أموال الخليج تشتري المواقف السياسية الفرنسية والبريطانية
مرفان شيخموس
«بالفلوس تشترى النفوس» مقولة ردّدها الأجداد العرب عن ضعفاء النفوس، ويبدو أنّ أحفاد السديرية في الخليج يتبعونها مع أحفاد شارل الأوروبي.
في 17 آذار 2015 اتهمت الخارجية السورية كلاً من فرنسا وبريطانيا بممارسة سياسات خاطئة تورط الاتحاد الأوروبي في مواقف لا تخدم مصالحه واستقراره.
ونقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن وزارة الخارجية قولها «أنّ بعض دول الاتحاد الأوروبي الذي رهن سياسة الاتحاد لجذب الاستثمارات الخليجية، وخصوصاً من السعودية وقطر اللتين تحكمان في شكل يتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، يجعل الاتحاد الأوروبي آخر من يحقّ له إعطاء دروس في المبادئ والقيم».
ويطرح حجم الاستثمارات الخليجية في فرنسا وبريطانيا العديد من الأسئلة عن مقدار الاستثمارات الخليجية ضمن الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا، وعن تأثير تلك الاستثمارات في اتخاذ القرارات السياسية لتلك الدول.
في هذا السياق، أكد عمدة لندن في 22 نيسان 2013 بوريس جونسون أنّ حجم الاستثمارات القطرية في المملكة المتحدة يصل إلى نحو 20 مليار جنيه استرليني، أي ما يعادل 6.30 مليار دولار، يتركز معظمها في لندن. وأشار جونسون إلى أنّ العلاقات القطرية ـ البريطانية تكتسب زخماً كبيراً في الوقت الحالي، وهي ليست كما كانت عليه منذ الأعوام الأربعة أو الخمسة الماضية، بل شهدت خلال الفترة الأخيرة الكثير من المشاريع المشتركة.
أما بالنسبة إلى السعودية، فتشير المعلومات إلى أنّ الشركة السعودية للكهرباء طلبت من الشركة الفرنسية «إي دي إف» المشاركة في مشروعها النووي العملاق في بريطانيا. وحسب المعلومات، تخطط الشركة السعودية للحصول على نحو 15 في المئة من المشروع. وتعليقاً على الصفقة، قال المحلل المالي محمد الشميمري لـ«الشرق الأوسط» إنّ عائدات هذا النوع من المشاريع، من الناحية الاقتصادية، محدودة بسبب تكلفتها العالية إلا أنّ الصفقة استراتيجية وسياسية ثمّ اقتصادية».
من بلاد الضباب إلى بلد الديوك التي يبدو أنّ أصواتها باتت رهينة الاستثمارات الخليجية، فمع انشغال الشعب الفرنسي بوداع عام 2014 على مذاق أجبانها ونبيذها بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في فرنسا نحو 900 مليار يورو، أي ما يقارب 30 في المئة من الاستثمارات المباشرة الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي في فرنسا، وهو ما أكده الدكتور لويس بلين القنصل العام الفرنسي في 21 كانون الأول عام 2014.
وحول التبادلات التجارية بين السعودية وفرنسا، قال بلين «إنّ مجموعها لسنة 2013 تخطى، لأول مرّة، حدود التسعة مليارات يورو، مع 3,4 مليار يورو قيمة الصادرات إلى المملكة و6 مليارات يورو صادرات سعودية إلى فرنسا، على مدى الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية»، مضيفاً: «حتى إذا ظلّت صادراتنا مستقرّة، فإنّ صادرات السعودية قد ارتفعت بنسبة 20 في المئة، حيث أنّ السعودية هي مزود فرنسا الأول بالنفط بنسبة 18 في المئة من السوق، كما أننا عميلها الأوروبي الأول».
وكشف المنتدى الاقتصادي العربي ـ الفرنسي في شباط الماضي، أنّ الاستثمارات الخليجية المباشرة في فرنسا تناهز 5 مليار يورو، حيث دشنت دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2013 ثلاثة عشر مشروعاً استثمارياً في فرنسا، حسب ما أعلن الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية عبد الرحمن حسن نقي.
لم تقف سلسة الاستثمارات الخليجية في فرنسا وبريطانيا على حاجز الشركات والمصارف والموانئ، بل تعدتها إلى عالم كرة القدم ولاعبيه حيث تسابق «أثرياء الخليج» على شراء كبريات الأندية الأوروبية في الأعوام العشرة الفائتة في عمليات استثمارية ناجحة.
مهّد أبناء الإمارات طريق الاستثمار في القارة العجوز ففتحوا شهية أقرانهم من الأمراء والشيوخ، حيث وقعت شركة «طيران الإمارات» في كانون الثاني 2001 عقد رعاية مع تشيلسي الإنجليزي بقيمة 40 مليون دولار لثلاثة أعوام، حسب ما ذكرته صحيفة «إيفنينغ ستاندر» اللندنية.
واستيقظت منطقة الخليج العربي صبيحة 28 حزيران 2009، على خبر شراء رجل الأعمال الإماراتي سليمان الفهيم لنادي «بورتسموث» الإنجليزي، بعد أن أبرم عقداً مع مالكه السابق ألكسندر جايدماك، باع النادي بموجبه عدداً من لاعبيه المميزين أمثال بيتر كراوتش وجلين جونسون للحصول على الأموال، وبعد ذلك بفترة وجيزة فاجأ الفهيم جماهير النادي، ببيعه 90 في المئة من أسهمه لرجل أعمال سعودي يدعى علي الفراج، فيما أشارت الصحف إلى أنّ قيمة الصفقة بلغت 50 مليون جنيه استرليني.
وفي العام نفسه، اشترى الشيخ منصور بن زايد آل نهيان كامل أسهم «مانشيستر سيتي» الإنجليزي، وفور توليه زمام الرئاسة دفع ما يقارب مئة مليون جنيه استرليني لشراء لاعبين مميزين. ثم انضم الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم إلى قائمة المستثمرين الإماراتيين بعد إعلانه شراء «خيتافي» الإسباني منتصف نيسان 2011، وقال المتحدث الرسمي باسم الشركة قيصر رفيق إنّ مجموعة «رويال الإمارات» حسمت الصفقة بقيمة تتراوح بين 70 و90 مليون يورو.
شعر القطريون بالغيرة، وكأنّ الموضوع غدا تنافساً بالمال، والمستفيد أندية أوروبا العريقة، وكشفت وكالة الأنباء الفرنسية أنّ الشيخ القطري عبدالله بن ناصر آل ثاني أتمّ صفقة شراء «ملقة» الإسباني بكامل أسهمه في آب 2010، وذكرت «الآس» الإسبانية أنّ الشيخ القطري تحمل ديون النادي إلى جانب دفع 25 مليون يورو لرئيس النادي الراحل فرناندو سانز.
تجربة قطرية ثانية ناجحة حملت لواءها مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية، ففي تشرين الثاني 2011 اشترت المؤسسة 70 في المئة من أسهم «باريس سان جرمان» الفرنسي، وتمّ إكمال النسبة المتبقية 30 في المئة بعد سبعة أشهر، وعين ناصر الخليفي مديراً عاماً للنادي، وتشير التقارير إلى أنّ قيمة الصفقة الإجمالية بلغت 100 مليون يورو.
أما البحرين، فدخلت هي الأخرى على خط المنافسة، فأعلن مصرف بحريني يدعى «بيت التمويل الخليجي كابيتال» عن توقيعه اتفاقاً حصرياً لشراء «ليدز يونايتد» نهاية أيلول 2012، وعلمت وكالة «فرانس برس» من مصدر رياضي في البحرين أنّ قيمة الصفقة تجاوزت 75 مليون دولار. بعدها اشترى الأمير عبدالله بن مساعد 50 في المئة من حصة النادي الإنكليزي العريق «شيفيلد يونايتد» في تموز 2013.
لم تنته سلسلة التدخلات الخليجية في عالم الاقتصاد الأوروبي هنا، بل وصلت إلى أمن تلك الدول مع إفراج السلطات الفرنسية عن ثلاثة صحفيين من قناة الجزيرة «القطرية» بعد إطلاقهم طائرات من دون طيار فوق غابة في باريس من دون ترخيص مسبق في 26 شباط 2015 ، ما دفع المتحدث باسم الحكومة الفرنسية إلى طمأنة الفرنسيين والتأكيد على عدم «وجود ما يدعو إلى القلق، قبل أن يتبين أنّ الطائرات تعود إلى قناة الجزيرة القطرية المكلفة بمهمّات ظاهرها إعلامي لرصد حركة السير، وباطنها استخباراتي لدعم الجماعات الجهادية.
يبدو أنّ الاستثمارات الخليجية كان لها الأثر الأكبر في تغيير المواقف السياسية لبعض الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا، بالتزامن مع تطورات الأزمة السورية واختلاف مواقف فرنسا وبريطانيا من أميركا، بعد عقود من السير خلفها، ودليل ذلك التصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي جون كيري حول الأزمة السورية والذي دفع باريس ولندن إلى إصدار بيانات رافضة للتصريح، بخلاف برلين التي اعتبرته خطوة في الطريق الصحيح ليتضح أنّ الأموال الخليجية أتت أكلها في السياسة الفرنسية والبريطانية.