النظام الطائفيّ يلفظ أنفاسه على أيدي أصحابه
لم يجرؤ بعد أحد من نواب التغيير الـ 16 الذين يُجمعون على رفض انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب على الدعوة لإلغاء طائفية الرؤساء والسير منها نحو فتح جميع المناصب الدستورية والوظيفية أمام اللبنانيين بمعزل عن طوائفهم، مؤكدين بذلك، سواء تحت شعار الأصالة أو العجز أو ذريعة الواقعية.
اذن الجميع تحت سقف النظام الطائفيّ بالتكافل والتضامن من مواقع مختلفة، لكن النظام الطائفي له أصول يهدّد خرقها بالانقسام الطائفيّ وصولاً لفتح أبواب جهنم الطائفيّة التي تترجم حرباً أهلية، ولا يعصمنا منها أي توصيف للخطر بأنه مجرد تهويل. فقد جرى مثل ذلك عام 1975 قبل أن نجد أنفسنا في قلب الحرب الأهلية.
يقوم النظام الطائفي على اعتبار أن الطائفة هي الجماعة السياسية، وليس المواطنة، وأن قانون الانتخاب يجب أن يراعي ما يسمّيه بالتوازن الوطني، والقصد الطائفي، إلى حين إلغاء الطائفية، وفي مجلس الوزراء الشيء نفسه، ويوزع الرئاسات على الطوائف الثلاث الكبرى، ووظائف الفئة الأولى مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ومراعاة التوازن داخلها.
تعثرت هذه الصيغة عندما خرجت القيادات المسيحية الروحية والسياسية، خصوصاً بعد عام 2005 تقول إن أغلب النواب المسيحيين يُنتخبون بأصوات المسلمين، وإن المجالس النيابية تأتي برؤساء جمهورية لا ترضاهم الأغلبية المسيحية، ما أنتج نمطاً ثقافياً للسياسة يقول بالحاجة لقانون انتخابات يعيد إنتاج غالبية النواب المسيحيين بأصوات ناخبين مسيحيين، ومعه معادلة رئيس جمهورية يمثل الأغلبية المسيحية الشعبية والنيابية، ونجحت المساعي لتحقيق هذا الهدف.
اليوم عشيّة انتخاب رئيس مجلس النواب تصرّح الكتلتان المسيحيتان الكبيرتان، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانيّة، بأنهما لن تمنحا أصواتهما للمرشح الذي أجمعت عليه كل الأصوات الشيعيّة في مجلس النواب، وبغياب أي مرشح آخر، ما يعني أنه لو كان هناك مجال لانتخاب رئيس المجلس من خارج النواب، كما هو الحال مع رئاسة الجمهورية، لما كانت هناك مشكلة بانتخاب رئيس للمجلس بأصوات نواب من خارج أيّ حضور لنواب طائفته.
طبعا لم يجرؤ أحد على القول إنه يعارض الرئيس نبيه بري، لكنه سينتخبه احتراماً لقواعد العيش المشترك، طالما أن لا نائب شيعياً آخر مرشح بوجهه، وطالما أنه يحظى بإجماع نواب طائفته.
لا ينتبه الكثيرون الى المعنى الأبعد مدى من السياسة في ما يجري وهو أننا في أزمة وجودية لنظام بنيويّ تهدّد بالانفجار، طالما لم يعُد النظام الطائفيّ قابلاً للاحترام، ولا أحد يملك شجاعة الخروج من قيوده.