أخيرة

القضيّة العظيمة قضيّة النفوس العظيمة A grande causa é a causa das grandes almas

} يوسف المسمار*

 عندما تهيمن الأفكار الخرافيّة وتعاليم المدارس الرجعيّة في أمة من الأمم أو منظمة من المنظمات وتتحالف أفكار الخرافات وتعاليم الرجعية الداخلية مع خطط دول الجشع الاستعماري العدواني وتعاليم مدارس النفاق والتضليل الغريبة في رؤوس أبناء الأمة ومنظماتها تضطرب الرؤوس، وتصاب العقول بمرض التأرجح والزوغان، وتعمى البصائر، وتهوج الأنانيات الفردية والفئوية.

وفي هذه الحالة من الاضطراب النفسي والفكري والمناقبي، والانحطاط الأخلاقي لا يمكن لأي علاج أن ينفع سوى تسليط الضوء على منفذ الخروج من الظلمة الى النور للانطلاق الى الهواء الطلق المنعش لتفعيل الرؤية السليمة والتنفس الملائم.

من الواضح أن الخروج من نفق ظلمة الخرافات وعفن هواء التنفس هو الخطوة الأولى الضروريّة لحصول صفاء الرؤية، والتنفس الضروري الذي يوقظ النفوس ويبعد عنها شبح الموت، ولكن الخطوة التي يجب أن تتبع هي إنعاش الطبيعة الإنسانية لتظهر مناقب الفضيلة وتُنمّي أخلاق الصلاح.

فإذا انتصرت رذائل الشر على مناقب الفضائل، وعطلت خبائث الرذائل أخلاق الصلاح، فلا يمكن أبداً الاستفادة لا من النور ولا من التنفس، ولا يمكن أيضاً أن تنتقل الأمة من حالة الانحطاط الى حالة النهضة مهما كثرت الثرثرات وكبرت الدعايات الخادعة.

فنهضة الأمم هي حاصل عقلية واعية، وأخلاقية راقية، وحركة عملية نافعة، ومن المستحيل أن تتحقق نهضة أمة دون وعي ودون أخلاق ودون عمل وجهاد نافعين.

وهذا ما قصده العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعادة عندما قال: «وإني لا أفرح بكثرة إلا إذا كانت صحيحة المناقب والأخلاق القوميّة الاجتماعيّة، كما أني لا أحزن لقلة إلا إذا كانت نتيجة فقد ذوي المناقب والأخلاق القوميّة الاجتماعيّة».

فإذا كان الوعي والمعرفة هما الشرط الأساسي للتخلص من الخمول والجهالة، فإن المناقب والأخلاق هما الضمانة الوحيدة لإعطاء الوعي والمعرفة القيمة التي لا غنى عنها لتحسين حالة ومستوى حياة الأمة وأبنائها.

وكل جماعة تفتقر الى المناقب الحميدة والأخلاق الرفيعة محكوم عليها بالخيبة والفشل، مهما تبجحت بأنها تعمل لصالح الأمة واهدافها العظيمة.

بهذا الفهم الراقي وبهذه النفسية الجميلة عبّر الفيلسوف أنطون سعاده عن حقيقة حركة النهضة القومية الاجتماعية في سورية، بقوله:

«نحن لنا أخلاقنا ولنا مناقبنا التي ترتفع بنا إلى أعلى درجات السموّ. بهذه الأخلاق، بهذه العظمة النفسيّة قد تغلبنا على كل الصعوبات الماضية وإننا نتغلب الآن وسنتغلب في ما بعد على كل الصعوبات».

بهذا الوعي العميق، والمعرفة الواسعة، والنفسية العظيمة، والمناقبية الحميدة، والأخلاق الراقية، والإرادة القويّة تتحرّك الجماعة الواعية المنظمة بإيمان كبير، وتنطلق لإنشاء قاعدة الانطلاق نحو كل ما هو أجود ليتحوّل الأجود بدوره الى قاعدة انطلاق جديدة جودتها أعظم تمتد آفاقها الى أبعاد أزمنة الحياة التي لا يمكننا الأن أن نعرف ما إذا كانت لها نهاية، ولكننا نتصور بإحساسنا الوجودي أن من المستحيل أن يكون للوجود والكون نهاية، لأنه غير معقول أن ينتهي الكون والوجود طالما موجد الكون والوجود المُوجد باقٍ ودائم.

بهذا الإيمان العظيم نفهم المعنى الحقيقيّ لقولنا: “قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود ولا يمكن أن تزول».

هذه هي حقيقة الجماعة الواعية المنظمة المناقبية التي نشأت بالنفوس العظيمة التي تقدر على تغيير مجرى تاريخ عبودية الخرافات وغطرسات الشعوب المتوحشة، وتستطيع أن تنشئ العالم الإنساني الجديد الجميل حيث لا خرافات ولا أنانيات في الأمة، ولا مطامع جشعة ولا عداوات تأتي من الخارج، وحيث لا خرافات ولا نزعات أنانيّة يمكن أن تفسد حياة الأمة ومنظماتها القومية والاجتماعية، ولا مطامع جشعة ولا عداوات تأتي من الخارج يمكن أن تستعبدها.

*ترجمة لمقال نشر بالبرتغاليّة حمل العنوان نفسه.

**المدير الثقافي للجمعية الثقافية السوريةالبرازيلية التابعة للحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى