أخيرة

الفلسفة القوميّة الاجتماعيّة فلسفة حياة لا سقف لرقيها

} يوسف المسمار*

إن أهم مبدأ للوجود القومي الاجتماعي هو مبدأ الحياة، وبدونه لا حياة ولا قيمة لأي شـيء. فإذا انعـدمت الحياة انعـدم كـل شـيء. فـَقــَد الـوجود قيمته. وفقـد الإنسان – المجتمع حياته، وسـقـط الفكـر، وتلاشــت النظرات والنظريات، وانهارت عمارات الفلسـفة والعلوم والمعارف والفنون، ولم يعُد للوجود أية قيمة تذكـر.

لقد ارتكزت النظرة القومية الاجتماعية منذ البداية على مبدأ أساسي متين قـوي حقيقي هـو الإنسان ـ المجتمع كحقيقة أساسية كلية طبيعية موجودة ومعروفة وحيـَّـة ونامية ومتطـورة متفاعلة مع بـيئتها الحاضنة لهـا كما هي متفاعلة مع نفسها وبذاتها، بحيث لا تبقى هي ذاتها إذا فقدت حركتها الدينامية المتفاعلة التي أثمرت خلال تطـوّرها ونموّها إنسان الشخصية الفردية وإنسان الشخصية الاجتماعية اللتين لا تستغني الواحدة منهما عن الأخرى، ولا تستـقـيم شخـصية الإنسان ـ المجـتمع إلا بتفاعلهما وتناغمهما وتوحدهما بحيث لا رقي حقيقياً لأيٍ منهما بدون الأخرى. ولا تقدم إلا بتوحدهما في دورة الحياة الإنسانية النامية.

المجتمع هو الكل. والفرد خلية حيّة في كـل. الفرد إمكانية اجتماعية وهو فعالية اجتماعية إنسانية في الوقت ذاته. إنه عين بصيرة في جسم حيّ، وعمياء حين تقتلع. فإذا زُرعت في جسم حيّ آخر قبل أن تموت عادت لها فعالية النظر والرؤية. وإذا ماتت فلا نفع من زرع، ولا فائـدة من كـل العقاقير.

المجتمع كائن كليّ حيّ. والأفـراد إمكانيات اجتماعية حيِّة وفعاليات خلايا فاعلة في دورة حياة المجتمع. تتجدّد خلاياه بتجدّده، ويتجدّد بتجدد حركة خلاياه الحيَّة المتجددة أرواحاً في روحية. وعقولاً في عقلية. وأنفساً في نفسية.

 الأفراد يولدون. يتزاوجون. يتوالدون. ويموتون وبقدر ما يفعلون لترقية مجتمعهم يكبرون ويخلدون. انهم بموتهم يـولدون. وفي أجيال أمتهم يتجدّدون. إنهم في ضميـر أجيال أمتهـم مستمرون نبـوغاً وإبـداعاً وعبقـرية ً وقيَـماً وفضائل وأفعال وذكـرى عاطـرة تـدفع أرحامهم الى ما يـرفـع النفوس الى كل ما هو أجمل وأحسن وأسمى. وبنسبة ما يعطّـلون ويخرّبون من طاقات مجتمعهم يصغرون ويتناثرون ويتبخرون.

هذا الكائن الطبيعي الحيّ الذي نسمّيه الإنسان – المجتمع – الأمة هو الذي يـُعـَبـِّر عن الحياة وماهيتها. هو تعبيرها الأسمى في هذا الوجود. ولأن الحياة هي التي تنمو فإن الإنسان الذي هو تعبيرها الأسمى هو الإنسان النامي المستمر في نموه. إنه الإنسان المتجـدّد في البيئة. في الأرض. في الكون. والمتواصل في الزمان عبر المراحل والأطوار والمستويات جيلاً بعد جيل. إنه كلٌّ وليس جزءاً. إنه الأجيال منذ كانت الى ما سوف تكون.

وليس جيلاً أو عدة أجـيال. إنه حركة التاريـخ المتـواصلة الـدائمة في المـاضي والحـاضـر والمستقبل. بدأ منذ فجر الخليقة وليس من حيث يستذوق البعض أن يبدأ. إنه ليس مجموع أفراد. ولا مجموع أجيال. ولا فئات ولا طوائف. بل إن جميع هذه التجمّعات لا وجود لها ولا كيان ولا بقاء إلا في المجتمع. وهي في حال تشرذمها وانغلاقها واقتتالها فيما بينها تشكل بثور أمراض خطيرة تؤدي في أحيان كثيرة الى تفتت المجتمع ودماره وهلاكه.

 أما المجتمع الصحي الحيّ فإن من أهم ميزاته ميزة بروز شخصية الفـرد، وظهور شخصية الجماعة اللتين تعبّران عن طاقة الحياة، وحيوية النموّ في الإنسان – الفرد والإنسان ـ المجتمع. وبقدر ما تتوهج الشخصية الفردية موهبة وعبقرية وإبداعاً من جـهـة. وبقدر ما تتألق شخصية الجماعة رفعة ورقياً وتمدّناً وسمواً من ناحية ثانية، فإن الإنسان ـ المجتمع يبرهن ويفصح عن حيـوية أكبـر، وجدارة أقوى، وأهلية أعظم تـُهيئه لبلوغ طور التنوّع المنسجم المتـناغم في تكوين ونشوء الإنسان – العالمي الإنساني المتطلع الى أرقى ما يتصوّره العـقـل البشري، وتطمح اليه النفوس الجميلة الخيـّرة.

الفلسفة القومية الاجتماعية بالمفهوم المتقدم هي فلسفة حياة حـيّة حيوية عملية نامية متسامية لا سقف لها في النموّ، ولا حـدود تقـف عنـدها في الرقي. فهي تنطلـق من الأرض نحـو السـماء التي تـصبح بدورها قاعدة انطلاق باتجاه سموات لا تنتهي لتحقيق مـُثـُل عليا لا نستطيع تـصـورها إلا اذا ارتفعنا الا الى المشارف التي تطل عليها.

إنها فلســفة متجددة بتجدد حيوية الإنسان. ومنفتحة بنسبة تفتح قواه العقلية. وشاملة ومتـوسعـة بنسبة توسع واتساع آفاق معرفته. ومتسامية على قـدر تسامي تصوراته وخططه في تحسين مستوى حياته المادية – الروحية، المدرحية.

هذه بعض الأضـواء نسلطها على فلسـفة حياتـنا القومية الاجتماعية المناقبية الأخلاقية الجديدة التي توقظ فينا عوامل النهوض، وتـفجـّر كل ما تحويه نفـوسنا من عزيمة الصراع ومـواهب الإبداع لنظل الأمة الجديرة بموهبة العقل هبة الله العظمى التي وهبنا إياها لاحتلالنا كأمة مكانها الرفيع بين الأمم.

*باحث وشاعر قوميّ مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى