سورية والتحوّلات الكبرى«مربط الفرس الحلفاء»
} ربا يوسف شاهين
مشهدية الكرة الأرضية بكلّ جغرافيتها اليابسة منها والمائية، تقع تحت تلسكوب الصهيونية العالمية، ففي الفضاء الخارجي، نصبت الأقمار الصناعية، لمراقبة كلّ تحرك على هذه الكرة الأرضية، ليس كما يُقال لخدمة البشرية، بل لسحق البشر وتطويعهم، خدمة لأغراض شتى، تأخذ شكل الهرم. ففي القمة تقبع منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً «بلاد الشام»، وخلال سنوات الحرب العالميتين الأولى والثانية، اتبعت منظومة «الرأسمالية العالمية» «معادلة الغربلة عن بعد»، في تحديد الدول الأقرب للسياسات الغربية، والتي تستطيع ترويضها وفق سوطها السياسي، وإذا لزم الأمر، وفق آلتها العسكرية.
ومع تطور المجتمعات وانغماسها في المستجدات المتراكمة عبر ما يسمّى التطور البشري أو «العولمة»، كانت العصابة الكبرى للرأس البشري، تحدّد لها نقاط لزرع أبنائها في فلسطين المحتلة، وتمكنت من توريد الرؤوس البشرية إلى بلاد الشام، وفي فلسطين تحديداً، لتنطلق منها عين التلسكوب، وتركز بؤرة العدسة الصهيونية على المحيط العربي لفلسطين، وذلك مباشرة بعد حرب النكبة الكبرى 1948،
ومنها انتقلت إلى النقطة المحورية، وهي «سورية» برزت كدولة في الشرق، عرفها الاستعمار حق المعرفة، ففصل لها حرباً لم تقم على بقعة من الكرة الأرضية إلا بها، وها هي تدفع ثمن مواقفها الوطنية والقومية والعروبية مع فلسطين ولبنان والعراق واليمن والصومال والسودان، وكلّ بقعة طالتها يد الحركة الصهيونية، باليد أو عبر وكلاء.
سورية وبعد أحد عشر عاماً من الحرب الإرهابية عليها، لا تزال تقف في وجه الاستعمار القديم المتجدّد، وبعد أن فرضت الانتصار على أرضها، واستطاعت أن تدحر الإرهابيين حتى المحيط، حيث تلقفتهم يد مشغليهم من النظام التركي والأميركي، لأنّ المطلوب من العصابة المتحكمة بالعالم هو إنهاء الدور السوري المناهض لـ «إسرائيل» وأربابها من الغربيين.
تحوّلات سياسية كبرى حدثت وتحدث أمام العالم بأسره، بما يخصّ الأزمة السورية، ولتعقيد ملفاتها يتمّ إخراج الملفات ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتحديداً الاقتصادي الذي شُكل على خلفية الحرب الإرهابية على سورية، والذي يحدّد لهم النهج الذي من خلاله يتمّ استكمال وإطالة الحرب على سورية، بدءاً من ملف اللاجئين، إلى ملفات المعارضة، إلى الكيماوي، واتهام الدولة السورية والجيش السوري باستخدام السلاح الكيماوي ضدّ المدنيين، والملف الكردي وملفات شخصيات فردية طالتها شرور الغرب لإطالة تأثيرات الحرب على سورية.
وما بين سورية والحليفين الروسي والإيراني، معاهدات صداقة وشراكة قديمة متجددة، رغم كلّ الانتهاكات التي حدثت وتحدث، ولكن هول ما دُبّر لسورية وحلفائها، يدفعنا لتسليط الضوء على الحلفاء، هل هم مربط الفرس للحرب على سورية مع كمّ الضغوط القصوى التي تنهال عليهم؟
مع ازدياد الهجمات ليس على سورية فحسب، بل على روسيا الاتحادية وإيران، عبر اتهامات كاذبة تُوجه لهذه الدول وفق منهجية محدّدة كلّ حسب موقعه وإمكانياته كدول فاعلة في المحيط الحيوي البعيد عن السياسة الأميركية الخارجية والمناهض لها؛ فإيران ومسألة خروج واشنطن من الاتفاق النووي، وإيران والحرس الثوري الإيراني الفاعل في العراق وسورية؛ روسيا والتهديد بحرب عليها عبر الوكيل الأوكراني؛ فايروس كورونا والأوبئة التي تتحكم بها الولايات المتحدة وبريطانيا وتنشرها بعيداً عن محيطها، ومسائل الملفات الأمنية والمائية، وحتى التدخل في الشؤون الداخلية للدول عبر عملاء لها تزرعهم مع قواعدها كما يحدث في سورية، وملف ميليشيا قسد «قوات سورية الديمقراطية» وغيرها الكثير لتنخرط تركيا كضامن للحل السياسي وتلعب دور الجلاد. الطبيب متى تشاء.
تتشابك الأذرع المتواجدة في المحيط السوري كـ «إسرائيل وتركيا لتحقيق رغبة كونداليزا رايس ورؤسائها الصهاينة في تركيب «شرق أوسط جديد»، يقوم على «التطبيع» و»السلام> تحت شعارات ظاهرها مبهر وباطنها يحمل كلّ الغدر والضغينة للعرب والمسلمين.
ففي الضربة الكبرى على مطار دمشق الدولي، حاولت الكثير من الدول كسر العلاقة بين سورية وحلفائها الإيرانيين والروس، لتزرع إسفيناً في العلاقات القائمة متناسين أنّ ما يحكم هذه العلاقة معاهدات بين دول تكفلها القوانين والمواثيق الدولية على عكس ما تدّعيه الدول الأخرى التي تسبّبت بدمار سورية.
في المحصلة تبقى سورية دولة ذات سيادة، فشعبها وجيشها وقائدها، هم من استطاعوا إزالة الإرهابيين وحرق أثرهم لإعادة إحياء سورية التي كانت ولا تزال مهد الحضارة وإليها تتجه بوصلة الحق ورفعة القضايا الإنسانية والقومية ولا بدّ لليل أن ينجلي…