أزمات لبنان إنتاج مشترك بين المنظومة والمقترعين…!
} علي بدر الدين
ما يطفو من مؤشرات علنية وخفية، يؤكد أنّ حبل نتائج الانتخابات وتداعياتها طويل جداً، لأنّ المنظومات السياسية على اختلاف تسمياتها وتوجهاتها وعناوينها، ومن في السلطة أو خارجها القديم منها والمستجد، ستبقى ممسكة بأطرافه ووسطه وعِقَدِه، رغم اهترائه واقتراب موعد انقطاعه وسقوط الوطن والممسكين به من «تجار الهيكل»، بعد أن أسقطوا الشعب اللبناني في المجهول والضياع والفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال.
ويبدو انّ المنظومة السياسية بكلّ أطيافها وتلاوينها ومكوناتها الطائفية والمذهبية والمناطقية والنفعية، مُصرّة على الإمعان في سياساتها الإفسادية والتحاصصية والقهرية والتجويعية، رغم مسؤوليتها المباشرة عن الانهيارات المتتالية وإفقار الناس وتجويعهم وإذلالهم وإخضاعهم وحرمانهم على مدى أكثر من ثلاثين سنة، وهي اليوم كما بالأمس والآتي من الزمن لن تغيّر جلدها أو في وارد أن تبدّل سلوكياتها وممارساتها وخطاباتها ونفاقها ووعودها الكاذبة، وستمعن أكثر في جرّ الناس رغماً عنهم، إلى ساحاتها وملاعبها وألاعيبها واحتيالها، حيث تخوض معاركها الوهمية و«الجدية» بين بعضها البعض من تحت الطاولة ومن فوقها، الهدف منها إلهاء الشعب وإشغاله عنها، خاصة بيئاتها الحاضنة، بعناوين الدفاع عن حقوق الطوائف والمذاهب والمناطق، والتهم جاهزة، منها أنها مستهدفة من «الشركاء» في الوطن، والهدف الحقيقي هو من أجل أن تغطّي فسادها وتحاصصها ونهبها للمال العام والخاص، وحرمانها لمواطنيها من الخدمات والدواء والغذاء والرغيف والطحين والمحروقات والاستشفاء، وتركهم فريسة سهلة للفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان، وأنّ عليهم وحدهم أن «يقلّعوا شوكهم بأيديهم» مع أنهم بها «بصموا بالعشرة» عن «قناعة» أو مصلحة أو منفعة أو جهل وغباء أو ترهيب وترغيب، على تجديد «الثقة» بالمنظومة ذاتها، التي أذاقتهم العلقم وحرمتهم من كلّ حقِّ لهم، وسرقت أموالهم وتخلّت عنهم بعد أن انتزعت منهم «أصواتهم»، وأغرتهم بوعود ومشاريع إنمائية وإقرار خطط تعافٍ اقتصادية ومالية، وإعداد خرائط طريق حياة جديدة سعيدة، وأنهار من «السمن والعسل»، وهي عملياً أغرقتهم أكثر في بحرٍ من الظلمات وتقتلهم ببطء، بعد أن تجاهلتهم وحوًلتهم إلى مجر أرقام تُعدُّ وتُحصى في صناديق الاقتراع، والأسوأ أنهم سلّمتهم قبل الانتخابات وبعدها و(عن سابق إصرار وتصميم) الى «مافيات» ومحتكري وتجار الأدوية، ويموت بعض مرضى الأمراض المستعصية والمزمنة، لأنّ هناك من يمنع عنهم الدواء ويتاجر بصحتهم من أجل مكاسب مالية وربح إضافي.
إنّ القوى السياسية والطائفية والمذهبية على اختلافها، لا تزال في مرحلة الانتخابات النيابية وأجوائها التي ملأتها صخباً وضجيجاً وخطابات وشعارات ووعوداً، مع أنّ صفحتها طويت، وهي لا تريد الخروج منها، رغم صدور النتائج ومعرفة النواب القدامى والجدد وجوهاً و«قامات» وأحجام الكتل النيابية التي باتت معروفة العدد والوزن والتأثير والتوجه، غير أنّ هذا لم يشبع نهم البعض من القوى السياسية، حيث لا تزال ماكيناتها و«حساباتها» تعمل وتحصي وترسم خرائط، وتراهن على هذا النائب او ذاك ومعرفة إلى أين ستكون وجهته وكتلته النيابية، والمبارزة الكلامية حول عدد هذه الكتلة وقوّتها وتنوّعها الطائفي والمذهبي والمناطقي للتباهي والافتخار والشعور بالنصر المبين، كلّ هذا قبل موعد استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، وكأنّ البلاد والعباد بألف خير، ليمارس البعض ترَف السلطة ومواقعها، ويغفَل عن أوضاع الشعب اللبناني المسكين، الذي يعيش أسوأ أيامه، تحت ضغوط وأعباء حياة قاسية جداً، ومعيشة أكثر قسوة من دون أمل بالمستقبل، وبأنّ الآتي سيكون أفضل، حيث الكثير يتمنّى الخلاص من معاناته وأمراضه وأوجاعه بالموت، لأنّ ما يعيشه هو الموت بعينه مع أنه لا يزال على قيد الحياة.
صحيح أنّ خيارات معظم الذين اقترعوا من الناخبين، كانت خاطئة وغير موفقة لـ «حسابات واعتبارات» باتت أسبابها «معلومة ومبرّرة»، ولكن هذا لا يعفيهم من مسؤولية ما هم فيه اليوم، ولا يمكن منحهم أعذاراً تخفيفية على فعلتهم التي كانت وبالاً عليهم والآتي أعظم، لأنّ المنظومة السياسية لا تستحق كلّ هذه «الثقة»، لأنها لطالما خانتهم وغدرت بالشعب، وهي لن تستسلم أو تتراجع عن نهجها وتسلطها واستبدادها، ولن تعيد الحقوق إلى أصحابها، ولا الأموال التي نهبتها، ولن تبرئّ ذممها عن كلّ ما ارتكبته بحق الوطن والشعب والمؤسسات والدولة، لأنها لن ترى أبعد من مصالحها ومن نهمِها للسلطة والمال والنفوذ والتحاصص، والبعض يطلق الاتهامات بالتخوين والطعن بـ «الظهر والبطن والوجه» والغدر وحجب «الأصوات» ناسياً أو متناسياً المثل الشعبي الذي يقول: «قد ما بتحط بالدست بتشيل بالمغرفة» والبعض «زرع الريح فحصد العاصفة».
كفى نحيباً وغضباً وعصبية واتهامات متبادلة، وليتطلّع الجميع إلى حال البلد والشعب الكارثية على كلّ المستويات، وإلى مدى أهمية الاستحقاقات الدستورية القريبة، بدءاً بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه إلى تسمية الرئيس المكلّف تشكيل حكومة جديدة قد تكون عصية على التأليف، ثم ماذا عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي سيكون خاتمة الاستحقاقات وأكثرها ضراوة لتداخل المحلي بالإقليمي بالدولي.
معارك انتخابية ستخاض بعقلية المصالح والتحاصص والقبض على السلطة والمال والنفوذ، في حين أنذ الشعب الذي هو دائماً «أم الصبي»، سيكون الخاسر الأكبر لأنه وحده سيدفع ثمن استمرار «صراع الفيلة».