الوطن

لا إيجابيات متوقّعة في بلد يتهاوى…

} علي بدر الدين

بات واضحاً وثابتاً أنً لبنان مقبلٌ على ما هو أسوأ وأكثر تأزُّماً وتفجُّراً وانهياراً، إلى حدِّ السقوط في الهاوية التي اختارتها المنظومة السياسية لتكون الملاذ «الآمن» لشعبها، والتي حفرتها بسلوكياتها وممارساتها وتسلطها وظلمها وجبروتها وإدارتها غير السويِّة وغير المسؤولة لشؤون البلاد والعباد على مدى ثلاثين سنة وأكثر، وأدَّت الى هذا الكمُّ من الأزمات والمشكلات والضغوط والأعباء الاقتصادية والمعيشية، وإلى النقص الحادّ والمخيف في قطاعات إنتاجية وخدماتية، مثل الكهرباء والماء والغذاء والدواء والطحين، بفعل وتغطِّية ممنهجة ومعتمدة ومقصودة من هذه المنظومة، التي أثبتت بالدلائل والبراهين والتجارب أنها ليست عاجزة أو فاشلة، بل أنها فاسدة ومنافقة وكاذبة وجشعة وجائعة بنهمٍ إلى شهوة السلطة والمال والسيطرة والنهب.

كلّ ما يطفو على السطح من أزمات ومشكلات وملفات وطمس حقائق وتبديل وقائع ومواقع، وما يُثار من تجاذبات وسجالات سياسية وإعلامية وتبادلٍ للاتهامات وتحميلٍ للمسؤوليات وافتعالٍ ونبشٍ لأزمات إضافية وإطلاقِ لوعودٍ وتوقُّعات لإيجابيات مقبلة في هذا الملف أو ذاك، كله هراء وخارج الواقع والنص والحقيقة، ولا يعدو كونه «فقاقيع» صابون متطايرة في الفراغ، لأنّ الهدف الأوضح منها هو ولا شيء آخر، إلهاء الشعب وإشغاله وإغراقه أكثر في معاناته وهمومه وفقره وجوعه ومرضه، من خلال مواصلة عرض المنظومة لمسرحياتها التراجيدية الطويلة، التي تبدأ بإجراءات وقرارات تعسُّفيٍة تطال كلّ مقومات الشعب وخدماته بتوافقها مجتمعة وعن سابق إصرار وتصميم، ومن دون أيّ اعتبار لواقع الحال المزري والمأساوي والكارثي، الذي يفاقم فقره ويرفع من منسوب تعاسته، مع أنها تدرك جيداً، أنه أصبح أسير مصالحها وطوع أوامرها، وليس بمقدوره التأفف او الاعتراض على ما فعلته وتفعله به إلا «ع السكيت» وداخل الأماكن المقفلة فقط، لأنّ الخوف يلاحقه «جدران لها أذان»…

أكثر ما يمكنه أن يفعله هو النزول إلى الشارع ورفعه شعارات التنديد بالحاكمين، ثم العودة من حيث أتى، وكأنّ شيئاً لم يحصل، ومن دون أن «يطال» شعرة واحدة من رأس أحدٍ من رموز هذه المنظومة وأزلامها ونوابها ووزرائها، أو يحدث أيّ خرق او تغيير أو تراجع عن القرارات الجائرة والظالمة التي اتخذتها السلطة من دون أن يرفَّ لها جفن، بل على العكس فإنها تنام ملء عيونها من دون قلق أو اضطراب، لاعتقادها بأنها تجاوزت قطوعاً شكلياً، وحققت نصراً مبيناً على الشعب المقهور والمُعدَم، ولأنها أثبتت للمرة الألف للقاضي والداني، انها لا تزال قادرة على الإمساك بالسلطة، وعلى حماية نفسها وتحصين نفوذها، والحفاظ على ثرواتها المالية المخزَّنة والمخبَّأة تحت «سابع أرض» والمهرّبة وغير المنقولة أيضاً، وأنها نجحت أخيراً بإسقاط «ورقة التوت» وكلّ رهان على حراك الشعب، وقد شلَّت قدرته على فكِّ تلاحمها المعمَّد بالفساد والتحاصص والشراكة في النهب، وفي مواجهة الشعب الذي خرَّ صريعاً مضرَّجاً بدمه، جراء ضرباتها القاضية المتتالية منذ عقود ثلاثة ونيِّف من حكمها القائم والمتكئ على الاستزلام وشراء الذمم والقهر والتجويع والذلّ، حيث فعلَت فعلها وعرفت كيف يؤكل «كتف» الشعب وتجعل منه شعباً خاضعاً ومستسلماُ لحكامه وقدره، وبلا حول ولا قوة ولا إرادة ولا رأي ولا قرار.

نعم، هذه المنظومة المتسلِّطة ربحت كل جولاتها ومعاركها التي خاضتها ضدّ شعبها، ولا تزال قوية ومتماسكة، وتتربَّع وحيدة على عرش السلطة من دون أي منازع أو منافس لغاية اليوم، وكل ما يطفو على أسطحها من منازلات ومماحكات وتحديات وكيديات ليس سوى مناورات وألاعيب وصراعات وهمية، ومسرحيات إيحائية واستيعابية لتغطية نهمها للسلطة والمال والنفوذ، والرقص على أجساد الشعب وجثثه الممهورة على سجلات المرض والفقر والجوع والخنوع، بأختام السلطة، لأنه لم يكون أبداً من أولويات اهتمامها، لاعتقادها الخاطئ ورغبتها بأنه فقد الأهلية الوطنية، وليس من حقه أن يعيش كمواطن حر ومكرَّم في وطنه، أقله ما دامت المنظومة الأخطبوطية المجدَّد لها، والمتمدّدة بأمان على بساط السلطة منذ اتفاق الطائف باقية وقابضة على كلّ صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة في هذا البلد المتهاوي، الذي بات فعلاً على كفِّ الانهيار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى