كتب المحرر السياسي:
تدخل الحرب التي أعلنتها السعودية على اليمن، وهي تقود تحالف العشرة زائداً اثنين، الأسبوع الثاني، ولا تزال تراوح مكانها من دون إحراز أيّ تقدم حقيقي يُقاس بالوقائع، وليس بالبيانات الصادرة من الرياض، على طريقة الحروب العربية، التي كانت بياناتها تتحدّث عن تدمير دبابات وطائرات وصواريخ، يزيد مجموعها على كلّ ما لدى العدو الذي تخاض الحرب عليه، وعندما تنتهي الحرب تتكشف الوقائع عن هزيمة مخزية، ويصير الشعار أنّ المهمّ هو أنّ العواصم لم تسقط والعروش لم تسقط، فالميدان يقول خلافاً لما تروّج له البيانات عن خسائر مكلفة بشرياً ومادياً للحوثيين، الميدان يقول إنّ الحوثيين، وفقاً للقنوات الفضائية التابعة للسعودية، ما زالوا هم من يملك زمام المبادرة، فيهاجمون في عدن من عدة محاور، ويضطر وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان إلى الزجّ بقوات بحرية للمشاركة في القصف من ساحل عدن على القوات المهاجمة، بعدما فشل القصف الجوي بمنع التقدّم.
الميدان أيضاً يحمل وقائع عن معارك مستمرة في محافظات الضالع وشبوة ولحج، والمبادرة بيد الحوثيين في المهاجمة والتقدم، بينما كلّ الكلام عن قبائل تنتفض يتكشف عن كون الميليشيا الوحيدة التي تقاتل تحت غطاء سلاح الجو السعودي هي تنظيم «القاعدة».
واشنطن التي تتابع حرب السعودية وحلفها الإقليمي، عن بعد من لوزان وواشنطن، وتراقب الانهيارات في سوق الأسهم الخليجية، لقياس قدرة دول الخليج على التحمّل، تمضي في خيارها التفاوضي للتوصل إلى اتفاق حول الملف النووي مع إيران، حيث وفرت الحرب لواشنطن فرصة التخلص من الامتعاض السعودي و»الإسرائيلي» كمستفيدين رئيسيين من الحرب، فقد حصلا على ما يظنانه جائزة الترضية بالضوء الأخضر لبناء جدار في وجه تمدّد شبكة الصواريخ جنوباً لتطاول الموانئ «الإسرائيلية»، وتستنسخ تجربة حزب الله، فتحيد الحرب الخليج تحت المظلة السعودية وصولاً إلى شمال أفريقيا العربي، كحزام أمني سعودي ـ «إسرائيلي» مشترك يضع مصر تحت إبطه بعدما تمّ ترويضها بالحؤول بينها وبين حرب تضمن أمنها عبر ليبيا، وتعويضها مالاً وفيراً لقاء قبول الدور الجديد، والأهمّ لواشنطن في حال نجاح الحرب بوضع اليد على اليمن أن تنشئ توازناً تفاوضياً إقليمياً في وجه إيران، يشاركها ملفات افغانستان وسورية والعراق والخليج ولبنان، يضمّ تحت الراية السعودية الثلاثي التركي المصري والباكستاني، وفي حال تعقدت الحرب تكون معادلة «دعهم يصدمون رأسهم بالجدار» قد أدّت مهمتها، وصار الحلف الجديد بحاجة ليوسط واشنطن من أجل إيجاد فرص تفاوض كان يرفضها مع إيران.
في كلّ الأحوال تستطيع واشنطن أن تذهب إلى إنجاز الاتفاق مع طهران وهي مطمئنة البال أنّ حريق الخليج سيخطف الأضواء ويحول دون جعل الاتفاق موضع أخذ وردّ داخلياً وخارجياً، ودخان الحريق يتكفل بحجب الأضواء، بينما أطراف الحرب منشغلة بحربها كأولوية وتحرص على طلب الدعم الأميركي حتى لو تمّ الاتفاق، وهو ما لن تبخل به واشنطن.
في لوزان كلّ شيء يؤكد نوايا الإنجاز لدى الجميع، وتتواصل الاجتماعات ليلاً ونهاراً، والقرار الواضح للفرقاء، سنتفق مهما كان الثمن، وبديل التفاهم هو التفاهم فقط.
في لبنان، بدأت تداعيات الحرب اليمنية والانقسامات التي أثارتها، تلقي المخاوف على الاستقرار، فبعدما كان اللبنانيون ينتظرون تفاهماً إيرانياً سعودياً ينهي الفراغ الرئاسي، جاءتهم حرب تشنّها السعودية تحت شعار وضع حدّ للتمدّد الإيراني، وفي بلد يقوده على ضفتين متقابلتين أقرب الحلفاء لكلّ من إيران والسعودية، صار السجال بوتيرة متصاعدة، فتحت الأعين على المخاطر، خصوصاً مع الكلام الذي قاله رئيس الحكومة تمام سلام وأيده فيه وزير الخارجية، عن الحرب السعودية في اليمن بوصفها عملاً عربياً لدعم الشرعية، بينما في مجلس الوزراء لم يعلم الوزراء بالموقف إلا من وسائل الإعلام، ما دفع بوزراء حزب الله إلى القول إنّ الأمر سيناقش في أول جلسة للحكومة، وليس معلوماً النتيجة التي سيتمكن الوزراء من صياغتها كأرضية لأصعب موقف تواجهه الحكومة منذ ولادتها حول أمر يتموضع حوله لبنان وقواه ووزراؤه على طرفي نقيض.
في غضون ذلك، رد حزب الله على موقف رئيس الحكومة تمام سلام في القمة العربية في شرم الشيخ من تبريره العدوان على اليمن وشعبه، وأيضاً تأييده إنشاء قوة عربية مشتركة من خلال الجامعة العربية، ولفت وزير الصناعة حسين الحاج حسن في تصريح أمس إلى «أن هذين الموقفين: العدوان على اليمن وإنشاء القوة العربية المشتركة، لم يناقشا في الحكومة اللبنانية، وما أدلى به الرئيس سلام يعبر عن وجهة نظر قسم من اللبنانيين ولا يعبر عن وجهة نظر لبنان الرسمي المتمثل بالحكومة اللبنانية»، معلناً «أننا سوف نطرح هذا الأمر للنقاش في أول جلسة لمجلس الوزراء».
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن تصرف رئيس الحكومة يأتي خارج سياق السياسة المتفق عليها وسلوكه المألوف منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء». وأشارت المصادر إلى «أن وزراء حزب الله ينتظرون رد الرئيس سلام ومجلس الوزراء مجتمعاً، ليبنى على الشيء مقتضاه». وشددت على «أن حزب الله لن يسلم بموقف رئيس الحكومة كموقف رسمي، لا سيما أن الأخير لم يناقش الموقف مع مجلس الوزراء ولذلك لا يستطيع أن يلزم لبنان به».
وأمس غادر سلام إلى الكويت للمشاركة في مؤتمر الدول المانحة الذي يعقد اليوم، وسيكون له كلمة في المؤتمر ولقاءات مع عدد من المسؤولين المشاركين.
وقال سلام لدى وصوله إلى الكويت: «نحن هنا اليوم لنتعاون في مواجهة تطورات المرحلة الراهنة وتشكل عبئاً علينا جميعاً جراء النزوح الكبير لإخواننا المعذبين السوريين في لبنان وفي البلدان المجاورة لسورية، ولنتعاضد مع ما يبلسم معاناة هؤلاء، ويساعدنا نحن الدول المضيفة لهم في تحمّل هذا العبء. لذا، لا بدّ من اللجوء إلى البلدان الكبيرة المعطاءة مثل الكويت التي احتضنت المؤتمر الأول والثاني والثالث لتأمين مستلزمات المضي في مواجهة هذا الاستحقاق الكبير على أفضل وجه».
الانتخابات الرئاسية بعد الاتفاق النووي
من جهتها، تجنبت القمة الروحية التي عقدت في بكركي أمس الخوض في الأحداث السورية واليمنية وركزت على الاستحقاقات الداخلية، فأعربت في بيانها الختامي «عن قلقها واستيائها جراء استمرار الفراغ في سدة الرئاسة»، مشددة على أنّ «التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية ينسحب سلباً على كل المؤسسات الدستورية والعامة فتتعطل الواحدة تلو الأخرى».
وأكدّ المجتمعون أنّ «المطلوب الاحتكام إلى صندوق الاقتراع في المجلس النيابي، لما يشكله هذا الفراغ من خطر على سيادة لبنان وأمنه وسلامته»، معتبرين أنّ «رئيس الجمهورية المسيحي والماروني هو الضمانة الأساسية لبقاء الدولة».
ورحّبت القمة بالحوارات المستمرة «على رغم أنّها لم تثمر إلاّ القليل»، مجددة دعوة القوى السياسية إلى «الاحتكام للمصلحة الوطنيّة وإيلائها الأفضلية على كل مصلحة أخرى».
وأكدت مصادر بكركي لـ»البناء» أن الأيام المقبلة ستشهد ضغطاً في اتجاه الدول الإقليمية والغربية للتأثير على المرجعيات السياسية لانتخاب رئيس».
وفي الملف الرئاسي أيضاً، أكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن العد العكسي للانتخابات الرئاسية سيبدأ مع انتهاء المفاوضات الإيرانية مع الدول 5 + 1، وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني». ولفتت المصادر إلى أن الموقف الروسي الذي عبّر عنه نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إعلان واضح أن الأمور تتجه نحو انتخاب رئيس توافقي».
ملف المخطوفين: إبراهيم ينتظر الرد القطري
في غضون ذلك، يواصل الجيش السوري وحزب الله العمليات العسكرية المخططة في الزبداني والتي ستؤثر إيجاباً على المعركة التي يخشى منها من القلمون باتجاه لبنان، وفي الوقت نفسه يستمر الجيش في عملية تعزيز مواقعه باتخاذ التدابير الدفاعية في المنطقة.
في الأثناء، عاد أهالي العسكريين المخطوفين إلى تصعيد تحركهم في الشارع وقطعوا أمس طريق الصيفي في الاتجاهين مهددين بخطوات أخرى إذا لم تطلعهم الحكومة على أجواء المفاوضات مع الخاطفين.
وفي هذا السياق، علمت «البناء» «أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أبلغ الحكومة في الأسبوع الأخير أن المفاوضات تسير في الاتجاه الصحيح ولم تتوقف وأنه ينتظر أجوبة من الوسيط القطري الذي يتفاوض مع جبهة النصرة».
ورجحت المصادر»أن تكون جهات تعمل على استغلال ضغط الأهالي من أجل تحسين شروط التفاوض في هذا الملف»، لافتة إلى «أن البعض يسعى الى عرقلة المفاوضات بعدما باتت التطورات في المنطقة لا تخدم أهدافه». ورجحت المصادر»أن يكون ما صدر عن توقف المفاوضات له علاقة بما يجري قي القلمون والزبداني وما يحققه الجيش السوري وحزب الله من انتصارات في مقابل الهزائم التي مني بها المسلحون».
مقبل: لتعيين قادة جدد في مجلس الوزراء
من ناحية أخرى، أكد وزير الدفاع سمير مقبل أنه يحتكم في قرارات التمديد للقادة العسكريين، إلى القانون ويقدم مصلحة المؤسسة العسكرية، وقال: «على من يشن الحملات أن يبادر إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بتصحيح المسار السياسي وتعبيد الطريق الذي يوقف مفاعيل هذه القرارات بتعيين قادة جدد في مجلس الوزراء».