الثابت والمتغيّر في مؤتمرات القمة العربية
د. عدنان منصور
اجتماع القمة العربية في القاهرة يوم 28 آذار هو الاجتماع السادس والعشرون من سلسلة الاجتماعات للقمة العربية منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945: إذ عقد القادة العرب منذ ذلك التاريخ خمسة وعشرين اجتماع قمّة عادية، وتسع قمم طارئة إلى جانب ثلاث قمم اقتصادية تحت عنوان: القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في الكويت عام 2009، وفي مصر عام 2011 والسعودية عام 2013.
لقد شكلت قضية فلسطين والصراع العربي ـ «الإسرائيلي» محوراً أساسياً في عمل الجامعة بالإضافة إلى قضايا عربية ذات صلة أو مختلفة أو طارئة. وإذا كانت فلسطين والصراع العربي ـ «الإسرائيلي» حاضرين دائماً على طاولة القمة، فإن مسار الأحداث والتطورات والتعاطي العربي معها من خلال قرارات القمة، تضع القادة العرب منذ عام 1945 وحتى اليوم أمام كشف حساب عما فعلوا وقرّروا وما آلت إليه فلسطين وآل إليه الصراع العربي ـ «الإسرائيلي». فالقمم العربية لم يعد ينظر إليها من قِبل المواطن العربي باهتمام واكتراث ومبالاة معلقاً عليها الآمال وهي التي غرقت وعلى مدى سنين وعقود في خلافات مستمرة واختلافات عميقة في معالجة القضايا المصيرية تكتيكاً واستراتيجياً. ولم تعد القمم العربية لتحظى بمتابعة واهتمام واحترام من قِبل العالم وهو الذي عرف ويعرف مسبقاً مدى انسجام القادة العرب داخل القمم العربية، ومدى الجدية في تناول القضايا وتنفيذ القرارات الصادرة عنها والالتزام بها نصاً وروحاً، وما يظهره بعض القادة في العلن وما يخفونه في السر.
لذلك وخلافاً للقمم الأخرى التي يعقدها القادة في العالم، وما تؤديه هذه القمم من دور وما يسفر عنها من نتائج إيجابية ملموسة تترجم عملياً نجد أن القمم العربية إذا ما أراد المواطن العربي المتتبع لأعمالها وقراراتها تقييمها، تغرق في مستنقع من القرارات التي لا تشرّف العمل العربي المشترك، ولا تشرّف القضية المركزية فلسطين، حيث ظلت القرارات تدور حول نفسها، تتناقض، تتراجع، تتلاشى، فتتراجع معها القضية الفلسطينية والعمل العربي المشترك، كما تتراجع معها أيضاً ثقة العرب بالقمم وجدواها، وبالقادة وجديتهم وصدقيتهم وإيمانهم الفعلي والحقيقي بالقضية الفلسطينية وبوحدة العمل العربي المشترك.
لقد ظلت قرارات العرب في جزئها الكبير والخطير حبراً على ورق. إذ أن الأحداث والتطورات تجاوزت القادة العرب الذين كانوا شهوداً على ما كان يجري في ديارهم وحولهم، وهم لا حول ولا قوة ولا إرادة ولا نية لهم لمواجهته. فالفشل كان الطابع السائد الذي صبغ العمل العربي المشترك والذي استمر حتى اليوم ونحن نواجه قضايا أكثر خطراً وحدّة ومصيراً.
لقد دعت قمة إنشاص مصر عام 1946 التي عقدت بدعوة من الملك فاروق إلى «وقف الهجرة اليهودية وتحقيق استقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين من دون تفريق بين عنصر ومذهب». وبعد سنتين أطاح إنشاء الدولة «الإسرائيلية» بكل ما صدر عن قمة إنشاص وأصبح العرب أمام الأمر الواقع المرير.
وفي عام 1965 بحثت القمة العربية الثالثة بدعوة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر في مشروع «إسرائيل» تحويل مياه نهر الأردن، وفي إنشاء قيادة عربية موحدة للجيوش العربية، فكانت النتيجة في ما بعد أن قامت «إسرائيل» بما قامت بهمن أعمال التحويل، والقادة العرب يشاهدون المشهد من بعيد.
وبعد عدوان حزيران 1967، عقد القادة العرب قمتهم التي رفعوا فيها لاءاتهم الثلاث: «لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل» وبعد عامين عقد العرب قمتهم في الرباط عام 1969 من أجل وضع استراتيجية موحدة لمواجهة «إسرائيل» وكانت نتيجة المؤتمر أن القمة لم تكتمل ولم يصدر عنها بيان ختامي. !!!
وفي تشرين الثاني من عام 1973 وبعد حرب تشرين الأول، أكدت القمة العربية في الجزائر على «ضرورة التحرير الكامل لكل الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» عام 1967.
وبعد اتفاقيتي كامب ديفيد عُقدت القمة في بغداد عام 1978 بغياب مصر، معتبرة أن الاتفاقيتين «تمسان حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية». وفي العام التالي 1979 قررت القمة في تونس تطبيق أحكام المقاطعة على «إسرائيل» ودعم المقاومة الفلسطينية.
شعار اللاصلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع «إسرائيل» الذي تبنّته القمة عام 1967، تحوّل إلى مبادرة عام 1981 حيث أقرت القمة العربية في فاس المغرب مبادرة سلام تنص ضمناً على الاعتراف بـ«إسرائيل». وهذه المبادرة تقدم لها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز.
وبعد 11 سنة من إبعاد مصر عن الجامعة العربية، عقدت قمة استثنائية عام 1989 في الدار البيضاء المغرب شهدت فيها عودة مصر إلى الجامعة العربية.
وفي عام 1996 عقد القادة العرب قمة استثنائية بعد وصول اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في «إسرائيل» ومن أجل البحث في مصير عملية السلام !!!
عام 2001 عقدت في العاصمة الأردنية عمان قمة عادية هي الأولى منذ عشر سنوات والثالثة عشرة منذ عام 1964. وقد قررت القمة تفعيل المقاطعة العربية «لإسرائيل» والحدّ من التغلغل «الإسرائيلي» في العالم العربي.
بعد عام واحد من قرار القمة هذا، أقرت القمة العربية في بيروت عام 2002 مبادرة السلام التي اقترحها ولي العهد السعودي في ذلك الوقت الأمير عبدالله بن عبد العزيز. وقد عرضت المبادرة على «إسرائيل» انسحاباً كاملاً من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل سلام شامل وتطبيع في العلاقات مع الدول الأعضاء في الجامعة. هذه المبادرة رد عليها فوراً رئيس الوزراء «الإسرائيلي» أرييل شارون الذي قال فيها إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به. إلا أن القادة العرب في قمتهم عام 2004 في تونس أكدوا على أهمية المبادرة العربية وعلى خريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، ودانوا الجدار الفاصل في الضفة الغربية !!! وأكدوا رفض توطين الفلسطينيين. !!!
ومرة أخرى في قمتهم في الجزائر عام 2005 ومن خلال إعلان الجزائر شددوا على ضرورة تفعيل مبادرة السلام العربية التي رفضتها «إسرائيل» في السابق، وكأن مبادرة السلام فعلت فعلها كي يقوم العرب بتفعيلها.
أما القمة العربية في الخرطوم عام 2006 فقد رفضت خطة أيهود أولمرت رسم الحدود مع الأراضي الفلسطينية من جانب واحد… !!! ، كما قررت مجدداً عام 2007 في الرياض تفعيل مبادرة السلام العربية بعد خمس سنوات من إطلاقها وعادت مرة أخرى تدعو «إسرائيل» إلى القبول بها !!!
عام 2008 عقدت القمة في دمشق في ظل انقسام عربي حاد. حيث غاب عن القمة نصف القادة العرب الذين اتهموا دمشق بعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. قمة دمشق هذه أكدت تمسكها بمبادرة السلام العربية.
أما قمة الدوحة في قطر عام 2009 فقد أكدت في بيان لها على موضوع السلام العربي ـ «الإسرائيلي» وضرورة تحديد إطار زمني محدد لقيام «إسرائيل» بالوفاء بالتزاماتها تجاه عملية السلام». !!!
وبعد ست سنوات من قمة شرم الشيخ في مصر عام 2003 التي جرى فيها جدال حاد بين الملك السعودي عبدالله والرئيس الليبي معمر القذافي، شهدت هذه القمة مصالحة بين الاثنين.
وفي قمة الدوحة عام 2009 التي عرفت «بقمة غزة الطارئة» رفضت دول الاعتدال المشاركة فيها، بينما حضرتها دول الممانعة، أما قمة سرت في ليبيا عام 2010 فقد رحلت عدداً من القضايا الخلافية إلى القمة العربية في بغداد التي عقدت عام 2012 حيث كانت أحداث سورية تشكل البند الأبرز في جدول أعمال المؤتمر.
أما مؤتمر القمة العربية الأخير الذي عقد في الكويت عام 2014 بمشاركة 14 من الرؤساء والقادة العرب، فقد بدأ أعماله وسط خلافات شديدة بين العديد من الدول العربية. وقد كان الخلاف واضحاً بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي حول الدعم القطري للإخوان المسلمين في مصر، مما أدى إلى استدعاء كل من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر في 5 آذار وقبل انعقاد القمة. وكذلك الخلاف بين العراق والسعودية حول الأنبار العراقية.
وبعد أبرز هذه القمم نتساءل: ما الذي حققته القمم العربية خلال مشوارها الطويل. وما هو الثابت والمتغير في قراراتها؟
لقد أراد العرب من خلال قممهم إيقاف «إسرائيل» عن مشاريعها المائية والاستيطانية والعدوانية والتوسعية. فاستمرت «إسرائيل» بمنهج ثابت واحد لم يتغير، وبإصرار على تنفيذ سياساتها ومشاريعها بالكامل.
وكان هذا الأمر واضحاً للجميع. أما العرب فكانت قرارات قممهم متحركة متغيرة وفي أكثر من اتجاه معاكس. اللاءات الثلاث التي رفعها العرب في وجه «إسرائيل» سرعان ما تراجعوا عنها بحكم الموقف العربي المتغير والمتحرك اللاثابت والمتراجع أمام التصلّب «الإسرائيلي» والموقف الثابت «لإسرائيل» التي رفعت في وجه كل العرب لاءاتها التي تتمسك بها وبكل قوة: لا لعودة القدس إلى وضعها السابق وهي العاصمة الأبدية «لإسرائيل». لا لعودة اللاجئين، لا لإزالة المستوطنات. لا لعودة الضفة الغربية بكاملها للفلسطينيين. لا لدولة فلسطينية موحدة الأرض والشعب، لا لوقف الاستيطان والتوطين. لأن «إسرائيل» تعرف مسبقاً مع من تتعاطى ومع من تتفاوض ومدى معدن وصدقية الذين يفاوضونها في العلن والسرّ.
بعد الصفعة تلو الصفعة التي وجهتها «إسرائيل» لكل العرب على المبادرة العربية للسلام، ما زالت القمم العربية تؤكد على المبادرة. وكأن القادة العرب في عالم آخر لا يدركون ما يجري معهم وحولهم منذ عام 2002 تاريخ المبادرة وحتى اليوم. وكأن تاريخ الأحداث والتطورات تجمد عند عام 2002 ولم يدركوا بعد التطورات والمتغيرات التي تجري في الضفة الغربية والإجراءات التي تتخذها «إسرائيل» بحق القضية الفلسطينية والفلسطينيين الذين لم تبق لهم أرضاً يبنون عليها دولتهم، وما تفعله «إسرائيل» من خلال «ربيعنا العربي» عبر التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تنسق معها في أكثر من موقع ومكان في عالمنا العربي.
كيف يمكن للعالم وللعرب بالتحديد أن يثقوا بقادتهم وقممهم وصدقيتهم وهم يجتمعون ويتحدثون ويختلفون ويتصالحون ويكررون القرارات عاماً بعد عام حول فلسطين والقضايا العربية المصيرية. ونتنياهو يصرّح علناً ويقول بكل وقاحة أنه إذا ما أعيد انتخابه فإن دولة فلسطينية لن ترى النور ولن تقوم… وسنواصل البناء في القدس… وسنضيف الآلاف من الوحدات السكنية، وسنواصل تطوير عاصمتنا الأبدية..!!
أين هي قرارات المقاطعة العربية «لإسرائيل»، والعديد من الدول العربية تخلّت عنها في ظل غزل يجري سراً وعلانية. وأين هو الرد العربي في مواجهة هذا التحدي «الإسرائيلي» المهين لكل العرب؟
أين هو الثابت في مواقف العرب لجهة قراراتهم من القدس والمسجد الأقصى، ومصادرة الأراضي، وتهديد المدينة المقدسة، وزرع المستوطنات وترحيل العرب عن أرضهم وإذلالهم، وإقامة الجدار العازل. وحصار غزة، واعتداءات «إسرائيل» المتكررة على أكثر من دولة عربية؟ وأين مفاعيل قراراتهم لجهة مقاطعة «إسرائيل» والمنظومة الاقتصادية العربية المتكاملة ومواجهة البطالة والفقر والجهل والتخلّف والأمية في عالمنا العربي، وهناك من ينفق مئات المليارات من الدولارات على التسلّح من دون حساب ولمواجهة من؟! ألمواجهة «إسرائيل» التي طأطأ العديد رؤوسهم لها أم أنها لمواجهة عدوّ أوجده الغرب وهماً وتلقفه بعض العرب عمداً وغباء وجهلاً… فأضحت عندهم إيران والمقاومة عدواً، وأصبحت «إسرائيل» لهم شريكاً وعضداً وحليفاً.
بعد 12 عاماً من انعقادها عام 2001، اجتمعت لجنة القدس عام 2013 في مراكش المغرب، وكأن هذه المدة كانت برداً وسلاماً على القدس والمسجد الأقصى وعلى فلسطين، لا يستدعي الأمر اجتماعاً واحداً على الأقل لمتابعة التطورات والمتغيرات على الأرض.
أين هو الثابت في صدقية وجدية القرارات العربية عندما تكون الخلافات داخل البيت العربي هي القاعدة، والوفاق والاتفاق هو الاستثناء؟! وهل عقدت القمة العربية مرة من دون أن تكون هناك حساسيات بين البعض أو خلاف حادّ داخل أروقة القمة أو تباين في المواقف حول قضايا عربية مصيرية؟ وهل هناك توافق عربي واتفاق حقيقي حول التطورات والأوضاع في سورية، والعراق، واليمن، ومصر، وليبيا، ولبنان، والسودان والبحرين وتونس والصومال والسعودية وقطر وغيرها، لنقول إن هناك إجماعاً عربياً على قرار واحد وأن القمم العربية تجمعها وحدة الصف ووحدة الهدف؟!
بعد أقل من ستين عاماً على أول عمل أوروبي هدف إلى تأسيس نواة لوحدة أوروبية، توحدت أوروبا تحت عباءة الاتحاد الأوروبي على رغم الفوارق العديدة لثماني وعشرين دولة أوروبية، ثقافياً وجغرافياً ولغوياً واقتصادياً ومالياً. لأنه كان هناك قادة على مستوى أوطانهم ودولهم ينفذون ما يقررون، ويفعلون ما يقولون، ويصدقون عندما يعلنون ويوفون عندما يعدون. لكن العرب بعد 69 عاماً من أول قمة عربية، ما زالوا ثابتين على خنوعهم، ومتحركين ومتغيرين في قراراتهم المتناقضة التي تتوالى عاماً بعد عام، والحصاد هو هو: مزيد من الخلافات والاختلافات، مزيد من استنساخ القرارات والبيانات والتوصيات والنداءات… مزيد من الاجتماعات والمبادرات. مزيد من القواعد العسكرية على أراضينا… مزيد من الذل والإذلال اللاحق بنا وبأمتنا، مزيد من الركض والهرولة خلف أصحاب القرار الدولي وخلف كل من يتقدم بقرار جديد، ومزيد من الالتصاق والانبطاح لقوى الهيمنة والتسلط.
ما هو القرار الذي اتخذته القمم العربية حيال فلسطين وقضيتها وكل ما يتعلق بها ونفذته على الأرض؟! هل استطاعت القمم العربية وحتى اليوم أن تطل على العالم إطلالة الواثق بنفسه تظهر له هيبتها وشجاعتها وإرادتها وصدقيتها وجديتها وهي تتعاطى مع أحداث العالم وبالتحديد مع قضايا أمتها لتكون جديرة باكتساب ثقة واحترام العالم كله؟!!
اليوم ونحن على موعد مع اجتماع القمة العربية، وأمام تطور الأحداث في اليمن جراء الغارات العسكرية التي تقوم بها دول عربية وعلى رأسها السعودية، عمليات ألحقت الدمار وسببت سقوط عشرات الشهداء من المدنيين، نتساءل: ما الذي ستفعله القمة حيال هذا المشهد الذي سيؤسس لشرخ كبير بين الشعوب العربية ويزرع الأحقاد في النفوس لزمن طويل. فأي عمل عربي مشترك ينتظره العرب من القمة، والمواطن العربي يرى «النخوة» تدب عند البعض لإحياء نظام سقط، وتغيب هذه النخوة وهو يرى غزة تدمر لأكثر من مرة والمسجد الأقصى يدنّس بأقدام الصهاينة وما تبقى من فلسطين يضيع تفترسه «إسرائيل» رغم أنف العرب.
وهل ما جرى في اليمن من عمليات عسكرية يعزّز وحدة الشعب اليمني ويعزّز العمل العربي ويصون الأمن القومي العربي ويساعد في ما بعد على مواجهة الخطر الصهيوني المتواصل ويساعد الشعب الفلسطيني على تحرير أرضه؟! أم إن البعض بما يقوم به يجعل نفسه حصان طروادة للآخرين يحارب بالنيابة عنهم من أجل مصالحهم واستراتيجيتهم؟!
لا نريد قمماً نشهد فيها الأبهة والفخفخة، الصخب والضجيج، ولا الاستقطاب أو التفريق. لا نريد قمماً تديرها البطون المنتفخة، ولا صوراً للإعلام والدعاية والترويج… بل نريد قمماً توحد ولا تفرّق، تقوّي ولا تضعف، قمماً تليق بآمال شعوب هذه الأمة وتاريخها، لا قمماً تصبح سنوياً عرضة للسخرية والاستخفاف والتهكّم بنا وبسياساتنا وبسلوكنا وبقراراتنا من قِبل الأصدقاء والأعداء على السواء وعلى رأسهم العدو «الإسرائيلي» الذي خبر وعلى مدى سبعين عاماً معدن قادة العرب وعزيمتهم وحقيقة إيمانهم بقضايا أمتهم. لذلك تأكد العدو من نفسه أنه هو الثابت على موقفه وسياساته وخططه وعلى ما يؤمن به. وأن قادة القمم العربية هم العنصر المتغير المتحرك الذي لا يثبت على قرار ولا على موقف ولا يلتزم بسياسة أو يحقق وعداً، ولا يضمه صف واحد ولا يوحده هدف واضح. فكيف لا يكون هذا العنصر عاجزاً عن تنفيذ القرارات وإن اتخذها وهو المتغير والمتحرك دوماً في الرؤى والقرارات والسياسات والرهانات الخاطئة على الأصدقاء والأعداء.
ما نريده، من قممنا العربية مواقف حاسمة شجاعة صادقة واعدة تليق بكرامة شعوب هذه الأمة وتطلعاتها. ويا ليت الجامعة العربية تستفتي الشعوب العربية، صاحبة الكلمة تستطلع رأيها في هذه القمم ودورها وأدائها وفعاليتها ونتائجها قبل الدعوة إليها، لترى ويرى معها المواطن العربي عن قرب وعن كثب الرصيد الفعلي الذي تركته هذه القمم في وجدان ونفوس شعوبنا العربية منذ سبعين عاماً وحتى اليوم.
وزير الخارجية السابق