طريق الحياة لا يسلكها إلا أبناء الحياة
} يوسف المسمار*
ويخطئ مَن يتوهم ان غير بنات وأبناء الحياة يستطيعون الاستمرار والمسير على طريق الحياة حتى نهايتها “فطريق الحياة طويلة وشاقة لأنها طريق الحياة»، والحياة لا تنتهي إلا بإرادة موجد الحياة.
وهذه هي عقيدة القومية الاجتماعية التي اعتنقها القومي الاجتماعي في هذا الوجود من أجل نفسه في الوجود وليس خارج الوجود، وكانت قناعته الواعية وإيمانه أن يحيا قوميا اجتماعياً ويبقى على إيمانه القوميّ الاجتماعيّ حتى سقوط جسده ورحيله المادي عن هذا الوجود بعد أن يفرض حقيقته على الوجود.
ولذلك لا يمكن الجزم أن جميع مَن اعتنقوا القومية الاجتماعية يمكنهم أن يستمروا على النهج القومي الاجتماعي حتى نهاية المطاف، بل هم في صراع على جبهتين كبيرتين واحدة داخلية وهي الأخطر، والثانية خارجية وهي الخطيرة أيضاً.
أما الداخلية فتتمثل في أننا متحدّرون من قرون سقيمة بفعل الغزوات التاريخيّة الهمجيّة المتكرّرة على أمتنا ونحمل مثالب تلك القرون في دواخلنا التي تشدنا الى ماضٍ بغيض مليء بمحن السنين، ومساوئ الأجيال، وجاهليات القرون حتى اصبحت الخرافة جزءاً من وعينا وحتى أصبحنا أبناء خرافة جعلتنا عميان بصيرة وإدراك ومناقب.
أما الجبهة الثانية فإنها معركة اكتساب فضائل النهضة القومية الاجتماعية التي فجّرت في نفوسنا وعياً جديداً، وقيماً جديدة، ومُثلاً عليا جديدة تدفعنا الى تغيير وجه تاريخنا، وصناعة زمن الصلاح، وتحقيق أرقى الغايات وأعظم المقاصد، وصناعة المستقبل الجميل.
وبين هاتين المعركتين: معركة التخلص من عصور الظلمات ومعركة اعتناق عقيدة النور تتصارع نظرتان تشكلان رؤيتين مختلفتين للوقائع والأحداث ومسائل الحياة والمصير.
الأولى تهتم بالخلاص الفردي الخاص أو الفئوي الخصوصي، والثانية هي تحمل مسؤولية الخير الاجتماعي العام وتعميمه داخل الوطن وخارجه، فتبرز في النظرة الفردية نفسية الشماتة والثأر والانتقام والحميّة الجاهلية التي تشعل غابات لا نهاية لها من الأشجار المثمرة، والنفوس الحالمة بالنور والتنوير من أجل إشعال سيجارة في نفس موتور.
وتبرز في الثانية عقلية السماح والعفو والتضحية بكل شيء دفاعاً عن الحق والعدل وجمال الوجود وروعته وتقود الأمة وأجيالها من نجاح الى نجاح، ومن تقدّم الى تقدّم. وهذا ما عناه السيد المسيح حين دعا الى الولادة الجديدة من جديد لدخول ملكوت السموات.
والتي تعني ولادة الخير العام في نفسية الإنسان – الفرد وتحرّره من عبوديّة الخير الخاص، فيترفع المرء بعد هذه الولادة عن صغائر الأمور، وضحائل الأشياء ويرتفع الى مستويات عليا تتخطّى ما تطمح اليه الملائكة وتحلم.
وبهذه الولادة لا بغيرها تنبت نبتة نهضة الإنسان – المجتمع وتبرعم وتورق وتزهر وتثمر وتعطي أعذب وأنفع وأوفر إنتاج.
ولأن أبناء النهضة هم أنفسهم أبناء الإنسان – المجتمع وليسوا أبناء إنسان – الفئويات العرقية والاتنية والطائفية والمذهبية والفردية، وليسوا أبناء غير شرعيين من سلالات الإرادات الغريبة العدوانية المؤذية، فإنهم لا يستطيعون أن يستجيبوا لنداء أنانيّاتهم ومثالب جاهليّات القرون البائدة من عادات خوف وجبن وانبطاح أمام طغيان الغزاة، وتقاليد شماتة وحقد وكراهية وثأر وانتقام ضد أبناء بلادهم وأمتهم عندما يتعرّضون وتتعرّض الأمة معهم الى حرب مصيرية مفروضة من قبل جحافل الغزاة المتحدّرين من سلائل ما قبل ظهور البشر على الآرض.
بل إن أبناء النهضة القوميّة الاجتماعيّة الحقيقيين هم الروح الوثابة الثائرة، والنفسية الجميلة المتفوقة، والعقل الواعي المخطط، والسواعد الفتية القوية، والعزائم الجبارة التي لا تعرف عجزاً، والدماء الحارة الطاهرة المتدفقة التي تروي شجرة دناميّة الحياة الكريمة التي لا تنبت ولا تنمو ولا تقوى الا بمواقف العز والإرادة القوية والبطولة الواعية التي تصنع النصر.
فالحرب المفروضة على سوريانا منذ أكثر من ألف عام وتنتقل إدارتها من همجية الى همجية أعتى، ومن توحشية الى توحشية أهول هي ليست ملهاة ولا فكاهة، وتتطلب من أبناء الحياة أن يعوا أبعادها تماماً لأن في اندحارنا في هذه الحرب يعني أنه لن تقوم لنا بعد اليوم قائمة.
لقد ثبتت سورية وصمدت خلال الألف عام الماضية ولا تزال تحطم هبوب رياح الغزاة بأبنائها البررة وجنودها الأبطال وشهدائها الذين هم طلائع انتصاراتها. ولو لم تكن سورية تمثل لهم كل الشرف والعزة والكرامة لما كانت هذه التضحيات التي عزّ نظيرها في التاريخ.