انتخاب القائد أو الحاكم… شغور الرئاسة سبيلاً إلى تكريس الخطيئة الدستورية؟
د. جواد شاهين
رغم دخول لبنان فترة الإنتخابات الرئاسية منذ أيام مع انعقاد دورتها الأولى في 23 نيسان الماضي واقتراب عهد الرئيس ميشال سليمان من الانتهاء، لا تزال بورصة الأسماء في السباق الرئاسي تعاني من ركود، إذ يتجنب معظم الطامحين للرئاسة إعلان ترشيحهم على قاعدة «طالب الولاية لا يولّى»، مبتعدين عن الأضواء، آملين في أن يتم طرح أسمائهم كمرشحي توافق. وإذا كان بعض المرشحين جاهروا برغبتهم في خوض السباق الرئاسي صراحة، فإن عوامل دستورية تقف عائقاً أمام ترشح بعض الأسماء البارزة في الطائفة المارونية، أبرزهم قائد الجيش العماد جان قهوجي وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة. أهم هذه العوامل دستورية، إذ تنص الفقرة الأخيرة من المادة 49 دستور على أنه «لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد».
رغم وجود هذه النص الدستوري وعدم توافر غالبية ثلثي المجلس النيابي مؤيدة لتعديله، ومع اقتراب الأيام العشرة الأخيرة من الولاية الرئاسية الحالية وتحوّل المجلس النيابي في 13 أيار الى هيئة ناخبة لا يجوز لها التشريع، وبالتالي تعديل الدستور لمصلحة هذا أو ذاك، استناداً إلى المادتين 73 و75 دستور، لا ينفك بعض الساسة في لبنان يطرحون بين الفينة والأخرى إسمي قهوجي وسلامة للرئاسة، معللين ذلك بعدة حجج أهمّها إثنتان:
الحجة الأولى تنادي بها أصوات خافتة تستند الى كون العماد قهوجي والحاكم سلامة يمارسان وظيفتهما بفعل التمديد لهما، وبالتالي، استناداً الى أنصار هذه الحجة، يحتسب التاريخ الذي كانا سيحالان به على التقاعد أصلاً. يعزز هؤلاء حجتهم بمثَلَيْ انتخاب العمادين إميل لحود وميشال سليمان، اللذين شغلا منصب قيادة الجيش بالتمديد حتى تاريخ انتخابهما رئيسين للجمهورية عامي 1998 و2008 توالياً. يتناسى أصحاب هذه النظرية أن انتخاب الرئيس لحود سبقه تعديل دستوري أوقف العمل بالنص أعلاه استثنائياً، وأن انتخاب الرئيس سليمان من دون تعديل دستوري هو تسجيل لسابقة تحمل خرقاً للدستور، سنؤكده في المقالة أدناه، وليس تكريساً لعرف يصبح ملزماً لاحقاً، خاصة مع وضوح النص الدستوري وسمو قاعدة «لا اجتهاد في معرض النص» القانونية. كما تفقد هذه الحجة مستندها القانوني في عبارة « انقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم» الواردة في المادة 49 أعلاه، ما يعني عدم ممارستهم هذه الوظيفة تحت أي صفة أو مسمى، سواء كانت ممارسة عادية أو تمديداً او تجديداً أو تكليفاً أو وكالةً أو تعاقداً، أو حتى تطوعاً.
ينطلق أنصار ترشيح قهوجي وسلامة للرئاسة من حجة ثانية، محاولين إضفاء الدستورية فيها على انتخاب الرئيس سليمان، ساعين إلى إجراء القياس بعدها على العماد قهوجي والحاكم سلامة. يقول هؤلاء إن الفارق بين انتخاب العماد لحود والعماد سليمان هو أن الأول قد تسلّم مقاليد الرئاسة من رئيس انتهت ولايته، وبالتالي كان التعديل الدستوري واجباً، بينما تسلّم العماد سليمان الحكم بعد فترة شغور رئاسي دام عدة أشهر، ما يعني في نظرهم إيقاف العمل بفترة السنتين المفروضة في النص الدستوري أعلاه، وبالتالي عدم الحاجة إلى أي تعديل دستوري يسمح بانتخاب أحد الرجلين، مستندين دوماً الى سابقة الرئيس سليمان التي يسعون الى تكريسها عرفاً ملزماً، رغم خلو الدستور من أي نص يشير الى إمكان إيقاف هذه المهلة ولو إستثنائياً. أكثر من ذلك، فإن نص المادتين 62 و74 دستور استشرفا إمكان شغور سدة الرئاسة وحددا الإجراءات اللازمة لدى حدوث هذا الشغور، من دون أن يقولا بإيقاف العمل ببعض مندرجات المادة 49 تسهيلاً لانتخاب الرئيس، فنصت المادة 62 على أنه «في حال خلوّ سدة الرئاسة لأية علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء» لتضيف المادة 74 على أنه «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون» من دون أن تضيف أي منهما إمكان إيقاف العمل بمواد دستورية معينة ومنها المادة 49.
ينتظر أصحاب هذه النظرية بفارغ الصبر تاريخ 23 أيار موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وحصول الشغور الفعلي في سدة الرئاسة الأولى لرفع صوتهم أعلى وطرح مرشحيهم في بورصة الأسماء، فهل يكون 23 أيار تاريخ انطلاق مسيرة العماد قهوجي أو الحاكم سلامة نحو قصر بعبدا؟ وهل تكون الذكرى السادسة لخطيئة الانتخاب الدستورية عام 2008 موعداً لخطيئة مماثلة، جاعلة من خرق الدستور قاعدة ومن تطبيقه استثناء»؟
دكتور في القانون وأستاذ جامعي