الإمام الخميني في ذكراه الإنسان والقائد…
السيد محمد رضا مرتضوي _
يليق في هذه المناسبة، الحديث عن أبعاد شخصيةٍ دخلت التاريخ من بوابة الثورة والحماسة والإصلاح، وتخلدت في صفحاته قيادةً وفكراً وأدباً وشعراً وفلسفةً وعرفاناً. إنه إمامنا وقائد ثورتنا روح الله الخميني قدّس سره؛ رجل التاريخ الذي صنع الثورة ورسم ملامح الإصلاح وحاك لبلاده خيوط العدالة والحقوق والمساواة ونصرة المظلوم. الرجل العارف الزاهد الذي أعاد للفقراء حقوقهم وللمرأة كرامتها التي أرادها لها الإسلام وللأطفال خطةً لتربيتهم على مسلك الإيمان والصلاح والتقوى والنجاح.
نعم، لقد كان الإمام الخميني، عارفاً، سالكاً، مفسّراً للقرآن، فيلسوفاً وأستاذاً للأخلاق وشاعراً. هو القائد الذي كان شاعراً! وإننا نرى إبداعه الأدبي والبلاغي يتمثل في ديوان «شعر الإمام الخميني» الذي جُمعت فيه أشعاره التي حوت مضامين شتى، كالحب، العرفان، العاطفة وشؤون المجتمع.
الملموس في شخص الإمام الراحل كذلك، نزعته العرفانيّة، وحياته البسيطة، المتواضعة، وزهده المعروف عنه، فكان قريباً من محبّيه يجالسهم ويقدّم لهم الشاي بنفسه، يكتفي بالحدّ الأدنى من الأثاث في منزله البسيط. وكان يعشق الأطفال ويدافع عن النساء ويطالب بحقوقهم فكان بمثابة البطل الأسطوري الذي أخرج المرأة من ظلامات الجاهلية القاجارية والبهلوية، وكان في ألبومات التاريخ يظهر أباً لكلّ الأطفال يمسح على رؤوسهم ويتحدّث معهم بلغتهم الطفولية. وكان يقوم بشراء احتياجات المنزل بنفسه كما يروي لنا آية الله إمامي كاشاني. هذا إلى جانب كونه متواضعاً حتى في تعامله مع تلامذته والذين كانوا في مراحل أولية من الناحية العلمية والاجتماعية.
بماذا تذكرنا هذه الأخلاق؟ بأخلاق أهل البيت عليهم السلام مع الصغير والكبير. تلك سمات الإنسان المسلم، الإنسان الباحث عن الكمال في كافة أبعاد شخصيته. ونحن اليوم، إلى جانب الرجل القائد ورجل الدين والمسؤول الذي جاء بالإسلام المحمدي الأصيل ليحكم به بلاده فيعيد الحق لذويه وينهض بالعلوم والفكر ويحقق التقدّم في كافة المجالات، الى جانب كلّ هذا، ينبغي أن نلتفت إلى شخصيته الإنسانية ونهجه الأخلاقي.
في الواقع، من هذه المنظومة الأخلاقيّة خرج الخميني القائد، وجاء ليس رغبةً بالسلطة، وإنما لتحقيق الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي الأصيل، فكانت ثورةً للمظلوم على الظالم وللمستضعفين على الطغاة. فقد أدرك الإمام أنّ الإسلام بتعاليمه وقوانينه وتشريعاته قادر على إدارة شؤون المجتمع وتنظيم حياة الأفراد في ظلّ دولة الإسلام. إضافةً إلى ذلك، أراد أن يطبّق عرفانه النظري على المجتمع والسياسة فيكون عرفاناً عملياً له ثماره ومصاديقه في مجتمعه.
اتصفت شخصية الإمام بمواصفات عدة، تمتاز بها القيادات العالمية المعروفة ببعد النظر والنباهة التي تخوّله أن يتولى المواقع الحساسة إرضاءً لربه وضميره. فهو مصداق للمجاهدين المهاجرين المؤمنين «الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». فلقد تمتع بالإيمان والإخلاص والثبات والزهد، وكذلك العمل الصالح وتزكية النفس والتوكل على الله في كلّ خطوة.
نستحضر في صفة الخلوص قول الإمام الخميني: «إذا كنتَ مخلصاً فلماذا لا تجري ينابيع الحكمة من قلبك على لسانك مع أنك تعمل أربعين سنة قربة إلى الله حسب تصوّرك؟ في حين أنه ورد في الحديث الشريف عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله: «مَا خَلُصَ عَبْدٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً إلاَّ جَرَتْ ينَابِيعُ الْحِكمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ»، إذاً؛ فاعلم أنّ أعمالنا غير خالصة لله، ولكننا لا ندري، وها هنا الداء الذي لا دواء له».
لقد كان الإمام روح الله الخميني، قائد المظلومين والمستضعفين، صانع الثورة ضدّ الفساد والظلم وذلك بفضل وضوح رؤيته وصلابة إرادته ورسوخ عقيدته التي لم تفارق قلبه في كلّ قراراته وخطواته وعلى مدى سنوات توليه القيادة. هو الذي رسم ملامح الدولة المثالية والنظام الإسلامي الحقيقي فأصبحت الجمهورية الاسلامية على ما هي عليه اليوم من قوة واكتفاء وسيادة واستقلال.
نستنتج أنّ الحديث عن هذه الشخصية ينبغي أن يكون متعدّد الأبعاد لأنّ فضائل الإمام الشخصية ليست منفصلة عن كلّ ما وصلت إليه من سلطة وقيادة. فتلك السمات الشخصية هي ما أوصلته إلى هناك، حيث خلوده في صفحات التاريخ وذاكرة الثورات وقلوب الأحرار عبر العالم.