دبوس
أمة سادت ثم بادت
كما انّ الفراغ يستدعي ملأً، فإنّ الوهن يستدعي تنمّراً، ندفع ثمناً باهظاً لضعفنا وتشتّتنا وتفرّقنا ووهننا، في دراسة سيكولوجية أجراها أحد مراكز البحوث والاستقصاء عن ظاهرة التنمّر في المدارس، أسبابها، أعراضها، وكيفية القضاء عليها، تخلص الدراسة في إحدى حيثياتها في منطقة الأسباب والدوافع إلى انّ الشخص الذي يتمّ التنمّر عليه عادة ما يكون ضعيفاً من الناحية الفيزيائية أو السيكولوجية، بحيث يغري ضعفه ذلك الذي ينحو نحو العدوان بطبيعته السادية…
أستحضر هذا بينما تتواتر الأخبار بالعواجل وبالتوثيق المصوّر عن العدوان البربري الذي شنّته قوات أردوغان على شعبنا العراقي الحبيب، مجموعة من الناس المسالمين الذين لا ضلع ولا شأن لهم بذلك الصراع المديد بين الدولة التركية وبين من تدّعي بأنهم إرهابيون وجدوا لهم مقرّاً ومستقراً خارج نطاق سيطرة السلطة الضعيفة في العراق، فلم تجد قوات خلوصي أكار غير هذه المجموعة من السياح المساكين لتقصفهم بوحشية، فيتساقط من يتساقط بين شهيد وجريح…!
هكذا هو الأمر دائماً، فلو كان على الحدود دولة قوية ذات بأس وسطوة لفكّر أردوغان ألف مرة قبل ان يتخذ قرار العدوان، نفس الشيء مع مياه دجلة التي استمرأ نظام أردوغان ذاته التوسل بها للابتزاز السياسي وللحصول على مكاسب جيوسياسية من نظام متهالك طال هوانه واستشرى اهتراءه.
ونفس الشيء أيضاً يفعله آبي أحمد رأس النظام الأثيوبي بمياه نهر النيل العظيم، فللتوّ انتهت عملية الملء الثالث، وكان النظام المصري والسوداني قد ملآ الدنيا عويلاً وصراخاً قبل الملء الثاني، وبسبب التقاعس والتخاذل والتنطّح اللفظي وجدنا أنفسنا ما بعد الملء الثالث، وربما بعد قليل الرابع، حتى يذرف شعب مصر العظيم الدمع مدراراً لربما في محاولة لتعويض الماء الناضب، ستعطش بلاد النهرين وأيقونة النيل للمرة الأولى في التاريخ.
هذا ما يحدث لأمة سلّمت سدة القيادة إلى شراذم من الأعراب جلّ ما يستطيعون المفاخرة به هو مال وفير استحوذوا عليه بالغصب وبمعونة من وحوش الأرض، وكنا ذات يوم نقول عن أنفسنا، “إنّ البغاث بأرضنا يستنسر”.
سميح التايه