غلبت الروم… و«جار السوء الغشوم»…!
محمد صادق الحسيني
غلبت الروم في عدن فتحرك قرن الشيطان مناطحاً اليمن.
إنه تلفيق بين الحاضر والماضي وبين الجغرافيا والتاريخ.
مع دخول الجيش اليمني مسنوداً بغطاء سياسي ومعنوي ولوجيستي من أنصار الله الحوثيين، إلى محافظة عدن واستكماله السيطرة العملية على إقليم الجنوب باعتباره آخر موقع كان لا يزال خارج سلطة الدولة الوطنية اليمنية أنهى عملياً حقبة الهيمنة السعودية على اليمن مرة واحدة وإلى الأبد.
كان هذا كافياً وحده أن يثير حفيظة المملكة السعودية الوهابية إلى الحد الأقصى ويزيد من غيظها المتفاقم كلما كانت تسمع أخباراً جديدة عن نجاحات أنصار الله الحوثيين وتقدمهم واقتدارهم في تشكيل أوسع دائرة وحدة وطنية حرة ومستقلة في قرارها عن الدرعية في التاريخ اليمني الحديث.
فإذا ما أضفنا إلى ذلك وصول نفوذ وتأثير هذا اللاعب اليمني الجديد إلى مضيق باب المندب وتحكمه عملياً في أخطر وأهم مضيق استراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية بكل ما يعنيه ذلك من تحول اليمن الجديد إلى لاعب أساسي في المعادلة الدولية.
تلك المعادلة التي هي أصلاً في طور التشكل على أطلال معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والتي سبق الحوثيين إليها كل من إيران وحزب الله والدولة الوطنية السورية في إطار محور المقاومة والممانعة.
عندها نستطيع فعلاً أن نفهم عمق الفاجعة التي تكون قد حلت في الدوائر الغربية التي يعتاش عليها حكم قبيلة آل سعود.
فأن تخسر اليمن تابعاً ثم تفشل في تحويله إلى صديق ومن بعد ذلك تفشل في منعه من التحول إلى لاعب منافس في الإقليم لا بد أن ذلك يزيد في تفاقم الضائقة التي حلت بحكام الدرعية.
فكيف إذا ما علمت أو تأكد لها أن هذا التحول الكبير سيحول اليمن مع مضي وقت قليل نسبياً إلى مارد عملاق ولاعب قوي في شؤون الإقليم الذي تخسر فيه السعودية آخر أوراقها والوحدة الجغرافية الأكثر التصاقاً بها والأقرب إليها جغرافياً وتاريخياً أعني اليمن القديم الفقير صاحب بيرق الدولة الفاشلة كما كانت الدرعية تتمنى له دوماً أن يكون وتحرص على إبقائه في تلك المحطة إلى ما لا نهاية.
إلى هنا وحده يكفي أن تنام الرياض ولا تغفو إلا وتفيق على إيران ثانية ولكن هذه المرة على تخوم نجران وجيزان وعسير وعلى بعد 800 كلم فقط من الركن اليماني في مكة المكرمة.
إذا أضفنا إلى كل ما تقدم زيارة وفد يمني رفيع المستوى إلى طهران وعودته من هناك بعقود تعيد لليمن عزته ونفطه الممنوع من التنقيب عنه وإعادة تشكيل بنيته التحتية الممنوعة من الصرف سعودياً و28 رحلة أسبوعيا بين طهران وصنعاء لتنشيط وإنعاش سماء اليمن فضلاً عن إعادة بناء موانئه وأسطوله البحري كما أعلن في نص التوافقات الثنائية، فماذا سيكون حال حكام الدرعية حينئذ!؟
سؤال كان يحير المراقبين كثيراً وأخذ المحللين يساراً ويميناً وجعل الراسخين في علوم ما بعد الربع الخالي يتوقعون كل شيء إلا أن ينطح قرن الشيطان نفسه انتحاراً، لكن هذا ما وقع عندما استدعى التدخل الأجنبي على قاعدة علي وعلى أعدائي.
إنه الفخ والهاوية أو المستنقع الوحل الذي رمت به الرياض نفسها هروباً من واقع مر لم تستطع تجرعه عندما قررت أن ترمي بنفسها في تهلكة أرادتها لها «إسرائيل» وأميركا المتخوفتان والمترددتان في خوض حرب مفتوحة ضد محور بات يملك ليس فقط قراره المستقل بل والقدرة على رسم ملامح معادلة العالم الجديد.
لا أحد يستطيع إقناعنا مطلقاً بأنها حرباً سعودية على اليمن فضلاً عن كونها ضد الحوثيين وحدهم، فهذا هو العنصر الغريزي المحرك نعم.
لكن الرياض التي لم تعد تملك قرارها المستقل منذ أن غرقت في مستنقع الحرب القذرة عند بوابات الشام بالمال والرجال والسيف والزيف دفاعاً عن العدو الصهيوني والسيد الأميركي المتربع في البيت الأبيض.
لم يبق لها القدرة وهي المنهكة والمتهالكة والمتهافتة مملكة وقبيلة وحكماً إلا أن تقبل بتنفيذ سيناريو الحرب على اليمن كآخر أوراق متاحة لدى ساكن البيت الأبيض ليلعبها ضد طهران وموسكو وبكين، في محاولة منه لخلط الأوراق.
ليرضي بذلك غرور الدرعية وعنجهيتها أولاً إذا ما ربحت الحرب ولو موقتاً.
وليضغط على طهران وموسكو وبكين ثانياً في حوارات السقف العالي أن كان حول النووي أو أوكرانيا أو في شأن المحيط الهادئ.
وأن يخلط أوراق الإقليم ثالثاً لعله يؤخر ولو قليلاً تسارع انحطاط إمبراطوريته وأفول نجمها في الإقليم على الأقل كما يؤجل قدر الإمكان توسع وتقوية حلف المقاومة والممانعة الأوسع إقليمياً الممتد من المتوسط إلى الأحمر ومن هرمز إلى باب المندب.
عرضت هذه المهمة على أنقرة أولاً فرفضتها ثم عرضت على القاهرة فتذمرتها ولما أوكلت إلى الرياض تحمست لها فكانت ظلومة جهولاً.
وأما العشرة «اللملوم» ممن يسمون بالتحالف فليسوا سوى «شاهد ماشافشي حاجة» لن يكون لهم أي دور حقيقي في المهمة القذرة هذه سوى التشويق والتشجيع والتصفيق، والتحلل من المسؤولية عند أول اختبار حقيقي.
وحدها الرياض ستدفع ثمناً غالياً وغالياً جداً على فعلتها هذه غير المحسوبة بكل الموازيين والمقاييس العقلانية والأخلاقية، وأول الثمن فشل عدوانها الغاشم فشلاً ذريعاً واستمرار تطهير المحافظات الجنوبية من «القاعدة» والتكفيريين وشراذم هادي بعزيمة وقوة أكبر على يد الجيش واللجان اليمنية الوطنية الثورية، على رغم الغارات والقصف الجوي السعودي الأميركي الأعمى المتواصل والذي يذكرنا بقصف العدو الصهيوني للضاحية الجنوبية خاصة ولبنان عامة في حرب الـ33 يوماً.
وأما المقبل من الأيام والأسابيع والأشهر فإنه يحمل في طياته بالإضافة إلى رد مزلزل من جانب ثوار اليمن وجيشه، فإنه سيشعل لا محالة الصراع الداخلي بين الأجنحة السعودية التي بدأت تلوح ملامحه في الأفق بعد ورود أنباء عن تململ متعب بن عبد الله قائد الحرس الوطني، وسخرية الوليد بن طلال ممن سماهم الجهال والأولاد محمد بن سلمان ومحمد بن نايف كما يرد تباعاً من مجالسه الخاصة.
هذا ناهيك عن استعدادات يمنية على قدم وساق لاستعادة أراضيهم المحتلة من المحافظات الثلاث، وهو الملف الذي فتح بقرار سعودي غبي ولن يغلق إلا باسترجاع تلك الأراضي حرباً أو سلماً.
باختصار شديد، ستخسر القبيلة السعودية الحاكمة مزيداً من الجغرافيا إضافة إلى التاريخ كله لأنها ستخرج منه وإلى الأبد في نهاية المطاف.
إنها قواعد السنن الكونية التي لا تقبل الشك والترديد فضلاً عن تجريب واختبار هواة السياسة والأمن والاستخبارات من أمراء الدرعية على قاعدة: «نتعلم الحجامة برؤوس اليتامى»!.
ذلك أن اليمنيين ليس فقط لم يعودوا يتامى، بل سادة المحيط الهندي والبحر الأحمر وأسياد الجزيرة العربية كما ستثبت نتائج الحرب السعودية الأميركية المفروضة.