حكومة تعوزها الكرامة… ونواب تعوزهم الوطنية
ناصر قنديل
– البيان الصادر عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية حول عملية المقاومة التحذيرية في بحر عكا، يشبه البيان الذي صدر حول الحرب في أوكرانيا، والبيانات التي صدرت حول الحرب في اليمن، غب الطلب الأميركي بلا خجل ولا حرج، لكنه هذه المرة أشدّ خطورة، ويجب أن يكون مجلبة للشعور بالمهانة والذل لهما، فتجربة الرئيس والوزير مع الوعد الأميركيّ الممتد منذ أكثر من سنة عن حل قضية استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية والإعفاءات من قانون قيصر الذي يعاقب سورية، كافية كي يعرفا أن الحديث عن انتظار نتائج مساعيه الإيجابية في ملف الترسيم مجرد استهلاك للوقت، في قضية كلها قضية وقت، حيث الاحتلال لا يحتاج إلا للوقت والصمت؛ الوقت ليبدأ الاستخراج والضخ نحو أوروبا من حقول بحر عكا، والصمت لتوفير الاستقرار اللازم لإنجاز الأمرين. والأميركي يشتري له الوقت من الهبل اللبناني، والصمت يوفره له الرئيس والوزير وهما يشعران بالفخر.
– يقول بيان الرئيس والوزير «إننا بحثنا الوضع في الجنوب وموضوع المسيّرات الثلاث التي أطلقت في محيط المنطقة البحرية المتنازع عليها، وما أثارته من ردود فعل عن جدوى هذه العملية التي جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي». وفي ختامه يرد القول إن «لبنان يعتبر أن أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره، غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها. من هنا نهيب بجميع الأطراف التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والتزام ما سبق وأعلن بأن الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض». وفي الفقرتين لا ترميز ولا لعب كلام ولا ذكاء دبلوماسي، فالحديث واضح انه يقصد المقاومة الإسلامية وحزب الله، فلماذا يخجل الرئيس والوزير من التسمية، ولم يبق البيان مكاناً للتخيل في التوصيف، وهل ممنوع عليهما ذكر المقاومة في أي بيان، أم يخشيان غضب الأميركي من مجرد ذكر المقاومة، والسؤال هل يصدقان نفسيهما بأن على المقاومة أن تكون جزءاً من السياق التفاوضي، أم أنها مصدر قوة يستقوي به المفاوض ويتجاهله دون إنكاره، ودون الوقوع في خطيئة القول إن عمل المقاومة غير مقبول، وهو بالمناسبة كلام لم يقله قبل الرئيس والوزير إلا الرئيس فؤاد السنيورة في حرب تموز 2006.
– عندما يقول الرئيس والوزير أن عمل المقاومة، هو «عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره، غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها»، لا ينسيان الإضافة «أن المفاوضات الجارية بمساع من الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين قد بلغت مراحل متقدمة». «وفي هذا الإطار يجدد لبنان دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل إلى حل يحفظ الحقوق اللبنانية كاملة بوضوح تام، والمطالبة بالإسراع في وتيرة المفاوضات. كما أن لبنان يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية». وبذلك تتضح الصورة، فالرئيس والوزير واثقان بأن المفاوضات بلغت مراحل متقدمة، ويدعمان مساعي الوسيط هوكشتاين ويعوّلان عليها لشيء هام وخطير فيقولان بشجاعة واثقة «أن لبنان يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية». فالمقاومة تضر بلبنان والوسيط الأميركي موضع ثقة لبنان، والسؤال هو بكل صراحة فجّة، هل كان الأميركي ليعين وسيطاً ويبدي اهتماماً بلبنان والرئيس والوزير والمفاوضات لولا وجود هذه المقاومة، التي تسبب القلق لكيان الاحتلال المدلل الوحيد لدى الوسيط وأسياده في واشنطن؟ وإذا كان لدى الرئيس القدير والوزير الخبير قناعة أخرى فليخبرانا عنها؟ والسؤال الثاني هو هل هكذا تتصرف حكومة وطنية حريصة مع المقاومة التي تمثل مصدر قوة لبنان الوحيدة في التفاوض، ومع الوسيط الذي يعرف اللبنانيون أنه أشدّ حرصاً على مصالح «إسرائيل» مما يروج له الرئيس والوزير حول تعويلهما على مساعيه وتصديقهما كذبة المرحلة المتقدمة التي بلغتها المفاوضات؟
– كما الحكومة تعوزها الكرامة، بعض النواب الذين يختبئون وراء مزاعم تمسكهم بالخط 29 لانتقاد الحكومة، وقبولها بالتنازل عنه، تعوزهم الوطنية عندما يقولون إن عدم توقيع الحكومة لمرسوم تعديل خط الترسيم المعتمد، يجعل عمل المقاومة اعتداء على كيان الاحتلال، والسؤال لهؤلاء، شو خصّ عباس بدباس، ماذا لو كانت لدينا حكومة عميلة للاحتلال، هل يصير التسليم بمشيئة الاحتلال هو الموقف الوطني، تحت شعار أن الحكومة لا تقوم بواجبها وتعلن الاحتلال احتلالاً، فيسقط الحق بالمقاومة؟
– نقص الكرامة ونقص الوطنية ليسا جديدين علينا، فلو تخيّلنا أن هذا النقاش يدور عام 1983، لاستعاد البعض خطابه السابق، المقاومة تشويش على المسار التفاوضيّ حول اتفاق 17 أيار، وبعض آخر يقول طالما إن الدولة وقعت اتفاقاً، فالمقاومة اعتداء على دولة جارة تربطها اتفاقيات تعاون أمنيّ بالدولة اللبنانية… وعش رجباً ترى عجباً، واللهم احمني من أصدقائي (وأبناء بلدي) أما أعدائي فأنا كفيل بهم!