليمن مما هو فيه لأنه بعد السيطرة على عدن وفرار الرئيس الهادي لم تعد هناك قوة سياسية لها ظل من شرعية حتى يراهن عليها الخارج كما أن الجيش اليمني بمعظمه يماشي الحوثيين، فباني هذا الجيش هو الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ويبدو أنه ولأسبابٍ سياسية تتعلق به، يماشي الحوثيين ولم يعد هناك من مجال لهذه القوى أن تكابر وأن تذهب القوى التي تحرضهم من دول الخليج الى مزيد من المناورة والمكابرة.
بالتأكيد سيترتب على هذا الموضوع دلالات استراتيجية واسعة النطاق، فوصول القوى الوطنية ومن ضمنها الحوثيون إلى شاطئ البحر الاحمر سواء في عدن وباب المندب أو موانئ اليمن على البحر الأحمر تعز والحديبة وبالتالي أن يسمح اليمنيون للأسطول الإيراني أن تكون له قاعدة تمويل كما للروسي في طرطوس، فهذا ينزع البحر الاحمر برمته من تحت السيطرة «الإسرائيلية»، والأميركية وتضطر هاتان الدولتان إلى أن تحسبا حساب إيران، وبالتالي تمتنعان عن ممارسة سياسة الهيمنة. ثم أن كبرى دول الخليج، أي السعودية، ستلاحظ أنه في الشمال في بلاد الشام والرافدين انتهى أمر جماعتها والمؤيدين لها عسكرياً. ومن جهة الشرق البحرين ثائرة وإيران بكل ثقلها وها هم الحوثيون على حدود جنوب السعودية، والسعودية ليست على ما يرام مع سلطنة عُمان التي لا تجاري دول الخليج في سياسة المعاداة تجاه إيران. كل ذلك له دلالات سياسية واستراتيجية وتأثير في ميزان القوى في المنطقة برمتها.
هناك رأي يقول إن الأميركيين سمحوا بدخول الحوثيين إلى عدن، ورأي آخر يقول إن الايرانيين سمحوا بذلك لإحراج الأميركيين في المفاوضات النووية وتقوية موقفهم؟
تعدّل ميزان القوى في المنطقة كثيراً ولم يعد بمستطاع أميركا ان تتصرف كما في الماضي. ثانياً، الولايات المتحدة عانت من حروب خاضتها في أفغانستان والعراق وجزء من باكستان وبالتالي تضررت كثيراً مالياً وإقتصادياً، ويقال إنها غارقة في مديونية تقدر بألف مليار دولار والمهمة المركزية الرئيسية للرئيس الأميركي باراك أوباما، هي إصلاح أو سد ثغرات الإقتصاد الأميركي وإعادة تنشيطه لتجاوز هذا العجز الفادح وبالتالي أميركا ليست بصدد توسيع التزاماتها العسكرية وتحمّل نتائجها المالية وهي تستطيع أن تقدم سلاحاً لقوى معينة التي قد تستخدمها للضغط على جهة معينة لتحصيل شروط أكثر في المفاوضات. لذلك أميركا ليست في مكان يسمح لها أن تسمح أو لا تسمح للحوثيين وغيرهم، فميزان القوى تغيّر.
أميركا تعرف أن حليفتيها السعودية و«إسرائيل» متضررتان من أي اتفاقٍ مع إيران، مع ذلك تسير باتجاه هذا الاتفاق. أين مصلحة «إسرائيل» العليا في السياسة الاميركية؟
سياسة أميركا الدائمة حتى الآن في الشرق الأوسط عموماً ثلاثية الهدف. اولاً تعزيز المصالح الأميركية وحمايتها، ثانياً صون أمن «إسرائيل»، وثالثاً مجابهة مخططات خصومها ومنافسيها. في إطار هذه الاستراتيجية لا تستطيع أميركا ان تقوم بأكثر مما تقوم به، لقد استجد عليها خطر «داعش» الذي كان يتعامل مع الاستخبارات الأميركية عندما تقاطعت مصالحهما ولكن عندما وضع «داعش» يده على آبار النفط في العراق واغتنى حتى أصبح يواجه اميركا. وعندما سيطر على الموصل، ايضاً، اتجه إلى أربيل التي هي بؤرة مصالح أميركية فسارعت أميركا الى استخدام سلاح الجو لمنعه ولم يكن هذا الأمر الذي رد «الدواعش» بل من ردعهم باعتراف اميركا هم الايرانيون واللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وشكلت أميركا حلفاً دولياً لمساعدة حلفائها في المنطقة لكنها عجزت عن القيام بعملٍ عسكري كبير يحسم الأمور.
الإيرانيون يتصرفون بجرأة بعد عملية القنيطرة ما يقلق بعض دول الخليج، كيف لإيران أن تثبت عدم تدخلها بقرارات حلفائها في المنطقة؟
– التدخل شيء والدعم شيء آخر، إيران أقرت بدعم وتدريب الجيش والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن لكن ليس الحرس الثوري من يقاتل في اليمن، الظهور الايراني لا يعني بالضرورة تدخلاً واسعاً، لكن إيران من حقها ان تدافع عن مصالحها وعن حلفائها والجميع يعلم أن لإيران وجوداً ونفوذاً في العراق وتساند الحكومة العراقية.
هل تستشرفون خيراً بوصول أميركا وإيران إلى اتفاق في الملف النووي أم أن المتضررين سينسفون في الساعات الأخيرة هذا الاتفاق؟
ظاهر الأمر حتى الآن يشير إلى أن حظوظ إنجاز الاتفاق أكثر من إمكانات الفشل، صحيح أن ثمة دولاً وحكومات تعمل من أجل عدم التوصل الى اتفاق بين الطرفين وفي مقدم هؤلاء «إسرائيل» ودول أخرى كفرنسا التي تجاري السعودية بأجر وبغير أجر، في إطلاق مواقف سلبية من شأنها تعقيد المفاوضات وتقول للاميركي أن ذلك يساعدكم على تقوية موقفكم التفاوضي مع إيران، أوروبا والولايات المتحدة تؤيدان إنجاز الاتفاق، والمسائل التقنية حلّت منذ فترة والمواقع التي توجد فيها أجهزة الطرد المركزي اتُفق عليها ومصير المواد المخصبة قد حل، بقي موضوع رفع العقوبات من حيث التوقيت والمقدار. الإيرانيون يصرّون على رفع العقوبات بمجرد توقيع الاتفاق وأميركا تريد تقسيطها تحت ذريعة أننا نريد معرفة مدى التزام إيران بالاتفاق، لكنّ الإيرانيين ما زالوا يصرون على مبدأ رفع العقوبات كلها.
إذا لم يتم هذا الاتفاق فلن تكون نهاية العالم بالنسبة الى إيران، بل تكون استفادت بإجراء هذه المفاوضات بأن أجبرت أميركا على الإفراج عما يصل إلى 6 مليارات دولار من أرصدة مجمدة في أميركا ثم أن إيران تكيفت مع العقوبات، وبالتالي لم تعد تضرها كثيراً والأهم أن للعقوبات جانباً إيجابياً، إذ إنها تحفّز البلد المعاقب على بذل جهود إضافية لإيجاد سبلٍ ووسائل لتفادي نتائج العقوبات وإيجاد أسلحة جديدة متطورة تغني إيران عن استيرادها من الدول الكبرى.
الرئيس الأميركي يحتاج إلى إجماع أصوات الكونغرس لرفع العقوبات، وفي رسالة الجمهوريين لإيران أعلنوا رفضهم هذا الاتفاق وأنهم سينقضونه عندما يصلون إلى الحكم، لماذا تجازف إيران بتوقيع اتفاق يمكن ان تلغيه الإدارة الأميركية المقبلة؟
يستطيع الكونغرس أن يعرقل عمل الرئيس ولكن في شكل محدود، ذلك أن هناك كابحين للكونغرس، الأول هو أن هذا الأمر بالدرجة الأولى من صلاحية السلطة التنفيذية المنوطة بالرئيس وليس بالكونغرس. والثانية، عندما توجد مصلحة عليا للبلاد باتخاذ معاهدة معينة من الصعوبة بمكان أن يعارضها الكونغرس ويظهر أمام الرأي العام أنه لا يلتزم حماية وتعزيز المصالح الأميركية العليا لذلك يمكن له أن يعرقل بنواحٍ إدارية ومالية ويستطيع أن يعرقل أعمال الرئيس بحجب الاعتمادات المالية إذا اتخذ قرارات تتطلب إجراءات ميدانية لها كلفة مالية تمويل.
لذلك يتوقف هذا الأمر على مضمون الاتفاق وعلى مدى تقبل الرأي العام الأميركي له وعلى ضوء ذلك يتصرف الكونغرس وأن يقول من الآن أنه سينقض الاتفاق. هذا كلام انتخابي من الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، لأنهم يتصرفون وفقاً لمصالحهم الإنتخابية في الدرجة الأولى، وهم يطمحون إلى استعادة الرئاسة من الديمقراطيين.
ماذا عن «الإسرائيليين»؟
«إسرائيل» تشعر بأن أمنها القومي لن يكون بمأمن من تعاظم قوة إيران وسبب معارضتها لأي اتفاق مع إيران ليس خوفاً من أن تصنع إيران قنبلة نووية لأن الأسلحة النووية لم تستعمل منذ عام 1945 عندما استعملتها أميركا في اليابان لأنه بعد أن تقدمت الصناعة النووية أصبحت تختزن الأخطار على الطرفين لذلك هي لا تستخدم، بل هي قوة رادعة للخصم فقط، لكن ما يجعل «إسرائيل» قلقة وخائفة من الاتفاق هو أن أي اتفاق يكرس إيران قوة إقليمية مركزية وإلا لما كانت أميركا اتفقت معها، وأن تصبح إيران القوة المركزية الأولى في المنطقة هذا له انعكاساته على الدول المجاورة وستفيض إيران بقوتها السياسية والإقتصادية وربما العسكرية وهي عملياً موجودة على حدود «إسرائيل» في سورية وموجودة في لبنان من خلال حليفها حزب الله.
الرئيس السوري بشار الأسد ليس منقاداً لايران، بل حليف وند لها كذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، إضافة إلى أن ايران ليست في حاجة إليه لكي تسيطر على اي دولة عربية واتفاقها مع أميركا سيؤدي الى تغيير موازين القوى في المنطقة.
ما هي مصلحة الولايات المتحدة في هذا الإتفاق؟
الاتفاق يضع حدوداً معينة تكفل عدم لجوء إيران إلى صنع أسلحة نووية وهذا أمر لمصلحة أميركا ولأي دولة نووية أخرى. ومن جهة أخرى الصناعة النووية ليست بالضرورة عسكرية لأن من يمتلك المعرفة والقدرات النووية بإمكانه أن يتقدم في حقول عديدة وأولها الحقل العلمي والطبي. وإيران قالت إنها تريد التخصيب من أجل الأبحاث العلمية السلمية وهذا الاتفاق يضع حدوداً على ذلك ولهذا طالبت أميركا إيران بأن تخصب نسبة متدنية من اليورانيوم لأنه اذا أطلقت يد إيران في التخصيب فقد تتحول بسرعة قياسية إلى دولة عظمى وليس فقط إلى قوة إقليمية وتخشى أميركا إذا استمرت في هذه السياسة أن تتمكن إيران مع حلفائها خصوصاً روسيا والصين التي انتسبت الى منظمة «شانغهاي» أن يصار إلى إنشاء تكتل دولي وازن يؤثر كثيراً على أسواق الولايات المتحدة في آسيا من البحر المتوسط الى آخر جزيرة في اليابان.
الصين تجري اتصالات لإنشاء بنك للتنمية الآسيوية قد يصبح منافساً للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة، وأحد أسرار أميركا هو أنه بفضل قوتها الاقتصادية أصبحت بنك العالم، فالدول والشركات والأفراد يضعون أموالهم في بنوكها لذلك أصبح الدولار عملة دولية وإذا تمكن الصينيون من إنشاء بنكٍ دولي آخر يفقد الدولار القوة التي يتمتع بها اليوم.
بعد التصريحات الغربية الأوروبية والأميركية لا سيما تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري من الأزمة السورية، ماذا يجري في هذا الموضوع وهل اقتنع الأميركيون أن لا مفر من بقاء الرئيس الأسد في الحكم؟
عاملان أساسيان يتحكمان بموقف أميركا من سورية ومن لبنان وتحديداً من حزب الله وحتى من العراق واليوم في اليمن. الأول هو أن أميركا كانت تساعد وتدعم خصوم النطام في سورية والعراق كما حكومة الرئيس الهادي في اليمن كي يؤججوا القتال ضد حلفاء إيران بحيث تضطر الى تليين موقفها في المفاوضات النووية معه، لذلك أعلنت أنها ستسلح 5 آلاف جندي سوري من «المعارضة المعتدلة» في تركيا والأردن ضد «داعش» والجيش السوري معاً إنما البداية هي ضد «داعش» باعتباره الخطر الأول، لكن هل يمكن لأحد أن يصدق أن 5 آلاف جندي يستطيعون أن يهزموا «داعش» والجيش السوري معاً!.
