الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام حرب دائمة بين العدم والوجود

} يوسف المسمار*

وصلني هذا السؤال من رفيقة على بريدي الالكتروني تقول: «هل تعتقد أن «إسرائيل» ستشن حرباً على لبنان وماذا نفعل لو شنت هذه الحرب؟».

أجبت ان رأيي واضح هو الرأيّ القومي الاجتماعي الذي نطق به سعاده حين قال: «ليس لابن النور صديق بين ابناء الظلمة. فبقدر ما يقدّم لهم من محبة يقدمون له من البغض». وهذا القول يعني أن الحرب بين النور والظلام دائمة منذ بداية الوجود. فحيث يكون النور ينتفي الظلام وحيث ينطفئ النور يتمادى الظلام ويشتد، وتتكاثر الخفافيش والحشرات. وبدلاً من أن يحسم ابناء النور الحرب في طرد الظلام من ديارهم، صار الخاوون من الوعي يتوهمون أن الظلام قدرٌ لا مرد له وأصبحوا يخافون من الظلام. وهل من المعقول أن تستطيع كل ظلمات الكون أن تطفئ الشمس وتلغي النور وتجعل أبناء النور في ظلام يعمهون اذا كانوا بالفعل أبناء نور؟

وهل نحن في غير حالة حرب منذ نشوء الكيان السرطاني اليهودي في بلادنا؟

 وهل يجوز أن نبقى واضعين رؤوسنا في الرمال الى ان يستكمل أعداؤنا إبادتنا ويقيمون «إسرائيل» الكبرى من الفرات الى النيل؟

 وهل جميع الويلات والنكبات التي مرّت على أمتنا لم تكن كافية لإيقاظنا فنعي ونتخذ الموقف البطولي الواعي المصيريّ الذي يغيّر وجه التاريخ؟

وهل يمكن للبنان أن يعيش آمناً مستقراً اذا كانت النيران تحرق فلسطين والفلسطينيين؟

أليس اغتصاب فلسطين وإحراقها مقدمة لاغتصاب لبنان واغتصاب كل كيانات الآمة بما فيها كيانات الشام والأردن والعراق والكويت وبعد ذلك الانقضاض على سائر الأقطار العربيّة واستعباد أبنائها؟

إن أبناء أمتنا الفلسطينيين يا رفيقتي هم الذين تركهم إخوتهم أبناء كيانات الأمة وطوائفها في الخط الأماميّ للدفاع عن وجودنا ولا يزالون صامدين في الخط الأمامي بالرغم من جميع المآسي. وأبسط الأمور هو الوقوف الى جانبهم اذا لم يكن وقوفاً بالفعل، فعلى الأقل وقوفاً بالقول الذي يشدّد عزائمهم لأنهم لا يدافعون عن أنفسهم وحسب بل يدافعون عنا جميعاً في دفاعهم عن أنفسهم؟

ألم يقل سعاده «إن القاعدة التي لا يصلح غيرها للنهوض بالحياة هي طلب الحقيقة الأساسية الكبرى لحياة أجود، في عالم أجمل، وقيم أعلى»؟

 وهل هناك وسيلة أصلح وأصح وأشرف وأنفع الى الوصول الى هذه الحقيقة غير إدراك معنى موقف العز وممارسته بأعزّ وأفضل ما يكون الوقوف؟

وهل ممارسة وقفة العز إلا البطولة الواعية المؤيدة بصحة المبادئ والغاية؟

وهل هناك أمام أحرار الأمة في فلسطين ولبنان والشام والعراق والأردن والكويت أمام هذا العدوان المدمّر الكبير الا وقفة العزّ التي جعلها سعاده مساوية للحياة؟

وهل يليق بأبناء الحياة أن يقفوا وقفة خنوع واستسلام وذل ويصبحوا لعنةً للأجيال؟

ليس أفضل من تذكر جواب أنطون سعاده لأحد الرفقاء عندما زار مدينة صور بعد أن سأله الرفيق هذا السؤال:

«حضرة الزعيم، إذا كانت بلادنا جميلة تفيض بالخيرات، ولا ينغص صفاء عيشها سوى وجود وحش كاسر يتهدّدها بين الحين والحين، فما هو الحل في نظرك لإعادة الطمأنينة الى نفوس أبنائها؟».

ابتسم أنطون سعاده وقال: «يارفيقي العزيز أنت من صور وتسأل مثل هذا السؤال؟ ألم تقرأ في حكايا آبائك وأجدادك كيف تقهقر الغزاة والبرابرة وكل أولئك الطغاة الذين دانت لجبروتهم وقوتهم الأمم، عن أسوار هذه المدينة البطلة، مغلوبين مذعورين تاركين جثث جنودهم وقادتهم طعاماً سائغاً لأسماك البحر ووحوش البر؟

نحن أمة حيّة، يا رفيقي. واذا كانت الزلازل والأعاصير قد دمّرت مدننا وقرانا، فإن ارادة الحياة والصراع ما زالت تنبض في شرايين شعبنا… كل ما نحن بحاجة إليه هو أن نعرف كيف نتوحد لرفع هذه الأنقاض عن بلدنا…عن نفوسنا. أما حكايتنا عن الوحش والتنين فيحدثك عنها جلقامش، والخضر، وملكتكم البطلة أليسار».

فاذا كانت مدينة واحدة من مدننا قادرة إن تجعل من جثث قادة وجنود الأعداء الطغاة طعاماً للأسماك والوحوش فما هو المنتظر من أمتنا الحيّة العظيمة بعد ولادة نهضتها القومية الاجتماعية أن تفعله بكل مَن يعتدي عليها من الطغاة والمجرمين؟

 الحرب بيننا وبين أعداء وجودنا مستمرّة حتى يُسلّم أعداؤنا بحقنا في الحياة، وبحق سيادتنا على أنفسنا ووطننا ويرحلوا عن بلادنا مغلوبين.

 *باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.