لا حجج للمماطلة والمناكفات… هيا إلى العمل على الفور
} أحمد بهجة*
لأنّ الأحد هو يوم عطلة رسمية، تنطلق اليوم الاثنين عملياً ولاية المجلس النيابي الجديد الذي انبثق عن انتخابات الخامس عشر من أيار الحالي.
اللبنانيون جميعاً ـ الذين شاركوا أو لم يشاركوا في الانتخابات ـ ينتظرون الكثير من المجلس الجديد، لأنّ الحاجات ضاغطة والأزمات متراكمة ولا يجوز على الإطلاق أن تبقى بلا حلول.
ومعلوم أنّ إيجاد الحلول هو من اختصاص السلطة التنفيذية، لكن المعلوم أيضاً أنّ هذه السلطة تأتي بإرادة المجلس النيابي الذي يُسمّي رئيس الحكومة ويعطيها الثقة بناء على بيان وزاري يُفترض أن يكون خطة عمل في المرحلة المقبلة.
ورغم أنّ عمر الحكومة المرتقبة سيكون قصيراً جداً، باعتبار أننا على أبواب استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل، وعند انتهاء ولاية الرئيس تدخل الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، سواء تمّ انتخاب رئيس جديد أو لا… رغم ذلك يقتضي الواجب الوطني عدم الاتكال على حكومة تصريف الأعمال، بل لا بدّ من الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تتحمّل المسؤولية كاملة في الأشهر المقبلة، وتبادر فورَ تشكيلها إلى اتخاذ القرارات المطلوبة لوقف الانهيار الذي نشهده في معظم القطاعات الأساسية التي لا يستغني عنها المواطنون في حياتهم اليومية.
إذ كيف يمكن ترك موضوع القمح والطحين والخبز من دون معالجة سريعة جداً، ومثله موضوع الدواء وضرورة تأمينه باستمرار لمن هم بحاجة إليه خاصة أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية. (إشارة هنا إلى أنّ وزير الصحة العامة السابق الدكتور حمد حسن لم يكن ليترك مشكلة الدواء من دون حلّ مهما كلف الأمر). وبعد الخبز والدواء لا بدّ من إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل المحروقات وأسعارها اللاهبة والكهرباء الغائبة لساعات طوال يومياً، خاصة أنّ الحلول متوافرة وسهلة جداً ولا يجوز تأجيلها أبداً.
وطبعاً لا ننسى الإشارة إلى موضوع الودائع الضائعة بين المصارف والمصرف المركزي والدولة، وقد أتحفتنا الحكومة في جلستها الأخيرة بأن أقرّت ما يُسمّى «خطة التعافي» التي هي براء من اسمها، إذ كيف يمكن أن تكون خطة للتعافي فيما هي تشطب نحو ستين مليار دولار من ودائع الناس في المصارف، يعني أنها حمّلت المودعين الجزء الأكبر من الخسائر التي يُفترض أنّ المسؤول عنها هو ثلاثي المصارف والمصرف المركزي والدولة، ولا بدّ أن يجدوا طريقة في ما بينهم لتحمّل هذه الخسائر وإعادة الأموال إلى الناس بعد تهريب جزء كبير منها إلى الخارج وصرف وتبذير جزء آخر على دعم من هنا وهناك لا يفيد بأيّ شيء إلا بشكل مؤقت وقصير الأجَل، وطبعاً كبار التجار والمستوردين والمهرّبين! بينما إذا استمرّت السياسة نفسها على المدى المتوسط فإنّ ما تبقى من أموال المودعين سيتبخّر وسيجد اللبنانيون أنفسهم (على الأرض يا حَكَم) أمام حائط مسدود حيث لا قدرة لهم على تأمين خبزهم كفاف يومهم، لأنّ خزينتهم أصبحت فارغة ولم يعد فيها ولا دولار واحد لاستيراد القمح والطحين والأدوية الضرورية.
لذلك نقول إنّ المطلوب من الحكومة الجديدة إعادة النظر بخطة التعافي، وجعلها بالفعل خطة للتعافي، وليس فقط لتسجيل النقاط والقول ها نحن قمنا بواجبنا وأقرّينا خطة على عجل رغم تسجيل اعتراض واضح من وزراء الثنائي الوطني الذين عبّروا عن الرفض المطلق للمساس بالودائع، إضافة إلى ملاحظات أخرى لم يتلقوا أجوبة عليها كما أكد الوزير الدكتور مصطفى بيرم.
وهنا يمكن للحكومة الجديدة أن تستعين بالخطة التي كانت وضعتها حكومة الرئيس حسان دياب، مع تحديثها لتصبح ملائمة لواقع الحال، علماً أنّ تلك الخطة كانت تنصّ بوضوح على حفظ حقوق 98% من المودعين ولم تحمّلهم أيّ أعباء، وقد رحّب ممثلو صندوق النقد آنذاك بالخطة، ولذلك يصبح غير دقيق القول اليوم إنّ الحكومة الحالية أقرّت خطة ترضي صندوق النقد الدولي، وثقة الناس كبيرة جداً بالرئيس حسان دياب الذي ثبُت بالتجربة مدى حرصه واهتمامه بمصالح عموم اللبنانيين، بينما الثقة معدومة بالرئيس نجيب ميقاتي بما لديه من ارتباطات مالية تجعله أسير مصالحه الخاصة!
نحن على أبواب مرحلة جديدة، وبات من الضروري حسم أمور عديدة، إذ لا يمكن ترك البلد يصل إلى مرحلة لا يعود فيها قادراً على استيراد ما يلزمه من قمح وطحين ودواء، ثمّ المحروقات وغيرها من الأساسيات التي لا غنى عنها، علماً أنّ الحلول موجودة ومتوافرة أمامنا وليس علينا إلا اتخاذ القرارات المناسبة للاستفادة منها في أسرع وقت ممكن.
وها هي روسيا جاهزة للبدء في تجهيز مصفاة النفط، وقد وافقت الشركات الروسية على تزويد لبنان فوراً بما يحتاجه من فيول لتشغيل معامل الكهرباء بمجرد توقيع العقود بين الجانبين لإنشاء المصفاة المذكورة.
كذلك لدى الصين جهوزية تامة لبدء تنفيذ مشاريع حيوية وتنموية في لبنان ومنها إحياء سكك الحديد بين الجنوب والشمال وبين بيروت والمصنع، إضافة إلى نفق حمانا ـ شتورة، وهناك أيضاً عروض أخرى في أكثر من مجال ومنها ما يتعلق مثلاً بمعالجة النفايات.
أما العروض الإيرانية فهي تطال إنشاء معملي كهرباء بقوّة ألفي ميغاوات ينتهي العمل بها في مدة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر، وكذلك تزويد لبنان بالقمح والطحين والمحروقات، بالليرة اللبنانية… هل يمكن أن نتخيّل إلى أيّ مستوى سينخفض سعر صرف الدولار الأميركي حين تتخذ الحكومة اللبنانية قرار الاستيراد من إيران بالليرة اللبنانية من دون الحاجة لإخراج أيّ دولار من السوق اللبنانية؟
وهناك مَن تحدث بالأمس عن عروض ألمانية وغير ألمانية بالنسبة للكهرباء، حسناً… لا شيء يمنع مناقشة أيّ عرض، فليتمّ وضع كلّ العروض على طاولة البحث وليُتخذ القرار المناسب بلا مماطلة لأنّ الناس لا يهمّها من هي الجهة التي تقف خلف الإنجاز بقدر ما يهمّها أن يتحقق هذا الإنجاز فعلاً وأن تلمس نتائجه بأسرع وقت، وبعد ذلك يمكن التعبير عن الشكر والامتنان لمن أنجز ولبّى حاجات المواطنين.
فالناس لا تهتمّ إطلاقاً بالسجالات العقيمة بين القوى السياسية، في ما يخصّ الأحجام والأرقام والمكاسب والمناصب! وتقول للجميع هيا إلى العمل على الفور، ولم يعد هناك أيّ حجج لاستمرار المماطلة والتأجيل والمناكفات…