أميركا تريد إعداد هذه النواة وعندما يأتي أوان المفاوضات تفاوض وتقاتل من أجل أن يوافق النظام في سورية على إدخال هذه القوة في الجيش السوري كضمانة لدخول المعارضة المفاوضات ليصبح هذا الجيش أكثر اعتدالاً بحسب توصيفهم، ولكن عندما بدأ الجيش السوري عملياته ضد «داعش» وما يسمى قوات المعارضة المعتدلة على كل الجبهات شعرت أميركا بأنه لم يعد في إمكانها ان تشغّل هؤلاء للضغط على سورية وإيران، خصوصاً بعد التقدم في المفاوضات النووية مع إيران، والجيش العراقي يتقدم أيضاً ويدعمه الإيرانيون وإذا سيطر على تكريت والموصل ستخسر أميركا نفوذها في العراق وجاءت الآن أحداث اليمن لتنهي النفوذ الأميركي على أيدي الحوثيين، فشعرت أميركا بأن خصومها يتقدمون على كل الجبهات فعادت الى التصلب ظناً منها أن الكلام السياسي التصعيدي يرضي حلفاءها.
إلى من تتوجه المحكمة الدولية طالما إيران تفاوض الأميركيين، والغرب اعترف بالرئيس الأسد على رأس السلطة، وكوادر حزب الله المتهمون لا تستطيع المحكمة ان تأتي بهم؟
المحكمة ظاهرها هيئة قضائية انما لا تتصرف فقط كمحكمة، بل هي منبر سياسي وإعلامي يريد من ورائها الأميركيون وحلفاؤهم في المنطقة تشويه سمعة أعدائهم وإظهارهم بمظهر المخالفين لأحكام القانون الدولي والقيم الإنسانية. الرئيس رفيق الحريري كان على علاقة وطيدة مع السيد نصر الله ولم يظهر من خلال العلاقة أي مؤشر لوجود خلاف يستدعي أن يحذف الحريري من الخريطة السياسية، كذلك الأمر مع سورية وهي التي أتت به في عام 1992، وبالتالي بادل بعض ضباطها المنافع والمفاسد، وهذا ما ظهر من خلال إفادات الشهود في المحكمة.
المنطق السليم يستبعد أن تكون لسورية مصلحة في إزاحة الحريري من الوجود لأنه لم يكن خصماً لها ولا لحزب الله بل كان متعاوناً معهما. الأميركيون قد اتخذوا القرار 1559 ولم يستطيعوا تنفيذه فأرادوا خلق مناخٍ يساعد على ذلك. وكنت قد كتبت مقالاً بعد يومين من الإغتيال بأن الأميركيين و«الإسرائيليين» لهم مصلحة في اغتيال الحريري لأن ذلك سيؤدي إلى أن يثور الرأي العام السنّي وبعد ذلك رأينا «تسونامي» شعبياً يمكن توظيفه لإخراج القوات السورية من لبنان بإظهار أن السوريين قتلوه. ثم تم توقيف أربعة ضباط كبار وبعد أربع سنوات أطلق سراحهم لأنهم لم يجدوا شيئاً حقيقياً ضدهم.
الآن يريدون النيل من إيران ويعتقدون بأن ذلك يتحقق بالنيل من حزب الله في المحكمة والرأي العام وإلا ما تفسير قول السنيورة أن الحريري أسرّ إليه اكتشاف محاولات اغتيال عديدة من حزب الله وأن يحتفظ بهذا السرّ بعد الاغتيال!
إذا كان ذلك صحيحاً واحتفظ السنيورة بسره يعني انه بعد اغتيال الحريري تقرر عدم اتهام حزب الله بل اتهام سورية لذلك قيل للسنيورة أصمت لأننا نريد اتهام سورية لذلك صمت، وسبب آخر للكتمان هو أن الرئيس الحريري قال للسنيورة ذلك عام 2003 أي قبل جريمة الاغتيال بسنة ونصف السنة، فهل يعقل أن يصمت الحريري ولا يجري تحقيقاً أو أن يغادر البلد حفاظاً على حياته أو تيقن ان لا شيء جدياً على هذا الصعيد فأهمل الأمر.
من الناحية القانونية إذا كان السنيورة قد أدلى بهذه المعلومات لجهاز تحقيق وجرى التكتم عليه هذا يعني ان المستهدف كان سورية واذا تكتم عليه يجب ملاحقته بجرم التكتم على معلومات.
ومن الناحية الوطنية يعلم السنيورة أن البلد معرض لفتنة مذهبية منذ أمد ويجري تأجيجها كل يوم، الأمر الذي حمل الأطراف اللبنانيين على إجراء لكل ما من شأنه تحقيق تهدئة وسلام أهلي ولو محدوداً، وفي هذا الإطار يجري حوار حزب الله وتيار المستقبل، أليس من شأن هذه المعلومة ان تؤجج الفتنة، فكيف سمح لك ضميرك بهذا التصرف؟! هناك جهة ما تعلم بهذه المقولة وطلبت من السنيورة إطلاقها في هذا الوقت للضغط على حزب الله وسورية.