أوهام القيادة السعودية في المغامرة اليمنية

نتائج الانتخابات «الاسرائيلية» كانت أبرز قضايا الاهتمام لدى الدوائر السياسية والفكرية الأميركية، إلى حين تصدّر العدوان السعودي على اليمن، وتوقيته مع استئناف الجولة «الأخيرة» من المفاوضات النووية مع ايران.

وعليه، سيتناول التحليل غزو «التحالف العربي وتركيا وباكستان» لليمن بعد تراجع رئيسه عن قرار استقالته وفراره الى عدن ومن ثم الى خارج الأراضي اليمنية. وكذلك المباركة الأميركية للعدوان على أمل ان تؤدّي النتائج، وإنْ أضحت غير محسومة، إلى تليين موقف القوى اليمنية المناهضة للمخططات السعودية في مرحلة المفاوضات المقبلة وحصد نتائج أفضل للمصالح الأميركية.

دول الخليج تغزو اليمن

معهد كارنيغي كان «الأسرع» بين نظرائه من مراكز الأبحاث في التحذير من «مضاعفات التورّط العسكري السعودي في اليمن»، معتبراً «أنّ الغزو يشكل تصعيدا بالغ الخطورة، ومن غير المرجح أن يؤدّي إلى النتائج المرجوة » بل وصفه بـ«مغامرة ستترك صدىً على الأوضاع السعودية في المديين المتوسط والبعيد.» وأوضح انّ ما يُشار اليه من «تمدّد النفوذ الإيراني هو أمر مبالغ به إلى حدّ بعيد».

ومضى محذراً من القدرات المتواضعة لدول مجلس التعاون والتي «إنْ تمّ حساب الدعم الأميركي لها في المعادلة، فإنّ أطرافه تفتقد القدرة لكسر تصميم الحوثيين… ومن غير المرجح أيضاً نجاحها في إحداث أيّ تغيير مادي في ميزان القوى»، واستطرد في التحذير من «فشل الغارات الجوية، التي تبدو احتمالاً مرجحاً»، مما يستدعي تلك الدول إلى المضيّ في اجتياح بري «قوامه القوات العسكرية السعودية… والتي يُتوقع ان تفشل في ذلك ايضاً، مما قد يستفزّ قطاعات واسعة من المواطنين الذين ينظرون إليها بإهدار موارد لا معنى لها في مستنقع اليمن…»

وحول «المبرّر» الاميركي لدعم العملية السعودية، اعتبر المعهد «أنّ صنّاع القرار على الأرجح رأوا فيها فرصة سانحة لتعزيز التحالف السعودي الأميركي، والمراهنة على دعم دول مجلس التعاون توفير بديل لقاعدة «العند» العسكرية، كقاعدة للقوات الأميركية الخاصة».

في تقرير منفصل، تناول معهد كارنيغي ما أسماه «ازدهار ظاهرة اللجان الشعبية في اليمن»، كسلطة موازية للحكومة المركزية يسخرها الطرفين «الحوثيون والرئيس هادي… لفرض سيطرتها على الحياة العامة في العاصمة». وأوضح انّ «اللجان الشعبية ظاهرة يمنية قديمة نسبياً… وفرت فرصة إثراء وتسليح لزعامات قبلية أبرزها الشيخ حسين الأحمر الذي اعتبر وقف الدولة لحربها ضدّ الحوثيين خيانة… وقبله الشيخ عبد الله الأحمر، كبير مشايخ قبيلة حاشد». ولفت المعهد الأنظار، ربما دون قصد، الى أبرز قرارات اتخذها الرئيس الوحدوي الأسبق ابراهيم الحمدي، 1974 1977، بالغائه دائرة مصلحة شؤون القبائل وموازنتها يوم 27 تموز 1975، لكنه اغتيل بعد ذلك بعامين، 11 تشرين الأول 1977 على أيدي عناصر مؤيدة للسعودية.

أوضح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنّ جلّ ما يرغب به «عدد من حلفاء الولايات المتحدة هو غريزة إلحاق الهزيمة بالحوثيين… ومن خلفهم إيران، وإعادة الوضع السابق الذي كان قائما في اليمن». واستدرك بالقول انّ هذا بالضبط ما كانت «تطبّقه السعودية بالتعاون مع الحكومة اليمنية لنحو عقد من الزمن دون نتائج تذكر». وأضاف انّ ما «تقتضيه الظروف هو التوصل إلى صيغة حلّ ثابتة تلبّي مطالب كافة الأطراف، داخل اليمن وخارجها، ومنح المواطنين في البلاد نوعاً من الحكم الذاتي… مما يستدعي رؤية توافقية بين دول مجلس التعاون وايران والمموّلين الخارجيين»، تأخذ بعين الاعتبار «استراتيجيات بعيدة المدى لإدارة التحديات التي يواجهها اليمن».

أوباما و«إسرائيل»

اتهم المجلس الأميركي للسياسة الخارجية الرئيس أوباما بممارسة «الديماغوجية، خاصة في ما يتعلق بالشرق الاوسط». واوضح انّ جهوده لتصوير خصومه «المطالبين بإنزال عقوبات متشدّدة بإيران بأنهم دعاة حرب عاد عليه باستنكار شديد من قبل مساعد زعيم الأقلية في مجلس النواب ستيني هويَر». وسخر من الرئيس اوباما لمحاسبته «نتنياهو بناء على تصريحاته… بينما يتجاهل التصريحات النارية للقادة الايرانيين».

السياسة الأميركية

السياسة الخارجية لأميركا في نظر معهد كاتو هي «غير واقعية… نظراً لاستنادها الى الالتزام باستمرار الانفاق العسكري»، بالتساوق مع رغبة معظم الدول العالمية «التي ترحب بالهيمنة الأميركية الخيرية مقابل خيارات اخرى». وحذر انّ الهمّ الشاغل لحلفاء الولايات المتحدة هو «الخشية من انسحابها… والذين يسعدهم تحويل أنظارهم نحو الانفاق على الشؤون وبرامجهم الداخلية، بينما تعاني ميزانياتها الدفاعية من نقص التمويل».

حذر معهد كارنيغي صنّاع القرار من «فشل المحاولات لفرض المساءلة على أجهزة الشرطة والقوى الأمنية في الشرق الاوسط مما يقوّض جهود تحقيق الديمقراطية». وخصّ المعهد مصر التي «تشكل نموذجاً صارخاً لتداعيات الإحجام عن تطبيق إصلاحات في الأجهزة الأمنية… ولجوءها إلى إعادة تشكيل جهاز الشرطة المركزي» القائم منذ عهد مبارك. وأعرب عن اعتقاده بأنّ «فشل الإصلاحات الشاملة ساهم في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي… وإعادة الاعتبار للسلطة الشمولية».

«الإسلام السياسي»

تناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ما اعتبره ظاهرة «أفول الإسلام السياسي» في المنطقة، مستنداً إلى «تشكّل تحالفات إقليمية ودولية مع وضدّ تنظيم الإخوان المسلمين». بل هبّت «كافة الدول في المنطقة إلى قتال المتطرفين، بينما نجح المتطرفون في استغلال الفراغ الناجم عن فشل الدولة لصالحهم».

تونس

اعتبر معهد كارنيغي انّ الهجوم المستهدف لمتحف باردو في العاصمة التونسية يشكل «تصعيداً خطيراً بكلّ المقاييس… وتداعياته على قطاع السياحة والاقتصاد الهش أصلاً، وفي الدلالات التي يواجهها النظام السياسي الجديد، وتصاعد التهديدات الأمنية العابرة للحدود». واضاف انّ بعض المأزق يكمن في التسويات السابقة التي «أفضت إلى عودة النظام القديم مقابل إدماج حركة النهضة الإسلامية… والتي قدّمت تنازلات سياسية برفضها إقصاء رموز النظام القديم، مما فتح الطريق أمام التيارات الجهادية». وأوضح انّ «نجاح حركة النهضة في التحوّل الى حزب محافظ يسعى إلى تطبيع موقعه في النظام السياسي… يعني عملياً فشل الإسلام السياسي».

أما معهد ويلسون فقد اعتبر الهجوم على المتحف «نقطة تحوّل تغيّر كلّ شيء… اذ تشير الدراسات الحديثة الى تفوّق تونس على كلّ من السعودية والأردن في إنتاج المقاتلين الأجانب». وحذر من دعوات ونداءات «داعش»، على وسائط التواصل الاجتماعي، لحث «التونسيين على الاقتداء بإخوانهم المقاتلين والانضمام الى صفوف التنظيم».

إيران

لفت معهد واشنطن الأنظار الى أسلوب موسكو التفاوضي خلال جولة المفاوضات النووية مع إيران، ويعتبره بأنه «مزيج معقد من الشكوك والسياسة الواقعية، والذي ينبغي النظر اليه من زاوية السياسة الروسية الأشمل نحو الولايات المتحدة… لا سيما أنّ المسؤولين الإيرانيين يعتبرون الكرملين حليفهم الأقرب في المفاوضات». وأوضح انّ «المسؤولين الأميركيين يعتبرون سلوك روسيا بنّاء خلال المفاوضات، وامتثلت موسكو بشكل عام للالتزامات لتطبيق بعض العقوبات الدولية المفروضة ضدّ إيران». وحذر المعهد من الثقة بمواقف موسكو خاصة عقب «إعادتها الحرارة إلى علاقتها مع إيران وسياساتها الأشمل نحو الشرق الأوسط والتي تشكل تحدّيات كبيرة للمصالح الأمنية الأميركية…»

تتكشف في أروقة واشنطن أنّ العدوان السعودي على اليمن طرحته السعودية مع الأميركيين منذ شهور، ولكن العمل على بلورة الخطط الطارئة للتدخل جرت في الأسابيع الأخيرة بالتشاور مع الأميركيين ومع دول إقليمية أعلنت الرياض عن مشاركتها في التحالف الذي تقوده، لا سيما زجّ قوات باكستانية برية في اليمن وتمّ تفعيلها على وجه السرعة بعد التحوّلات الميدانية التي تنذر باندحار القوى المحلية التي راهنت عليها بتعزيز سلطة الرئيس اليمني العائد عن استقالته بعد هروبه الى عدن.

اليمن، في قراءة السعودية وحلفائها، كان في طريقه ليصبح ركناً محورياً في الصراع ضدّ «إسرائيل،» بعد انكفاء نظام «الإخوان المسلمين» في الخرطوم ووقف توفيره التسهيلات اللوجستية لإمكانيات الصمود المتجهة الى فلسطين المحتلة عبر البحر الأحمر. المعلقون «الإسرائيليون» البارزون حذروا قادة الكيان بأنه ينبغي عليهم «القلق من الأحداث في اليمن… السعودية تخسر وايران تربح.» صحيفة «إسرائيل اليوم» كانت أشدّ وضوحاً بالقول إنّ «وحدات كوماندو باكستانية تمّ تجنيدها لدعم السعوديين… من كان يخطر في باله انّ مضيق باب المندب بما له من أهمية استراتيجية سيكون تحت سيطرة ايرانية؟» أما صحيفة «تايمز اوف إسرائيل،» فقد حملت واشنطن مسؤولية الأحداث، محذرة من ان «نتائج العملية العسكرية السعودية قد لا تكون حاسمة، لكن الإحباط لدى السعودية والاردن ومصر… ليس موجهاً نحو ايران، بل نحو واشنطن» بالدرجة الأولى.

المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت احرونوت،» اليكس فيشمان قال بصريح العبارة «إنّ حرب السعودية على اليمن تصبّ في مصلحة اسرائيل… وهناك مصلحة مشتركة لإسرائيل والسعودية ودول الخليج، وهي فرصة لقطف ثمار استراتيجية حيوية لأمن» الكيان. وأضاف «انّ السعودية استعدّت لمواجهة الحوثيين على مدى اسابيع، وحشدت قوات بحرية وبرية على طول الحدود مع اليمن… بالتنسيق مع الأميركيين».

لجوء السعودية الى التورّط والتدخل العسكري في اليمن يشكل خروجاً عن نهجها التقليدي بالتدخل بالقوة الناعمة أو من خلف الكواليس على مستوى المنطقة مستخدمة فائضها المالي من الثروة النفطية. وحرصت الأسرة الحاكمة تقليدياً الاعتماد على الولايات المتحدة والدول الإقليمية في تأمين ما تعتبره تهديداً لأمنها، وأضحى الارتزاق الامني وسيلتها في توسّل الأمن وصولاً الى استقدام قوات باكستانية وغيرها تتمركز بصورة دائمة في أراضيها عدا عن القوات الأميركية والغربية.

ولا بدّ من التساؤل عن الوضع الجديد الذي فرض اتخاذ المملكة السعودية دوراً إقليمياً أكثر حزماً، أو الأصحّ مغامراً، لتعويض ما تعتبره تراجعاً في الدور الأميركي وانكفاء عن الانخراط المباشر بقواتها في المنطقة بعد تجربتي غزو أفغانستان والعراق، وعدم استجابتها لدعوات وتوسلات حلفائها بمن فيهم السعودية للتدخل العسكري لإسقاط النظام في سورية.

خطوة غير مسبوقة

انّ اضطرار السعودية للإقدام على هذه الخطوة غير المسبوقة يعني الأمور التالية:

تعتبر القيادة السعودية أنها تقدم على عمل وقائي استباقي للحيلولة دون فقدان سيطرتها او نفوذها المعتاد في الشأن اليمني، وإجهاض اي إمكانية او احتمال لأن تصبح اليمن دولة مستقلة الموقف والقرار بعيداً عن الرغبة السعودية، خاصة انّ القوى التي يتعزز دورها وموقعها في الداخل اليمني مثل الحوثيين وحلفائهم يعبّرون عن مواقف وتوجهات متناقضة مع السياسات والتوجهات السعودية والغربية.

تيقّن القيادة السعودية انها لن تستطيع ضمان الاعتماد على تدخل اميركي اوغربي لحماية بقائها في السلطة في حال تعرّضها لتحديات داخلية او خارجية تهدّد قبضتها على السلطة، ولتخفيف مثل هذه الاحتمالات لا بدّ من منع قيام ايّ حكم في بلد مجاور وخاصة مثل اليمن يكون خارجاً عن إرادتها او الولاء لها.

رغم نجاح السعودية في السنوات الأخيرة خاصة في استخدام ثروتها وإعلامها وأدواتها في تأجيج النعرات المذهبية السنية – الشيعية والتحريض على استبدال الصراع التاريخي العربي – الصهيوني بصراع مفتعل إيراني عربي، إلا انها فشلت في مجمل سياساتها الإقليمية المراهنة على الاحتقان المذهبي على المستوى، الاقليمي وخاصة في المسرح السوري العراقي، لا بل ان تغذيتها لهذه النعرات بدأت بالارتداد عليها بعد تحوّل «داعش» الى تهديد محدق بها.

أن تضطر القيادة السعودية الى تشكيل حلف علني ملوّن مذهبياً بذريعة الخطر الإيراني المتنامي والذي وصل إلى اليمن وفق حساباتها، يعني أنها تستجمع الطلقة الأخيرة لديها في محاولة شبه يائسة لإنقاذ مكانتها وهيبتها وسياساتها الفاشلة، وتخوض مغامرة خطيرة قد تنقل الصراع ولأول مرة لأراضيها، ولن تكون بمنأى عن الدخول في حرب استنزاف مكلفة مع اليمن.

لن تستطيع القيادة السعودية التخفيف أو إلغاء مفاعيل الآثار المعنوية والمادية لتعزيز مكانة إيران الإقليمية وحلفائها في معسكر المقاومة على المستوى الإقليمي في حال نجاح المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، والذي يبدو وشيكاً، ولا شك انّ مثل هذا التطوّر في حال حدوثه سيرسل إشارات تعزز من موقف القوى المناهضة للعدوان السعودي في اليمن.

يبدو هاجس السعودية بأن تتصدّى لتبوّؤ دور قيادي إقليمي عبر حربها في اليمن طالما حاولت اقتناصه برشواتها المالية وباحتضانها للمقدّسات الدينية، خاصة في ظلّ تعقيدات تواجهها دول إقليمية منافسة مثل مصر وتركيا لن يتحقق لها بالسهولة التي تراهن عليها، وستكتشف انّ غياب قوى ميدانية يمنية فاعلة تستند اليها مضافاً الى عدم استعداد دول الحلف التسعة المنضوية معها حالياً للتورّط بقوات برية وازنة للتدخل في اليمن، مضافاً الى عجزها عن استخدام قواتها البرية بشكل فاعل ومستدام، سيدخلها في مأزق حقيقي يفرض عليها التراجع في نهاية الأمر.

من أشدّ الأمور مفارقة موقف سلطة الحكم الذاتي في رام الله التي سارعت للإعلان عن دعمها للعدوان السعودي بحجة «ضمان وحدة أراضي اليمن ودعم الشرعية». وأضاف الناطق باسم «الرئاسة» نبيل ابو ردينة انّ «عاصفة الحزم… أدخلت الشرق الاوسط في مرحلة جديدة وحاسمة عنوانها اصطفاف عربي قومي يعيد الحياة الى شعوب المنطقة». بالمقارنة، تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن رفض التدخل الخارجي، وكذلك فعلت «داعش» خشية نفوق «جهادييها» على أيدي داعميها ومموّليها.

أميركا والقيادة من الخلف في العدوان السعودي على اليمن

كي لا تتهم إدارة أوباما من خصومها المحليين وحلفائها الإقليميين بأنها تولي الإدبار في اليمن بعد نقل طواقمها الديبلوماسية من اليمن وسحب قواتها الخاصة من القواعد التي كانت تشغّلها وجدت ضالّتها بدعم التدخل العسكري السعودي، خاصة أنّ القيادة السعودية ما فتئت منذ شهور تلحّ على الولايات المتحدة كي تنخرط في عمل عسكري مشترك في اليمن لتثبيت سلطة مطواعة للرياض في صنعاء. وبعد أن قدّمت القيادة السعودية خطة تعتمد على ضمان تشكيل حلف من دول عربية بالإضافة إلى باكستان يعفي الولايات المتحدة من أعباء الانخراط المباشر بقواتها، وافقت إدارة أوباما على تقديم المعونة اللوجستية والاستخبارية وتشكيل خلية تخطيط مشتركة فرزت 12 عضواً اميركياً لها في الرياض.

حسابات واشنطن تقضي بأنها ترضي حليفاً قلقاً ومنزعجاً من تلكؤ واشنطن عن اعتماد سياسات إقليمية مطابقة لرغباته، خاصة في ظلّ مخاوف سعودية من استمرار تفاوض واشنطن مع طهران حول الملف النووي، كما انّ اندلاع حرب محدودة بالوكالة سيعزز المبيعات العسكرية الأميركية للسعودية ودول الحلف الجديد.

