نقاط على الحروف

عندما تتسبّب المقاومة بالذعر لـ «إسرائيل»؟

 ناصر قنديل

 تختلف معادلة الردع التقليدية التي فرضتها المقاومة من عدوان تموز 2006 على لبنان، والتي نجحت بمنع أي عدوان لاحق، عن اللحظة الراهنة لتسييل المقاومة لفائض قوتها ووضعها فوق الطاولة في ملف النفط والغاز. فهي المرة الأولى التي تنتقل المقاومة من مرحلة تقول للعدو، إذا قمت بالعدوان سنردّ، الى مرحلة هذه حقوقنا فإن لم نحصل عليها سنشنّ الحرب، كأنها تفعل ذلك مثلاً في مزارع شبعا، وهي هنا تنتقل من الدفاع الى الهجوم، رغم التوصيف الدفاعيّ لحماية الحقوق. وهي المرة الأولى التي تفعل المقاومة ذلك تحت عنوان قضية عابرة للانقسامات بين اللبنانيين، حيث لا اجتهاد في حجم الكارثة المالية، ولا في كون ثروات النفط والغاز باب الأمل الوحيد، بينما بكل أسف لا تزال مقاومة الاحتلال والعدوان عندما يستهدفان مناطق لبنانيّة دون سواها مصدر انقسام بين اللبنانيين في النظر للهوية ومفهوم الكرامة الوطنية، وبسبب هذا الجديد الذي حملته معادلات المقاومة، توافرت فرصة استثنائيّة لترجمتها عملياً، وتسببت بإضعاف كل محاولات الطعن والحصار في الداخل، رغم تصنيع الكثير من العناوين المفتعلة لتشتيت اهتمام اللبنانيين وتقسيمهم. وهذا هو الشيء نفسه يحصل مع إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن استعداده لتأمين هبة الفيول التي تحتاجها كهرباء لبنان إذا تجرّأت الحكومة على قبولها.

على الضفة المقابلة، نقلت مؤسسات الإعلام الإسرائيلية حالة الذعر والهلع من تهديدات المقاومة، وتضمّنت تحذيرات واضحة للمستوى السياسي والعسكري من الركون لمعادلة حافة الهاوية، ودعت إلى أخذ تهديدات المقاومة بجدية، فقد حذّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية «من عدم جهوزيّة القوّات البرية الإسرائيلية»، في حال حصل تصعيد في الشمال، ونقل موقع «إسرائيل هيوم» الإسرائيلي، خشية الضباط في القوات البرية وسلاح المدرعات من عدم الجهوزية، مشيراً إلى أنهم «ليسوا مستعدّين للحرب المقبلة، كذلك قال أمير بار شالوم معلق الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش إنّ التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أنّ السيد نصر الله «حدّد الثمن»، مشيراً إلى أنّ السيد نصر الله «لم يتحدّث على هذا النحو منذ سنوات طويلة»، أما معلّق الشؤون الفلسطينية في القناة 12، أوهاد حامو، فقد لفت إلى أنّ هذا التصعيد في الخطاب «هو الأوضح منذ 2006»، مضيفاً «نحن نتحدّث عن الفترة الزمنيّة الأكثر حساسيّة بين «إسرائيل» وبين حزب الله، وهذا بالتأكيد لا يجب الاستخفاف به». ووفق حامو فإن «هذه الفترة الزمنيّة مهمة جداً، مرّة نتحدّث عن حكومة انتقاليّة في «إسرائيل»، ما قاموا في حزب الله بتشخيصه كضعف إسرائيليّ، هذا من جانب، أما من جانب آخر أزمة الطاقة العالميّة، ومرة أخرى من ناحية حزب الله ونصر الله هي فرصة حقيقية لتحقيق الحد الأقصى من مكاسبهم». وشدد حامو على ضرورة الحذر من القول بأن حزب الله «مردوع وخائف». وتابع حامو: «بشكل عام في الشهر والنصف الأخيرين نحن نرى قائداً بدأ يسير على الحافة، وهذا أمر خطير». وقال معلق الشؤون العربية في «القناة 12» الإسرائيلية، شنايدر وعميدرور، إنّ السيد نصر الله «لم يهدد فقط مهاجمة كاريش، بل وجه تهديداً ضد كل منصات الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط»، مضيفاً أنّ «هذا بالطبع ارتقاء عدة درجات مرة واحدة».

كلام السيد نصرالله على قناة الميادين وضع المنطقة على حافة الحرب، بمضمون التأكيدات التي أطلقها حول عزم المقاومة على تنفيذ تهديداتها، رافضاً فتح أي باب لما يسمّى باستراتيجية الخروج. فالباب الوحيد لعدم نشوب الحرب بيد «اسرائيل»، وهو التراجع لحساب لبنان ببساطة، وتقبّل الهزيمة، ورغم أن المطلوب منها أن تتراجع عن مكاسب إضافيّة هي حقوق لبنانيّة، فإن التراجع يبقى هزيمة معنويّة كبيرة ونصراً موازياً للمقاومة، ليصير السؤال عما إذا كانت القيادة الإسرائيليّة ستُحسن إقامة حساب المصالح الدقيق، بين الكلفة المترتبة على الحل التفاوضيّ والخسائر التي تخاطر بوقوعها في حال المواجهة، فهل لدى «إسرائيل» استراتيجية خروج من هذه الثنائية المحكمة التي رسمها السيد نصرالله، بعدما قدمت «بروفة» المعركة حول المطران موسى الحاج، أن لا شيء سيصرف انتباه المقاومة عن أولوية ملف النفط والغاز، وأن كل تحرّش واستفزاز لن يستدرجها الى زواريب الداخل، فمهما كان سقف الشتيمة عالياً سيبقى رد المقاومة من باب التوضيح لا أكثر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى