مقالات وآراء

موسكو بين السياسة والميدان انقسام أوروبي…

} رنا العفيف

المشهد الأوكراني لم يغب عن الأنظار في الساحة الدولية، إلا أنّ قواعد المشهد ذاته يحاكي التقدم الروسي في الدونباس، وانقسام أوروبي في التعامل مع موسكو التي تعدّ لرسم مشهدية جديدة، فالشرق الأوكراني على الصعيد الميداني حقق مكاسب روسية في إقليم الدونباس، وما بين هذا وذاك صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ السيطرة على الدونباس أولوية غير مشروطة بالنسبة لموسكو، ومن واشنطن أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، أنّ بلاده لن ترسل أنظمة صواريخ لأوكرانيا يمكنها الوصول إلى روسيا، بينما موسكو اعتبرت أنّ هذه الخطوة عقلانية.

إذن… ما هو مستقبل العملية الروسية وهي على مقربة من الحسم في الدونباس، وكيف يُقرأ تصريح بايدن الجديد؟

طبعاّ هناك أهداف عديدة تجول في خاطر السياسة الروسية، ومنها وقف التمدّد النازي، والقضاء على النازية الجديدة التي تمثل قلقاً كبيراً على استقرار وأمن المنطقة، وتعمل اليوم على جمع كافة الأدلة والبراهين لإثبات العديد من الأمور التي حصلت في المنطقة حيث قام النازيون بقتل العشرات من النساء والأطفال منذ اندلاع الأزمة.

إلا انّ هناك وثيقة مسربة تتحدث عن تدريبات للنازية في معسكرات أميركية، إضافة إلى نزع السلاح الذي يتسبّب بزعزعة استقرار موسكو، وهذا طبعاً أحد الأهداف الأميركية التي تتعلق بجعل أوكرانيا مقراً عسكرياً أميركياً، أيّ بمعنى آخر واشنطن تسعى للسيطرة على أوكرانيا لتجعل منها قاعدة للناتو لتمركز قواتها ضدّ روسيا،، والجميع يعلم سياسة واشنطن تجاه المنطقة، فعلى سبيل المثال، عندما تريد أن تقطع أوصال العرب تجعلهم يتقاتلون مع بعضهم البعض، وهذا ما فعلته بين أوكرانيا والروس، وكلاهما ينتمون الى اللغة الأمّ، وهذا لا يروق للولايات المتحدة، فيما دسّت النازية بينهما ليتفاوت الصراع، تحت عناوين مغرضة تهدف إلى ضرب استقرار موسكو مع جيرانها لتجعل من أوكرانيا أداة شرط غير جازمة سياسياً، وتجري المعارك بحسب جدول أعمال العنف الأميركي، وهذا ما حصل فعلاً.

أما بخصوص الهدف الأساسي والذي يمثل ركناً إنسانياً بالنسبة لموسكو، فكانت عملية التباطؤ من سيادة تحترم المواطنين، وعلى هذا النحو تقدّم الجيش الروسي، بينما النازية تجاهر في القتال داخل المدينة، فكي لا تتسبّب روسيا بالأذى للمواطنين تقصّدت السير بتباطؤ خوفاً على الأرواح البشرية، وكي لا يكونوا ضحية ودروعاً بشرية للمغرضين، وروسيا حريصة جداً على هذا الأمر…

هذا كله في ميدان السياسة كان له انتصار تلو الآخر بتحقيق أهدافها على النحو الذي أرادته لها الولايات المتحدة أن تقع في كمائن غدر السياسية وكان أولها دعمها لأوكرانيا بمبلغ قدره نحو60 مليار دولار فقط أسلحة، واليوم يأتي بايدن بتصريح مثير للجدل ولافت للأنظار في الساحة الإعلامية، وهو أنه لا يريد أن يقدّم أسلحة طويلة المدى لضرب الاراضي الروسية…

طبعاً هذا أحد الانتصارات البارزة التي حققتها موسكو أيضاً، ليقرأ هذا كما قدّره البعض بالفعل، التصوّر السياسي في قول بايدن اعتبرته موسكو قمة في العقلانية، وله توجهات سياسية نحو الأفضل ربما في العلاقات السياسية التي ربما قد تبدأ بمرحلة جديدة بها واشنطن مع موسكو، من خلال المصالح المبنية على صادرات النفط والغاز على حدّ سواء، بعد أن خسرت أميركا الرهان بفرض عقوبات متعسّرة، ليبقى الخيار مفتوحاً، لا سيما أنّ هذه العقوبات تسبّب إزعاجاً لروسيا، لأنها لا ترغب بالمتاجرة كما في العهود السابقة، وبنفس الوقت هي غير مهتمة بالعقوبات لطالما تبيع نفطها وغازها في مكان آخر، هذا الشرخ نتجت عنه انقسامات تحاول أوروبا التغلب عليها في قمة بروكسل، خاصة أنّ هذا الانقسام كان يتعلق بواقع جغرافي، مما سيدفع بعض الدول لأن تعلن ارتباطها بالطاقة الروسية، وبرغم من ذلك حزمة العقوبات الأوروبية ضدّ موسكو، ضاعفت الصادرات الروسية ليصبح ٨٠ مليار يورو أيّ أكبر بأضعاف من فاتورة العام الماضي، فيما يسعى الأوروبيون الى وقف ذلك عبر موانئ بحرية باتجاه البلطيق والبحر الأسود…

بذلك تكون أوروبا هي الخاسر الأكبر من خنق روسيا، لتبدو أوروبا هنا كمن يطلق النار على قدميه، فكيف ستُحسب هزيمة أوكرانيا في ميدان السياسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى