أدنى قمة في العالم…
سعد الله الخليل
كسرت القمة العربية بنسختها السادسة والعشرين الرتابة والملل والنمطية وتكرار الشعارات والقرارات غير القابلة للتنفيذ التي شهدتها سابقاتها، وحطمت قمة شرم الشيخ الأرقام القياسية بحجم التوافق على التحديات التي تواجه الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وزالت الملفات الخلافية بين القادة العرب، وانتقلوا بعد عقود الكلام والبيانات الرنانة عن المشترك إلى عصر العمل الحقيقي، فالتحديات أكبر من شرذمة العرب، هذا ما قاله القادة المجتمعون… وناقوس الخطر يدقّ الأبواب الحساسة.
ربما يمكن إطلاق صفة الطارئة أو الحربية على قمة شرم الشيخ، رغم أنّ قادة العرب اعتادوا على أنه لا طارئ في مشاريعهم ولا سياساتهم، وجديد قمتهم الأخيرة أنها انعقدت على وقع هدير طائرات الشقيقة الكبرى تشنّ حرباً تصفها بالوجودية والمصيرية لـ«نصرة» الشعب اليمني واستعادة «الشرعية المفقودة»، حرب هلل لها المجتمعون وتسارعوا إلى تقديم الدعم والإسناد والمطالبة بنصرتها، ولم يجدوا حرجاً في المطالبة بالاستمرار بقتل الشعب اليمني في سبيل استعادة الشرعية… فشرعية الحاكم تستحق سحق الشعوب في اليمن والبحرين وسحب الشرعية وتبرير الحروب على دول وحكومات في سورية والعراق.
أعادت قمة شرم الشيخ إحياء رميم معاهدة الدفاع العربي المشترك، وبارك المجتمعون تشكيل القوة العربية المشتركة للتدخل الفعّال وإعادة الشرعية في اليمن وسورية وقطاع غزة من بوابة إنهاء الانقسامات العربية، وأغفل الداعون إلى تلك القوة الاحتلال «الإسرائيلي»، وكأنه في عرف المجتمعين «شرعيّ» ولا غبار عليه، والشعب الفلسطيني يحيا بأمن وسلام ورغد ورفاهية تحت سلطته، كيف لا وقد أجمع الشعب الفلسطيني وقال كلمته الموحدة في انتخابات «الكنيست الإسرائيلي» للمرة الأولى في ظلّ قائمة موحدة، وأنجز نصره المؤزر بحسب ما روّج له رئيس السلطة الفلسطينية الشرعية بمنظار ومقاييس آل سعود ومن لفّ لفهم، فلا داعي لتدخل القوة المشتركة في الأراضي الفلسطينية لإتمام ربيعها طالما أنهم ينعمون بالديمقراطية والرخاء، أليس الربيع وجد لجلب الديمقراطية والرخاء؟
لم تتطرّق قمة شرم الشيخ إلى الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» ولو من باب رفع العتب أو الإصرار على إعادة المبادرة العربية للسلام من سلة نفايات العدو ليُعاد رميها من جديد، فالحرب في اليمن أهمّ ولا وقت لطائرات آل سعود للتوجه صوب الأراضي المحتلة في جهادها الأكبر، فاليمن أرض الجهاد الوهابي كما هي سورية والعراق ولبنان وتونس وليبيا والجزائر الموضوعة على قائمة الانتظار في الأجندة السعودية، أما «إسرائيل» فلا داعي، وطريق القدس يمرّ من كلّ هذه الدول ومن لا يصدّق فليسأل محمود عباس الداعي إلى زيارة القدس المحتلة، وليَدُلّ المحتلّ على ما تبقى من أراض تصلح لبناء المستوطنات بحكم خبرة العرب في الجغرافيا وعلم الاتجاه في تصويب السلاح صوب العدو الحقيقي في أيّ بلد ينادي بتغير اتجاه القبلة الأميركية.
أخطر ما في قمة شرم الشيخ، بالإضافة إلى تجاهل القضية الفلسطينية التي تجاهلتها القمم منذ عقود، أنها كرّست التدخل العسكري في الدول العربية من بوابة فضّ النزاعات والانقسامات التي أجّجتها السعودية ومن يدور في فلكها، بالإضافة إلى شرعنتها للنزاعات الطائفية والمذهبية فأعلنتها بصراحة «أنّ حربها سنية شيعية»، وتصدّت لحمل راية الدفاع عن السنة ووضعتهم في صف المشروع الأميركي، وهو سقف ما يمكن للجامعة العربية أن تفعله بعد تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ويبدو أنّ قادة العرب أدركوا أحجامهم الحقيقية فوقفوا عندها من مبدأ رحم الله امرأ عرف قدر نفسه فوقف عنده، فجامعة عربية بلا سورية سقف حروبها أن تهاجم اليمن وتُحضّر لاقتحام غزة وربما الجزائر مستقبلاً.
بعد الكلمات والمواقف والأفعال التي رافقت وسبقت قمة شرم الشيخ لا يمكن للمواطن العربي الذي يتابع أعمالها ويراقب بقلق ما يجري إلا أن يطلق عليها توصيف أدنى قمة في العالم، وبالعربي الدارج أوطا قمة في العالم.
«توب نيوز»