حراس الهيكل يقاتلون القهقرى وبحرنا يرسم قوس النصر…
محمد صادق الحسيني
«لن نقاتل عنكم بعد اليوم ولدينا الكثير ما نفعله لإعادة تأهيل خزائن مجمع الصناعات الحربية وبيوت المال النفطية والغازية لشركاتنا.»
هذا ما سيقوله بايدن الشهر المقبل حين يزور الكيانين المتهالكين «الإسرائيلي» والسعودي.
لن تكون المنظومة التي سيطلق ورشتها اليانكي الأميركي هجوميّة أبداً، بل دفاعية بكلّ معنى الكلمة.
هي محاولة سدّ المنافذ والمسارب التي بدأت تتسلل الى البيت «الإسرائيلي» الغارق في التيه، والبيت السعودي الأعمى!
وكيسنجر في حديثه الصحافي الأخير لم يتحدث عن الحرب أبداً مثلما فسّر البعض، بل إنّ ما قصده من عبارة تحوّلات كبرى تنتظر منطقتنا ليست سوى خرائط النفط والغاز الجديدة التي ستكون نحن من يحدّد شكلها وهي التي سترسم حدود البلدان من الآن فصاعداً وليست الجيوش التقليدية.
إنها معركة إرادات ومقاومات ومعارك من نوع جديد يمكن وصفها بالضربات بين المعارك والحروب وليست حروب جيوش جرارة تفرز حرباً عالمية، كما يهوّل البعض!
وما قرأه كيسنجر كان بعين الخبير المخضرم للنظام العالمي الجديد الذي سيقلب النظام العالمي الحالي على عقبيه من قلب تضاريس بلاد العرب بعد كلّ الهزائم التي تلقاها خلال عقد من الزمان في الكرّ والفرّ عندنا ويتوّج اليوم بالهزيمة الكبرى المرتقبة له في أوكرانيا.
نعم من بحر عكا وبحر صور لبحر بانياس وبحر اللاذقية سيتمّ تظهير الفشل الأميركي وسيتبيّن للعالم أنّ ساكن البيت الأبيض لم يعد شرطيّ العالم، بعد أن تهشمت صورته في أكثر من معركة على بوابات عواصم محورنا المقاوم وسواحل مدننا وبلداتنا من بوابات الشام الى أسوار بغداد وتخوم صنعاء، ومن هرمز الى باب المندب ومن البصرة الى الناقورة…
لا يخطئنّ أحد التقدير بأنّ المعركة الحالية سواء تلك التي ستدار في المضائق والأحواض النفطية والغازية عندنا او تلك التي تدار حالياً في أعالي البحار عند أصدقائنا الروس والصينيين أنها معركة هجومية أميركية…
أبداً ليست كذلك، إنها معركتهم الدفاعية الأخيرة وهم يتجهون بتسارع شديد نحو قعر جهنّم كما يصفهم الصينيون في ردهات مطابخ قرارهم.
انها المعركة التي نحن من يمسك بتلابيبها ونحن الذين فيها في حالة هجوم استراتيجي حتى وانْ كنا نعيش أعلى درجات الضغوط وشظف الحصارات الاقتصادية!
صدقوني انهم يقاتلون القهقرى رغم كلّ استعراضات القوة والضربات الإيذائية هنا وهناك…
انهم يقاتلون بشراسة تكتيكية لتقليل أثمان الانسحاب الاستراتيجي، وتقسيط تكاليف خسائر حروبهم الإقليمية الفاشلة وآخرها تلك التي خاضوها عند بوابات الشام والعالميّة ضدّ أصدقائنا وآخرها تلك التي يخوضونها حالياً في أوكرانيا.
لو كانوا في حالة موازين قوى تصبّ لصالحهم لم يتردّدوا لحظة واحدة لإرسال جيوشهم الجرارة الى بلادنا وقاموا بقصف وتدمير واحتلال مدننا وبلداتنا وجعلوا الموازين عاليها سافلها، لكنهم عاجزون ولا يملكون إلا التسليم بموازين القوى التي باتت لغير صالحهم بكلّ الحسابات.
إنها حسابات إقطاعيّات أوروبا وأميركا التي ترسم ذلك بدقة متناهية للحكومات الحارسة للهيكل العام للشركات المتعددة الجنسية وهي التي توجّههم بهذا الاتجاه او ذاك.
وليست الحكومات في واشنطن وباريس ولندن وغيرها من عواصم المتروبول الا أدوات تنفيذية عند آلهة السلاح والنفط والغاز والمال الحرام!
للأسف طبعاً فإنّ الأغلب الأعمّ من الناس في العالم، انما يظنّ أنّ أميركا، وبالتالي ألمانيا واليابان، وبقية الدول الأوروبية، هي دول كبيرة راسخة، ولديها مؤسساتها الدستورية والقانونية، وجيشها وشرطتها وما الى ذلك،
وانّ فيها حكومات تحافظ على مصالح شعوبها، وأمن أوطانها ومستقبلها، وبقية الأسطوانة المعتادة التي نسمعها من كبار المحللين والكتاب العاملين لديهم…
وهو غش واحتيال وخداع بات مكشوفاً، لمن ألقى السمع وهو بصير، بعد المواجهة الروسية الأطلسية الأميركية في أوكرانيا، خصوصاً مع اشتعال حروب الطاقة ومجمعات الصناعات الحربية.
بنظرة واقعية إجمالية ثبت بالدليل والبرهان إنّ هذه الجغرافية الحكومية الغربية ما هي إلا إقطاعيات من العصور الوسطى، تعود للملك، وحاشيته من الأرستقراطيين والنبلاء، والناس عبيد مملوكة لهم، تعمل باليوميّة، لصالح بضعة أوليغارشيات، في تلك المصانع والمزارع والمناجم والمحاجر والشركات وآبار البترول إلخ…
بينما صار واضحاً لدينا الآن أنّ الشركات العالمية التي ظهرت على سطوح جغرافيا القتال أمثال بوينغ ولوكهيد ورايثون وجنرال اليكتريك وأمازون ومايكروسوفت وبنك إنجلترا وبنك الاحتياطي الفيدرالي ووول استريت ليست شركات حكومية تعود لهذه الدول الكبيرة…
أبداً ليس كذلك، إنها في الحقيقة ليست سوى شركات متعددة الجنسية تعود لبضعة أفراد من بيوت المال العالمية، وهذه الحكومات «الجبارة» مثل حكومة ماكرون وبوريس جونسون وترامب بالأمس وبايدن اليوم ليست سوى حارس يحرس هذه الأموال لأصحابها الأوليغارش.
وإذا كنا نظنّ انّ المنظمات العالمية مثل مجلس الأمن ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة العدل ومنظمة التجارة الحرة وما يسمّى بالمجتمع الدولي، انما هي منظمات دولية تعمل لأجل شعوب العالم ورفاهيته وأمنه وصحته فنحن مخطئون ايضاً…
لقد اتضح للقاصي والداني الآن بأنها هي الأخرى ليست سوى مجرد حارس مصالح تلك الشركات العالمية المتعددة الجنسيات، ايّ انها مثلها مثل «بلاك واتر» وأمثالها، كلّ ما هنالك أنها تتمظهر بملابس مدنية وياقات بيضاء ويلبس مدراؤها قفازات ناعمة تخفي عن الرأي العام قبضاتها الحديدية وأسلحتها الرشاشة المغطاة بشكل جيد تحت معاطفها ومجملة بربطات عنق ملونة.
هيكلهم يتلاشى رويداً رويداً والعالم يتغيّر بسرعة لصالحنا.