لكن موقف الإدارة لم ينجُ من الانتقادات الداخلية التي تعتبر انّ واشنطن لا تحتلّ مركز الصدارة أو القيادة في معالجة الأزمة اليمنية. واعتبر مسؤول بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون آلترمان، والمقرّب من البيت الابيض، انّ قرار الإدارة بتوفير الدعم اللوجستي والاستخباري للسعودية «دون المشاركة الفعلية في الغارات الجوية يشير الى إبقاء باب الحوار مع الحوثيين مفتوحاً بغية التوصل معهم الى صيغة ما لتسوية الأزمة… وفق شروط أفضل لاحقاً».

لغز الموقف الأميركي!

ومن ابرز التعليقات ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان: «لغز الأهداف والتحالفات الأميركية في الشرق الأوسط» جاء فيه: «رغم الصعوبات التي تواجهها بالفعل في التعامل مع الفوضى التي تخيّم على معظم دول الشرق الأوسط، مضت الولايات المتحدة إلى التدخل في صراع جديد في المنطقة. إذ تدعم إدارة باراك أوباما الحملة العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن لهزيمة المتمرّدين الحوثيين المدعومين من طهران، رغم خطر تصاعد الصراع الإقليمي مع إيران. ولكن في العراق وسورية، تحارب الولايات المتحدة في صفّ إيران في المعركة ضدّ تنظيم «داعش»، حيث ساهمت بضربات جوية في الهجوم المدعوم من إيران على مدينة تكريت العراقية يوم الخميس رغم دخولها في منافسة مع إيران على قيادة العملية هناك. وفي غضون ذلك، تتسابق إدارة أوباما نحو إبرام اتفاق مع إيران لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في مقابل وضع قيود على برنامجها النووي، وهو ما يثير قلق كلّ من السعودية وإسرائيل». ويشير التحليل إلى أنّ «الإدارة الأميركية تحاول جاهدة أن تحافظ على نسيج متشابك من التحالفات المتوترة وساحات القتال المتعددة بعد أربع سنوات من ثورات الربيع العربي. فقد تلاشت آمال الديمقراطية التي تحلت لفترة وجيزة بوضوح أخلاقي من كافة بقاع المنطقة، وحلّت محلها خيارات عصيبة بين أعداء وحلفاء غير مقبولين هرعوا لملء فراغ السلطة». ويضيف: «تندلع اشتباكات ومناوشات بين مجموعة من اللاعبين المحليين والقوى الإقليمية التي تتنافس من أجل صياغة الوضع الجديد في المنطقة، أو على الأقلّ الهيمنة على أكبر جزء منها».

وينقل التحليل عن تمارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، قولها إنّ السياسات الراهنة لإدارة أوباما تعدّ بمثابة «لغز» يعكس افتقار الإدارة إلى سياسة متسقة، وأيضاً مدى تعقيد صراع السلطة الجاري على الأرض داخل المنطقة. وتضيف ويتس: «انّ الفوضى تمنح الخصوم الإقليميين المزيد من الدوافع والميادين لخوض ذلك الصراع على السلطة. هذا وقد أثارت السرعة التي تطرأ بها الأحداث انتقادات بأنّ إدارة أوباما لا تملك استراتيجية طويلة الأجل تجاه المنطقة.

خصوم الإدارة يعتقدون انها تخاطر باختيار وكلاء وحلفاء يخدمون مصلحتها في جعل حالة الفوضى أكثر تفاقماً، وربما تعزيز التنظيمات الإرهابية وتعميق فرص الانجرار إلى معارك لا يرغب الأميركيون في خوضها. ويشيرون إلى أنّ الإدارة كانت تشيد باليمن حتى وقت قريب وتصفه بنموذج على نجاح حملتها لمكافحة الإرهاب، ولكن سرعان ما انهارت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في صنعاء وتوقفت الجهود ضدّ عناصر تنظيم «القاعدة» إلى أجل غير مسمّى.

احد البارزين في مجموعة الأزمات الدولية، بيتر هارلينغ، يقول إنّ الإدارة تتحدّث عن دعم التحوّلات السياسية نحو بناء الدولة في كلّ من اليمن وسورية والعراق وأماكن أخرى، ولكن تصرّفاتها تساعد في الواقع على انهيار الحكومات المركزية هناك.

ولكن واشنطن، وفقاً لهارلينغ، أصرّت في كلّ حالة على التمسّك بأكذوبة أنّ القوى المحلية المفضلة بالنسبة لها لا تزال تملك فرصة قوية لإعادة بناء دولة موحدة. ويضيف إنّ القوى الغربية «تحتاج إلى التظاهر بأنّ الوضع ليس سيئاً حتى لا تضطر لتقبّل الفشل وتحمّل مسؤولية الموقف». كما انّ «الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضدّ الحوثيين تثير مخاوف من نشوب حرب بالوكالة بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط. لكن من غير الواضح كيف، أو ما إذا، ستستجيب إيران بصورة مباشرة على حملة يقودها تحالف من الدول السنية ضدّ قوة شيعية.

على صعيد آخر أعلن مسؤولون أميركيون الخميس، 26 آذار، أنّ الولايات المتحدة تدرس تزويد السعودية بطائرات رادار للإنذار المبكر وتوفير عمليات تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو للمشاركة في عملية «عاصفة الحزم» التي أطلقتها الرياض ضدّ اليمن. وقال مسؤول في البنتاغون إنّ «هذا الأمر مطروح حتما على الطاولة وهو قيد الدرس»، وذلك بعد إعلان البيت الأبيض أنّ الرئيس باراك أوباما سمح بتقديم مساعدة لوجستية واستخبارية في العمليات العسكرية التي تقودها السعودية. وحتى الآن، كلفت واشنطن 12 عسكرياً اميركياً يشكلون خلية تنسيق مع الدول التي تقودها السعودية، وفق البنتاغون. وقال الكولونيل ستيفن وورين المتحدث باسم البنتاغون إنّ دور الاميركيين هو «أولاً إبقاء خطوط التواصل مفتوحة بين الولايات المتحدة ودول الخليج». واعلنت لاحقاً مصادر البنتاغون انّ القوات البحرية الأميركية استجابت لطلب سعودي بإنقاذ طياريْن سعوديّيْن من مياه خليج عدن بعد اسقاط طائرتهم إف-15 في المنطقة.

ضمان أمن باب المندب

وكان قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط قد ذكر أنّ الجيش الأمريكي سيعمل مع شركاء خليجيين وأوروبيين لضمان بقاء مضيق باب المندب الاستراتيجي مفتوحاً أمام حركة الملاحة التجارية رغم القتال وعدم الاستقرار في اليمن. وقال الجنرال لويد أوستن في جلسة لمجلس الشيوخ «سنعمل بالتنسيق مع الشركاء في مجلس التعاون الخليجي لضمان بقاء تلك المضائق مفتوحة»، مشيراً إلى مضيق باب المندب ومضيق هرمز. وأضاف: «من مصالحنا الأساسية ان نضمن التدفق الحرّ للتجارة عبر هذين المضيقين».

الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ذكر ان وزير الخارجية جون كيري أثار موضوع اليمن، يوم 26 آذار، مع نظيره الإيراني قبل العودة إلى طاولة المفاوضات النووية في لوزان بسويسرا. وأضاف الناطق، جيف راتكي، أنّ كيري ناقش باقتضاب القتال في اليمن مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في اجتماع ثنائي، لكن الموضوع ليس محور المحادثات التي تجري في لوزان وتدور حول البرنامج النووي الإيراني. وقال راتكي: «الوزير كيري أثار باقتضاب اليمن مع نظيره الإيراني لكن دعوني أؤكد أنّ هذا الموضوع لم يكن وليس محور المحادثات». في لوزان قال مسؤول رفيع في الوفد الأميركي المفاوض إنّ «الوضع في اليمن ليس له تأثير على المحادثات».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى