أخيرة

نافذة ضوء

 يوسف المسمار*

ملامح إنسان النهضة الجديد

في فلسفة القوميّة – الاجتماعيّة

إن الإنسان الجديد. إنسان النهضة المتولد من عملية تفاعل الوعي والفضائل والمناقب مع الوعي والفضائل والمناقب هو وحده الذي يعبّر عن بزوغ روح ناهضة جديدة مُتحررة من كل فكر خصوصي جزئي أناني بغيض، ومن كل تفكير افتراضيّ رومنسيّ وهميّ، ومُتجهة الى تحقيق حالة نهضوية عملية عامة في كل مناحي حياة مجتمعنا، وموقظة في جميع نفوس أبناء المجتمع وحدة ً روحية ًعامة ً شاملة لا ترتكز على حقيقة انكماشيّة فردية أو جزئية أو مجموعيّة فئوية او انفلاشيّة وهمية بل ترتكز على الحقيقة الإنسانية الكلية التي هي:

حقيقة الوجود الإنسانيّ على كوكب الأرض في بيئاته الطبيعية الجغرافية المتعدّدة المتنوعة. حقيقة الإنسان المجتمع الذي يحضن الفرد ويحضن الفئة ويحضن الشريحة ويحضن الطائفة ويحضن المجموع المتصل والمتواصل مع غيره من المجتمعات وغير المنفصل أو المنعزل أو المتوهم صلاح الانفصال والانعزال.

 إنه الإنسان الإنسانيّ العام الحاضن جميع أبنائه، والشامل جميع أجياله. والمتفاعل مع أرضه عبر التاريخ، والمنشئ الحضارة في دورات ومراحل، والمتطلّع إلى معرفة المزيد وكشف الرموز والأسرار واكتشاف المستور من مجاهل الكون من أجل رقيّه ورقي غيره من المجتمعات.

إنسان المجتمع هذا هو إنسان العقل السليم المنفتح على كل رقيٍّ أي الإنسان الروحي المادي او المادي الروحي الذي يعرف عناصره ومكوّناته ولا يتنكّر لأي عنصر منها. بل هو واعٍ ومقتنع ومؤمن بأن «أساس الارتقاء الإنسانيّ هو أساس ماديّ روحيّ. مدرحيّ». كما عبّر عن ذلك الفيلسوف أنطون سعاده، وكل مكابرة بالروحيات او الماديات لا تفيده ولا تنفع الإنسانية في شيء، لأن قيمة الروح الإنسانية الحقيقية هي في تجسّدها حركة وفعلاً، وقيمة المادة الإنسانية الحقيقية هي في تألقها فكراً وإبداعا ً وفنا ً، وفي كليتها وشموليتها الإنسانية العامة على كامل وسع كوكب الأرض الصالح للحياة لأنه جزءٌ من الكوكب الذي لا وجود له ولا حياة ولا رقي ولا بقاء إلا عليه وفيه.

ولأن الإنسان النهضة هو الإنسان المجتمع الذي هو إنسان عقل مبدع، فإنه حتما ً هو إنسان مناقب وقيم وأخلاق، ومفاهيمه هي مفاهيم إنسانيّة عامة مناقبية خُلقية راقية سامية شاملة كل المجتمع، فهو اذن إنسان إنسانيّ عالميّ لا يحب للعالم أجمع بإنسانيته ومناقبيته وقيمه وأخلاقيته إلا ما يحب لنفسه من سلامة الوجود، ووئام الحياة، وسعادة المصير. ولا يريد للعالم الإنساني إلا ما يريده لنفسه من حق وخير وجمال ورقيّ وتقدّم. وكل ما يريده لنفسه من حق وخير وجمال يريد أيضاً لسائر المجتمعات.

الإنسانالنهضة نواة الإنسان العالميّ الحضاريّ

هذا هو إنسان فلسفة القومية الاجتماعية الماديةالروحية. الوجوديةالماوراء وجودية، الدنيويةالأخروية. النظريةالعملية.

هذا هو إنسان النهضة القوميةالاجتماعيةالإنسانيّة الذي نريده أن يتكون ويتحقق في مجتمعنا ونريده ونعمل من أجله، وهو هو بالذات النواة الحقيقية الدينامية القدوة لولادة الإنسان العالمي الناهض الحضاري الذي هو خلاصة تفاعل وتعاون وتناغم حركات رقي الأمم ونهضاتها، وليس استعباد قويّها لضعيفها، وثريّها لفقيرها بل هو موقظ عوامل القوة والنشاط في كل المجتمعات ومحرّك النفوس الطامحة الى الخير العام في جميع الأمم، وناشر ومعمّم عقيدة الخير والصلاح في أجيال أمم الإنسانية الى ما سوف تكون الإنسانية وما سوف تصل في مراحل نهوضها وتقدّمها ورقيها وأزمنتها المقبلة.

هذه بعض ملامح الإنسان السوري القومي الاجتماعي الجديد الذي هو الإنسان النهضة القادر وحده بوعيه وأخلاقه وإرادته وحريته وقوته ونظاميّته وقيمه السامية أن يقوم بواجبه فيمحو ما لحق بنا وما يلحق وما سيلحق من عار، وهو نفسه الإنسانالمجتمع الذي نكون به أمةً واحدة، ذات نفسية واحدة، وإرادة واحدة حضارية المنشأ والمنطلق والاتجاه والفعل والأهداف والمُثُل العليا تستطيع أن تقوم برسالتها الإنسانية نحو نفسها، والى محيطها، وإلى العالم فتكون بذلك أمة معلّمة وهادية في هذا الوجود.

وبولادة هذا الإنسانالمجتمعالأمة الذي هو نحن ننمو وننضج وننهض ونتقدم ولا نركن أبدا ً لأي تطورٍ تلقائي بطيء، ولا ننتظر تغيرات ظروف ولا ننام على أحلام وعود، ولا نرضى سلام القبور، ولا نقبل إلا أن ننتفض ونثور ونسير بإرادتنا لتغيير واقعنا، وتحقيق أغراضنا، ومُثلنا العليا، لنكون بذلك جديرين بحفظ موهبة الخالق التي أودعها فينا التي هي العقل المميّز بين الصلاح والطلاح وأمانته فينا التي استأمنا عليها التي هي روح الحياة والتي لولاها ما كنا لنوجد ونكون أهلاً لمجد الحياة العزيزة، ونظفر برضى العناية التي ما زوّدتنا بجميع المواهب إلا لنكون أسياد أنفسنا وأسياداً في الوجود والكون.

هذا هو إنسانالنهضة الذي نشأ بالفكر النامي الواعي المنير الفاعل فحرّك قوة المادة الجامدة العمياء المنفعلة وفعّلها وسخّرها لمقاصده الراقية في الحياة ومثله العليا الجاذبة الى التسامي، وانتقل بفعله النهضويّ من مرحلة التطوّر الطبيعيّ البطيء الذي لا إرادة للإنسان فيه الى مرحلة التطوير العاقل الإنساني الهادف السريع وأصبح إنساننهضة فاعل، وليس إنسانتطور منفعل.

 انه إنسانالنهضة والتطوير والتجديد والحداثة والعصرنة، وهذا هو القضاء والقدر الذي أراده الله حين وهب الإنسان العقل وليس إنسانالتطوّر البطيء، وانتظار الظروف، والاتكال على الصدف، والركض وراء سراب المنى، والاستسلام للحظ، وخمول المتخاذلين وشفاعة همم الموتى.

هذا هو الإنسانالمجتمع. إنسان نهضة الأمة السورية. الإنسان السوري القومي الاجتماعي الجديد المدرحي القدوة والممهد لولادة إنسانالإنسانية العالمي الذي تطمح البشرية جمعاء اليه وليس الى انتظار نصرة إنساندولة قادتها متوحّشون قيّمون عليها يدّعون الدفاع عن الحقوق الإنسانية وتحرّكهم روح شريرة يتغلغل فيها ألف شيطان.

هذا هو الإنسان السوري الجديد. إنسانالنهضة وليس إنسانالتطور. الإنسان السوري القومي الاجتماعي الناهض وليس الخامل المنتظر من ينهض به من ملائكة، أو شياطين، أو اناس آخرين يأتون من عالم الأوهام، أو مجريات أحداث.

هذا هو الإنسان النهضوي الذي أراده العالم الاجتماعي والفيلسوف السوري أنطون سعاده للأمة السورية ووضع له نظرته الشاملة الى الحياة والكون والفن، وعقيدته السورية القومية الاجتماعية التي فيها نهوض الأمة السورية في بلاد الشام والرافدين، ونهوض العالم العربي ونهوض سائر الأمم، ووضع له أيضاً نظامه السوري القومي الاجتماعي الأخلاقي الجديد الذي يحقق المحبة والرحمة في القلوب ويجتث الكراهية والنقمة منها، ويُفجّر طاقات العقول ويطلقها زوابع معرفة وفلسفة وعلم وفن تنشر كل خير وكل حق وكل جمال.

هذا هو إنسان الأمة السورية التي أسس لها سعاده مدرسته الفكرية الثقافية الرائدة وأطلق حركتها الفاعلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي خاتماً رسالته بدمه في الثامن من تموز، مفجّرا نبع تضحيات يتدفق مواكب بطولة في الفكر والإرادة والإبداع، وقوافل عطاء وتضحية وفداء من أجل تحقيق «حياة للأمة السورية أجود، في عالم أجمل، وقيم أعلى».

هذا هو الإنسان السوري القومي الاجتماعي النهضوي الجديد في رسالة النظرة الكلية الشاملة الى الحياة والكون والفن التي هي رسالة «حركة جديدة هي جوهر كل الحركات الصالحة مادةً وروحاً». كما عبر عنها شهيد نهضة الأمة العالم الاجتماعي الفيلسوف أنطون سعاده الذي قال «نحن حزب يتناول حياة الأمة كلها بمجموعها، يتناول الحياة القوميّة من أساسها والمقاصد العظمى للحياة القومية كلها وليس لجزء واحد منها…».

ولم يكتف بجودة الحياة وجمالها وقيمها لأمتنا بل أراد في مبدأ الفلسفة القومية الاجتماعية انقاذاً للأمم كافة حيث قال:

«إنّ في المبدأ السوري القومي الاجتماعي إنقاذاً لا يقتصر على سورية، بل يتناول وضعية المجتمع الإنساني كله. ونهضتنا لا تعبّر عن حاجاتنا نحن فقط، بل عن حاجات إنسانية عامة».

*باحث وشاعر قوميّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى