أخيرة

نافذة ضوء

حركة النهضة القوميّة الاجتماعيّة

حركة فلسفة صراع إنقاذيّ فاعل

} يوسف المسمار *

إن حركة الإنقاذ النهضويّة الواجب قيامها في أمتنا مهمتها البحث والتفتيش عن الخلايا الحيّة في جسم أمتنا المشوّه، والبحث عن المواهب والعبقريّات والهمم لتبدأ من تلك الخلايا الحيّة بالذات بتعميم الحياة العزيزة في جسم الأمة كلها، كما يجب عليها أن تكون مختبر تفاعل توحيد الخلايا الإنسانيّة الحيّة فقط وإطلاقها لتفعل فعلها التنويريّ التثقيفيّ المناقبيّ المفجّر لطاقة الإبداع الموحّد للإرادة القومية الاجتماعية العامة.

وهذه الحركة المنقذة هي التي تكون نتيجة فهم عميق لمجتمعنا في نشوئه وتطوّره وكيفية ارتقائه. تبدأ بخلاياه الحيّة، وتتجه إليه بكل فئاته وطوائفه ومذاهبه وأصوله ومناطقه وإتنياته وكل أجياله، منوّرة أبناءه وداعية مجموعه لممارسة الحياة الجديدة الجيدة فلا تستبعد من أبنائه أحدا ً لا ديني ولا مدني ولا غير ديني وغير مدني، ولا تتنكّر لمذهبٍ من مذاهبه لا مادي ولا روحي ولا غير روحي وغير مادي، ولا تنصر فريقا ً على فريق إلا إذا كان على حق فيكون نصرها رفع الظلم عن المظلوم واجتثاث الظلم من الظالم، ولا تتهاون بحق أحد لأنها تقوم على مبدأ جديد قوميّاجتماعيّ راقٍ هو مبدأ «الإخاء القوميّ الاجتماعيّ» الذي هو بالضبط مبدأ الإخاء القومي العام الشامل الذي يضع حدا ً للتحزبات الجزئية والعصبيات والأنانيّات، ويضع حداً لسلطة الأعراف والعادات والتقاليد القديمة البالية الرثة العفنة المضرّة بوحدة المجتمع ليعمم مكانها الإخاء في كل فئات المجتمع، وبين جميع أبناء المجتمع حيث لا فضل لأحد على أحد إلا بقدر ما ينتج ويبدع ويمارس ويعمل لخير المجموع وسعادة الأمة ورقيّ أجيالها.

وكل هذه التشكيلات الشخصيّة والفئويّة التي ظهرت في بلادنا بعامل الخوف والتخويف من بعضها هي مرض يمكن اجتثاثه وهي ليست سوى الحصون الأخيرة المتمترسة فيها قوى الرجعة المدعومة من الإرادات الأجنبيّة العدوة العدوانية التي أنشأتها يوم خرج شعبنا من قوالب الاستعمار العثمانيّ ومعلباته الكريهة، وسمومه البغيضة حيث أصابه ما أصاب جماعة أهل الكهف الذين استيقظوا بعد غفوتهم الدهرية ليستغربوا كل شيء، وليستهجنوا كل شيء، وليتنكروا لكل شيء يدور حولهم كما تروي قصتهم ليعودوا بعد استهجانهم وانبهارهم إلى رقادهم في مقبرة التاريخ.

واقع مجتمعنا المريض

إن مجتمعنا المنكوب مُصاب بمرض خبيث خطير. وعلى الحركة النهضويّة المنقذة أن تفهمه وتتفهمه لتنقذه مما هو فيه.

 فهو يتحرّك بالعقليات المتنافرة المتنابذة ويعمل بالنفسيات المتعصبة المتباغضة.

 يرى الطائفية العمياء المخر ِّبة دينا ً مُنزلا ً. ويفهم العرقية الفاسدة المفسدة أساساً للشرف والكرامة.

مُسلموه المسيحيون معقدون بمسلميه المحمديين، ومسلموه المحمديون ممروضون بمسلميه المسيحيين.

وعلمانيّوه ومدنيّوه ودينيّوه الطائفيّون الفئويون مصابون بداء شوفينيّ لا شفاء منه لأن كل فئة منهم تعتبر فئتها سيدة الحقيقة وتكفّر جميع الفئات التي لا تدور خارج دائرتها.

 ثقافة أبنائه العلمانيين الزائفة ترفض ثقافة أبنائه الدينيين المتدينين، وثقافة أبنائه الدينيين المشوهة تتهم بالكفر كل من لا يخضع لتشوّهها.

أممه بعدد بقايا أقوامه المنقرضة المُتحجرة. وبقايا أقوامه المتحجرة مُتَخذة حجة لتعدد أممه.

 الانكماش في بعضه عقدة ُ الخائفين العاجزين. والانفلاش في بعضه الأخر عقدة المهووسين الحالمين.

متعلّموه المبهرون بثقافات الأمم شاردون في متاهات الخيانة لاهثون وراء حفنة من مال يقودهم إلى مكبّات اللعنة والعار، وجاهلوه الجاهليّون غارقون في ظلمة ليل طويل خانق.

حقيقة واقعه أكثرية وأقليات، وواقع حقيقته بؤرة أمراض وعاهات ومفاسد وتشوّهات وتآكلات مميتة.

إنه فسيفساء أنظمة، وفوضى مفاهيم، وتخبّط نظريات وتشنّج عصبيات، واضطراب أحاسيس وأفكار ومشاعر تدمّر ولا تُعمّر.

لكل الأسباب المتقدّمة كانت مهمة المنقذين صعبة جدا ً، وكانت مسؤولياتهم متعدّدة وجسيمة وكبيرة، وهي تحتاج الى كفاية من الوقت لأن «الوقت شرط ضروريّ لكل عمل عظيم». كما أشار الى ذلك العالم الاجتماعي والفيلسوف الحكيم أنطون سعاده الذي اغتيل ضلالأ لأن عدوانيي الخارج وعبيد الداخل وجاهليي الرعاع لم يتحمّلوا ومضة النور التي بدأت تشعّ من نظرته الجديدة ومبادئه الفلسفية المنيرة والفاضلة.

إلا أنه على الرغم من صعوبة المهمة، وجسامة المسؤولية، وضرورة توفر الوقت، فإن طريق الإنقاذ الوحيدة لا تكون إلا بالمبادرة والتصدي والابتداء.

كيف نبدأ وماذا نريد

علينا أولا ً أن نبدأ من معرفتنا لهويتنا عن طريق عودتنا الى الجذور والأصالة، وعن طريق الرؤية الشاملة لتاريخنا منذ بداية التاريخ الجلي. فلا نبدأ بهذا التاريخ من حيث يستذوق البعض أن نبدأ. بل نرى تاريخ أمتنا على حقيقته ونرى أمتنا على حقيقتها التي هي:

«وحدة الشعب المتولدة من تاريخ طويل يرجع الى ما قبل الزمن التاريخي الجلي».

على هذه البقعة المميزة من الأرض التي هي أرضنا، وفيها، والتي كانت وما زالت مسرحاً لنشاط أمتنا في تعاقب أجيالها، والتي نشأت عليها حضارتنا وتحضن تراثنا، والتي عليها وعلى بقائها ودوامها لنا يتوقف بقاء وجودنا، ورقي حياتنا، وعزة مصيرنا، ودوام وتقدم أجيالنا الأتية.

ونرى أيضا ً أن شعبنا في نشوئه وتطوره وارتقائه لا يتحدر من سلالة معينة بل يتألف ويتكوّن من مزيج سلالي متجانس ممتاز. يشهد له التاريخ بأسبقيته في الحضارة وفي العطاء الثقافي الفكري التمدني الراقي.

 ويروي لنا التاريخ كيف جمّده الغزاة البرابرة المتوحشون وحوّلوا خط تطوره من التقدم الى التقهقر، فوجب علينا الآن أن ننبذ انتظار فعل التطوّر الذي هو حركة تلقائية غير مدركة وغير هادفة، ونبدأ بتكريس فعل النهضة والتطوير التي هي فعل وعي وتخطيط عاقل نظاميّ وهادف.

*باحث وشاعر قوميّ.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى