الأمين توفيق للي الوجه الناصع المضيء
تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأرجنتين بدءاً من العام 1939، أي عندما انتقل إليها سعاده من البرازيل، في جولة على المغتربات، فتضطره ظروف الحرب، والحكم الصادر بحقه من قبل السلطات الفرنسية في الوطن، للبقاء بحكم الاغتراب القسري إلى أن أمكنه مغادرتها، فالوصول إلى الوطن في آذار 1947.
وإذا كان بعض الذين لمعت أسماؤهم في فترة تواجد سعاده في الأرجنتين، ثم انطفأت بفعل الأمراض التي لم يتمكنوا من الانتصار عليها فقادتهم إلى الانحراف أو إلى الخيانة، أبرزهم جبران مسوح وحسني عبد الملك. فإن الكثيرين من الرفقاء استمروا على إيمانهم، وكثيرون غيرهم انتموا، لتصبح الأرجنتين إحدى مناطق الحزب الأساسية في الخارج، ليس فقط عبر النشاطات المختلفة التي حصلت، عبر الجمعية الثقافية السورية وبيت الحزب في بيونس أيرس، إنما أيضاً عبر الرموز التي كان لها حضورها الجيد على المستويين الحزبي والعام، منها الأمناء خليل الشيخ، رشيد سابا، توفيق للي، مصطفى يحيى، إسماعيل مرعي والكثيرين من الرفقاء المنتشرين في العاصمة، والمدن والمناطق الأرجنتينية، نذكر منهم على سبيل المثال، فيصل النفوري، مصطفى رزق، مطانيوس ضاحي، خليل الزغت، جورج المير، كاتالينا المير مسوح .
في مقالات سابقة تحدثنا عن الأمينين خليل الشيخ ورشيد سابا.. هنا عن أمين تميّز بأخلاقه وصفاء التزامه: توفيق للي .
فماذا عنه ؟
ولد الأمين توفيق للي في بلدة يبرود الرابضة عند سفح جبال القلمون في الشام، ومثل آلاف الآلاف من شبابنا الذين اضطرتهم ظروف سياسية أو اقتصادية، أو استجابة لطموح فردي، إلى مغادرة أرضهم، اختار الشاب توفيق للي أن يغادر إلى الأرجنتين حيث «الجالية اليبرودية» كبيرة، ولها حضورها وجمعيتها والتفافها على بعضها.
صارع وكابد، نجح. عاد إلى بلدته حيث أسس فيها مصنعاً، ثم اضطرته ظروف ضاغطة للعودة مجدداً إلى الأرجنتين. ومرة أخرى صارع وكابد، وأمكنه أن يستعيد وضعه المالي. شارك صديقه ورفيقه الأمين رشيد سابا في تأسيس عمل – شركة للكهربائيات الذي انضم إليه لاحقاً صهره الرفيق أنطون كسبو.
أنشأ الأمين توفيق للي عائلة قومية اجتماعية جاعلاً من بيته في بيونس أيرس بيتاً للقوميين الاجتماعيين، إن ولجت إليه وجدت نفسك في أرضك، لا في ركن من العاصمة الأرجنتينية.
من فضائل التزامه بالنهضة أن الرفيق أنطون كسبو تقدم لطلب يد ابنته الكبرى ليلي، فلاقى ذلك ممانعة لدى الأهل والأقارب، المرتبطين بالتقاليد البالية، إلا أنه صارع بثبات وعناد تلك العادات التي تفصل بين أبناء المجتمع. رفض أن يكون إلا من أبناء الحياة. حياة المجتمع الواحد. وأبى إلا أن ينظر إلى رفيقه على أنه رفيق درب وصراع لا تفرقة في دين أو طائفة أو مذهب.
وانتصر.
بناته الرفيقات ليلي، تمارا وأمال تتحدثن العربية، وتحيين إيمانهن بالقضية القومية الاجتماعية إخلاصاً ونشاطاً وحيوية. الحزب قضية لهن وحياة، قبل زواجهن وبعده، ولذا نراهن في كل نشاط وتحرك: مع الشبيبة السورية في الأرجنتين، مع فرق الفولكلور والدبكة، في التصدي للدعوات الصهيونية، في البرنامج الإذاعي الذي تشرف عليه منفذية الأرجنتين، في نشاطات بيت الحزب، وفي كل ما يعني الحزب ونموه وعافيته.
أما زوجته الفاضلة، نايفة، فهي اليد المساعدة، والقلب المحب، والوجه المضياف البشوش، وسيدة البيت الحريصة على أن تبقي بناتها الرفيقات في مجالات العمل القومي.
وإني أشهد، وقد زرت الأرجنتين ثلاث مرات، ان منزل الأمين توفيق للي كان منزلاً لي، وعائلته، عائلتي، وأن ما لقيته منهن ومن الفاضلة نايفة قد لا ألاقيه إلا في بيتي .
تولى الأمين توفيق للي مسؤوليات محلية في منفذية الأرجنتين، منها مسؤولية منفذ عام أكثر من مرة، وتقديراً من الحزب له، تمّ منحه رتبة الأمانة.
أوقعه القدر الظالم في براثن الداء الخبيث، ومع ذلك أبى في صيف العام 1998 إلا أن يزور بلدته يبرود، وقد اعتاد أن يزورها، كما زوجته أو إحدى بناته، كل عام، مغالباً المرض، راغباً تكحيل عينيه من مناظر وطنه، قبل الرحيل.
التقيت به في بلدة النبك المجاورة، مع زوجته وابنتهما الرفيقة ليلي، كان المرض قد بدأ يفتك به والوجه المشع ينحسر عنه نضارته وبشاشته.
كان لقاءً مؤثراً. وعد أن يزور لبنان كما كان يفعل في كل زيارة. إلا أن رغبته لم تتحقق مبقياً لدينا الأسى، وفي أعماقه اللوعة. فلم تمض أشهر قليلة على عودته إلى بيونس أيرس إلا ووافته المنية.
توفيق للي، مثال من آلاف في أصقاع الدنيا، غادروا أرضهم، إنما بقوا بالإيمان والالتزام متشبثين بها، عاملين لها، توّاقين إليها، هو بعض هذا الحضور القومي الاجتماعي الرائع عبر الحدود الحامل لألف ألف حكاية، يا ليتها تُسجل وتُعرف.
يرحل الأمين توفيق للي، إنما هو باق في ذاكرة الحزب في الأرجنتين، وعبر بناته وأحفاده، ذلك الوجه الناصع، يحكى عنه الكثير كما عن أمناء ورفقاء آخرين في الأرجنتين، سطروا في تاريخ الحزب فيها، ملاحم من عطاء ومن مآثر باقية.
بطاقة هوية
توفيق يوسف للّي .
الأم: فاطمة .
ولد في بعلبك عام 1916 حيث كان والده يخدم في الجندية، إنما العائلة أساساً من يبرود (القلمون – الشام).
غادر عام 1930 إلى الأرجنتين عند أقرباء له حيث توجد في عاصمتها بيونس أيرس جالية كبيرة من أبناء بلدة يبرود.
اقترن عام 1945 من السيدة نايفة عدول، من يبرود أيضاً ورزق منها:
ليليان: زوجة الرفيق أنطون كسبو .
تمارا: زوجة السيد دانيال سيتشيرو
وأمال: زوجة السيد عمر نصر.
عاد عام 1957 إلى بلدته حيث أسس مع عديله ورفيقه حسن عابدين مصنعاً لوسائل التدفئة، اعتبر من أكبر المصانع المماثلة في الكيان الشامي وفيه تأمن العمل لما يزيد على 135 عاملاً.
اضطر عام 1973 إلى بيع المصنع، بسبب ما راح يتعرّض له من مضايقات، والعودة مع عائلته إلى بيونس أيرس، حيث أسس مع الأمين رشيد سابا والرفيق حسن عابدين شركة للأدوات والتمديدات الكهربائية، إلا أنه بعد فترة اشترى حصة شريكيه.
بعد صراع مع المرض العضال أسلم الروح في 2 شباط 1998.