الأمين المناضل كامل حسان الراحل الباقي معنا
عندما نحكي عن الرفيق رفيق الحلبي، أحد مؤسسي العمل القومي الاجتماعي في بشامون ـ إنْ لم يكن المؤسس الأول ـ لا يسعنا إلا أن نتحدث عن الرعيل الأول فيها ممن كان له اليد الطولى في نشر التعاليم القومية الاجتماعية في بشامون، فتتحوّل إلى معقل للحزب، تنشر الوعي في القرى المحيطة، عين عنوب، سرحمول، دير قوبل، لتشكل معها ومع قرى عيناب، شملان، بيصور، الشويفات، البساتين وغيرها من قرى ساحل الغرب إحدى مناطق الحزب التي شهدت نموّه ومعاركه وتصدّيه، واستمراره في الصراع بالرغم من كلّ الصعاب والمحن التي تعرّض لها.
في هذه المنطقة ـ القلعة سطع أمناء ورفقاء من النخبة، لسنا نسمّيهم الآن وهم كثر، إنما نأمل أن نتمكن ـ وغيرنا ـ أن نكتب عنهم، سيرة نضال وتضحية وشجاعة هي لنا ولأجيال الحزب، مآثر لا تزول.
أحد هؤلاء المنارات، الأمين كامل حسان الذي تسنّى لي أن أعرفه جيداً بعيد خروجه من سجن المزة في دمشق، وقد دخله بفعل المكيدة ـ المؤامرة التي حيكت على الحزب باغتيال العقيد عدنان المالكي، فانضمّ إلى اللجنة المركزية التي كان يرأسها الأمين عبدالله محسن، وكنت في عداد أعضائها.
ومنذ ذلك الحين لم أبتعد عن الأمين كامل حسان، ولم تؤثر محبتي له وثقتي بما في نفسه من إيمان وطيد بالحزب، مرحلة التباعد الحزبي في أواسط السبعينات من القرن الماضي، بل كنتُ دائماً أنظر إلى أعماقه وأرتاح إلى نفسيته القومية الاجتماعية، معتبراً أنّ الخلافات في الرأي، مهما قويت، لا تلغي ما في داخل القومي الاجتماعي المؤمن، من فضائل الوعي والالتزام والإخلاص للقضية.
انتماؤه إلى الحزب
يفيد الأمين جبران جريج في الجزء الثاني من مجلده «من الجعبة» (ص 192) أنّ الرفيق فؤاد فخر الدين من قبيع، هو الذي عمل على انتماء زميله في الجامعة الوطنية في عاليه، الطالب كامل حسان الذي بدوره «اندفع للعمل الحزبي بنشاط وحيوية فكانت نتيجة اندفاعه إدخال الطالبين نور الدين كنج (من مجدل شمس ـ القنيطره، الجولان) ـ ومعروف سعد (من صيدا(1) .
هكذا يكون الأمين حسان قد انتمى في العام 1936 حسب معلومات الأمين جريج إذ أنّ الجزء الثاني المُشار إليه آنفاً يغطي المرحلة 16/11/1935 – 16/11/1936.
إنما نرّجح أنّ الانتماء قد حصل بعد ذلك بقليل إذ أنّ الأمين كامل حسان ولد عام 1922 كما تفيد عقيلته الرفيقة سلوى.
تولى الأمين كامل مسؤوليات محلية في نطاق مديريته بشامون، إلى أن كان يوم الثاني من آذار عام 1947 حيث زحف القوميون الاجتماعيون من بشامون، كما من كلّ مناطق الوطن لاستقبال زعيم الحزب عائداً إلى وطنه بعد اغتراب قسري دام تسع سنوات. كان الأمين كامل في عداد الوفد، كما أصبح لاحقاً في عداد الرفقاء الذين توّلوا حراسة سعاده عندما انتقل إلى بشامون بعد صدور مذكرة التوقيف بحقه، يقيم فيها 14 يوماً، وعندما قرّر الانتقال إلى بعقلين رافقه، وقد تمّ ذلك سيراً على الأقدام، برفقة كلّ من الرفيقين، جوزف حداد (من عين عنوب) وتوفيق نور الدين (من سرحمول) والاثنان من مناضلي الحزب وأبطاله.
في هذه الأثناء كان الأمين كامل يعمل موظفاً في شركة النفط المعروفة بـ I.P.C. في طرابلس، إلا أنّ ذلك لم يحُل دون انتقاله إلى بشامون ليقوم بواجب حراسة، فمرافقة سعاده إلى بعقلين.
تولى الأمين كامل مسؤولية منفذ عام طرابلس، وكان في مسؤوليته هذه عندما وقع الاصطدام المسلح في منطقة الجميزة في حزيران 1949، تمّ على اثرها ملاحقة القوميين الاجتماعيين والزجّ بهم في السجون مما اضطر زعيم الحزب إلى إعلان الثورة القومية الاجتماعية الأولى في 4 تموز 1949. كان الأمين كامل حسان قد تعرّض للاعتقال، وهو، كالعديد غيره من القوميين الاجتماعيين، عرف باستشهاد سعاده، وهم معتقلون في سجن الرمل بسبب تصادم كان وقع في طرابلس بين القوميين الاجتماعيين وعناصر من حزب الكتائب، وكان الأمين كامل يتولى آنذاك مسؤولية منفذ عام المدينة.
لم يتوقف الأمين كامل أكثر من شهرين، إلا أنه عام 1951 اضطر لمغادرة لبنان إلى الشام بمساعدة الرفيق رفيق سيف الدين(2) إذ كان صدر عليه حكم غيابي لمدة سبع سنوات بتهمة القيام بنشاط لإعادة تنظيم الحزب.
في الشام تولى الأمين كامل إدارة جريدة الحزب «الجيل الجديد»، ثم عُيّن وكيلاً لعميد الداخلية. فيما كان الأمين الياس جرجي متولياً لمسؤولية عميد.
في فترة قيامه بهذه المسؤولية، أقرّ النظام الداخلي للحزب، الذي ما زال ساري المفعول حتى تاريخه، ولأنّ العميد الأمين الياس كان غادر بجولة حزبية إلى البرازيل والأرجنتين فقد صدرت تعليمات عمدة الداخلية في النظام الداخلي بتوقيع وكيل عميد الداخلية الأمين كامل حسان(3) .
وبصفته هذه اعتقل الأمين كامل إثر اغتيال العقيد عدنان المالكي، تلك المؤامرة التي حيكت لضرب الحزب في الكيان الشامي، وحكم عليه بالسجن 18 عاماً وبالنفي فترة مماثلة.
إلا أنه خرج في العام 1964 بعد أن أمضى تسع سنوات، ليجد ابنته ضياء التي كانت طفلة لم تكن تجاوزت الثلاثة أشهر عند اعتقاله، تلميذة ابتدائية، لم تعش سنوات طفولتها في كنف الوالد، المعتقل، ولم تنهل من حنانه وعطفه ورعايته.
لم يخرج الأمين كامل حسان بعد تسع سنوات من السجن، أثرت على صحته وأصابت منه الرئة، ليعتكف عن النضال، ليعوّض لعائلته عن غيابه الطويل، وليأخذ من حزبه فترة راحة ينصرف فيها إلى نفسه وإلى عائلته، على العكس تابع نضاله الحزبي ملتحقاً باللجنة المركزية التي كان يرأسها الأمين عبدالله محسن، ومساهماً في تلك السنوات العجاف من الحياة السياسية في لبنان، في تنظيم الحزب وفي تدبّر موقفه في الانتخابات النيابية، وهذا الأمر ساهم لاحقاً في أن يصدر عن المجلس النيابي قانون العفو العام الذي أدّى إلى خروج الرفقاء الأسرى من سجني القلعة والرمل في 19 شباط 1969(4).
في تلك الفترة كانت الجلسات تعقد في منزل الأمين عبدالله محسن قرب الريجي ـ الحدث، وأحياناً كثيرة في منزل الأمين كامل حسان في بشامون. إلى ذلك كان منزله مفتوحاً للعمل الحزبي، في ظروف أمنية صعبة، فلطالما كنا نتردّد إليه، فنرى في الأمين كامل المسؤول الواعي المدرك، النشيط رغم وضعه الصحي، والمؤمن بحزبه حتى المطلق.
بعد العفو، وتولي الأمين عبدالله سعاده رئاسة الحزب، كان الأمين كامل حسان رئيساً لمجلس العمد وعميداً للداخلية. حتى تاريخه ما زلت أذكر تلك الشقة في الزلقا التي تحوّلت مركزاً للحزب، بعد أن كان الأمين عبدالله سعاده يدير الحزب من بيته في جادة سامي الصلح بدارو. فيها كان عدد العاملين المداومين في المركز لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، الأمين كامل حسان في مسؤوليتيه آنفاً، الأمين خليل دياب عميداً للدفاع، الرفيق نبيل رياشي(5) ناموساً مكلفاً في العمدة، الأمين موسى مطلق للطباعة المركزية، «أم صلاح» (والدة الرفيق صلاح قهوجي)(6) لخدمة المركز وكانت تنام فيه، وكنت عيّنت في مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود، لينضمّ بعد فترة الرفيق طه غدار بصفة ناموس للمكتب.
في السبعينات تولى الأمين كامل حسان أكثر من مرة رئاسة مجلس العمد وعمدة الداخلية ومسؤوليات حزبية أخرى، كما انتخب لعضوية المجلس الأعلى وفي هذه الفترة كانت صحته بدأت تسوء بفعل المرض الذي كان يتآكل رئتيه بسبب ما تعرّض له في السجن من تعذيب وسوء معاملة، إلى أن غلبه المرض عام 1980 فأقيم له مأتم حزبي وشعبي كبير نظراً لما كان تمتع به طيلة حياته من محبة واحترام رفقائه ومواطنيه.
بطاقة هوية
ـ ولد في بشامون سنة 1922.
ـ والده حسين حسان.
ـ والدته ضياء أبو إبراهيم.
ـ اقترن من الرفيقة سلوى علامة ورزق منها:
ـ الرفيقة ضياء
ـ الرفيق مروان
ـ درس في الجامعة الوطنية في عالية وحاز على شهادة تجارة عامة.
عمل موظفاً في شركة النفط I.P.C. في طرابلس من العام 1945 لغاية 1949.
بالإضافة لامتلاكه معملاً للصابون في بشامون.
إشـارات
ـ بعد انتمائه إلى الحزب تولى مسؤولية محلية في مديرية بشامون، كان مديرها الرفيق الشاعر خطار أبو إبراهيم (الأمين لاحقاً) ومن أعضاء الهيئة الرفيقان عجاج أبو شكر وسليمان أبو إبراهيم.
ـ بتشجيع منه انتمى للحزب على مراحل جميع اخوته: عارف، عفيف، وجيه، رفيق، وشفيق.
هوامش
1 ـ نور الدين كنج: دخل المدرسة الحربية ووصل إلى رتبة لواء.
2 ـ معروف سعد: نائب صيدا، اغتيل عام 1975 والد النائبين المرحوم مصطفى سعد، وأسامة. للاطلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info
3 ـ من بلدة ينطا، استشهد في العام 1958 مع الأمين المحامي أحمد حمود والرفيقين صقر عبد الحق، ورفيق سيف الدين.
4 ـ أقرّ المجلس الأعلى النظام الداخلي في 22 شباط 1955، تعليمات عمدة الداخلية بتوقيع الوكيل الأمين كامل حسان أخذت تاريخ 4 آذار 1955، ومرسوم رئاسة الحزب بوضع النظام الداخلي بجميع مواده موضع التنفيذ صدر عن المركز في 15 آذار 1955.
5 ـ الدور الذي قام به رئيس اللجنة المركزية الأمين عبدالله محسن لجهة الاتصالات السياسية مع مختلف الأطراف، وصولاً إلى صدور قانون العفو العام، يستحقّ الكلام المستفيض عنه. شمل العفو جميع الرفقاء الذين حكم عليهم لاشتراكهم في الثورة الانقلابية، باستثناء النقيبين الأمينين فؤاد عوض وشوقي خيرالله، والملازم الرفيق الشهيد علي الحاج حسن، وهؤلاء خرجوا من سجن القلعة. ومن سجن الرمل، أفرج عن الرفقاء الذين كان حكم عليهم في 5 تشرين أول 1968 بسبب نشاطهم لحزب منحل.
6 ـ كان نشط حزبياً في الجامعة اليسوعية حيث انتمى عام 1968، ثم في عمدة الدفاع. ذكي، جريء ومقدام. فارق الحياة. شقيقه الأمين الاحل شوقي رياشي.
7 ـ شارك في الثورة الانقلابية وخرج مع العفو في شباط 1969، نشط حزبياً في المنفذية ـ القلعة: الضاحية الشرقية، ثم غادر إلى ديترويت (الولايات المتحدة) وبقي ناشطاً حزبياً إلى أن وافته المنية .
*
الكلام عن الأمين كامل حسان، رفيقاً وأميناً ومسؤولاً قيادياً، لا ينتهي بمقالة ولا هذه تحيط بتاريخه الحزبي الناصع والغني.
حسبنا أن نضيء عنه ونعرّف، آملين أن يكتب غيرنا أيضاً ممن عرفه وكان معه في سنوات النضال الشاق والمرير.