بايدن عالق في مضيق تايوان
ناصر قنديل
– ليست قضيّة زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى تايوان إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، في العلاقات الأميركية الصينية التي تسير نحو التصعيد منذ سنوات، والرئيس الأميركي جو بايدن ليس وسيطاً في هذا الشأن ليلطف من الأجواء المتشنجة التي خلفها الإعلان عن زيارة بيلوسي، فهو كتب قبل أن يصبح رئيساً بشهور عدة يقول إن الصين هي العدو الاستراتيجي لأميركا، معتبراً أن صعودها الاقتصادي وتوسّع نفوذها في دول آسيا وأفريقيا، وتنامي قدراتها العسكري، يجعل منها التحدّي الأول للزعامة الأميركية على العالم، ومثلما تشكل زيارة بيلوسي الى تايوان مجرد خطوة تكتيكية تفصيلية في سياق استراتيجي مأزوم، تشكل قضية تايوان نفسها أحد تعبيرات المأزق الاستراتيجي في العلاقات الأميركية الصينية، كان يمكن إيجاد حلول تفاوضيّة له كما حدث في أزمة هونغ كونغ قبل سنوات، عندما كانت واشنطن فرحة بما وصفته بإنجازات استراتيجية احتواء الصين.
– المأزق الاستراتيجيّ الراهن غير قابل للاحتواء، هذا هو الأهم، فلا بكين تثق بواشنطن قوية، وهي تدرك النيات العدوانيّة التي تحرّك مشروع الهيمنة، وقد منحت فرصاً كثيرة لإدارة تنافس تجاريّ وتقني وسياسيّ ضمن الأطر الدوليّة المعمول بها، لكنها تلقت ردود أفعال أميركيّة عدائيّة من خارج هذه الأطر، فكانت العقوبات التي طالت بضائع وشركات ومصارف صينيّة، ومحاولات الإخضاع التي تعرّضت لها الصين في سياستها الخارجية ونظرتها المستقلة في بناء تحالفاتها، وصولاً للملاحقة الأميركية الأمنية لشركات صينية رائدة مثل هواوي، وافتعال التوترات في بحر الصين وبناء التحالفات العسكريّة الإقليميّة استعداداً لمواجهة لم تكن على جدول أعمال الصين، ولذلك لم يعُد في الصين من يؤمن بمنح الفرص لواشنطن، أو من يتحدّث عن فرصة لبناء الثقة، أو مَن يدعو للنظر نحو تفكيك حلقات الأزمات ومعالجتها كأجزاء منفصلة، ثلاث معادلات تختصر الجو السائد في بكين هي: الأولى أن واشنطن عندما تنتهي من إخضاع روسيا وإيران ستتجه نحو إخضاع الصين، والثانية أن أي تنازل أمام واشنطن هو منطقة متقدّمة للأميركيّ لتعزيز مواقعه في هجوم مقبل، سواء أكان التنازل معنوياً أو مادياً، والثالثة أن أي تهاون صينيّ مع أي انتهاك لمبدأ الصين الواحدة في قضية تايوان يعني مساعدة واشنطن على الإعداد لتحويل تايوان الى قاعدة انطلاق لحرب مقبلة على الصين.
– بالمقابل فإن واشنطن في وضع شديد الصعوبة، في ظل التراجع في الموقع الاستراتيجي الأميركي، وواشنطن عالقة بين فكي كماشة، فهي من جهة تدرك أن الوقت غير مناسب لخوض المعارك، وأنها ليست في وضع يتيح لها الفوز بالمواجهات التي تفتحها او تفتح عليها، وأنها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً تحتاج الى المزيد من الوقت لتأهيل مقدراتها لمقتضيات مواجهات تثق أنه بدونها ستضمحل مكانتها العالمية، وشراء الوقت بالتهدئة يعني تقديم التنازلات أمام خصوم جاهزين للمواجهة، وحجم التنازلات التي ستقدّم يجعل منها مناطق يستخدمها الخصوم لخوض المزيد من المواجهات، حتى فرض أمر واقع جديد لا تستطيع بعده واشنطن استعادة مكانتها، وهذه الحالة من الازدواجيّة الصعبة التي تحكم علاقة واشنطن بكل من روسيا وإيران، تحكم أكثر علاقة واشنطن وبكين، حيث ترغب واشنطن بالتهدئة وشراء الوقت، حتى تنتهي حرب أوكرانيا، وحتى تتضح نتائج المواجهة والمفاوضات مع إيران، لتستطيع التفرّغ للصين، كما ترغب بالتهدئة لشراء الوقت حتى تستعيد انتعاش اقتصادها، وتتمكّن من تنظيم تحالفاتها، لكن تسديد ثمن التهدئة من عناوين مثل المنافسة التكنولوجية يعني تمكين الصين من تسجيل قفزات يصبح من الصعب اللحاق بها، وتسديد ثمن التهدئة من عناوين مثل مستقبل تايوان يعني تمكين الصين من الاستقرار السياسي والأمني والإقليمي، وفقدان المنصة التي يمكن الاستناد إليها في المواجهة المقبلة.
– في قلب هذه اللحظة الشائكة، تقف الصين مرتاحة لحساباتها، واثقة من ثباتها، بينما تتحرّك واشنطن كبطة عرجاء عاجزة، لا تملك قدرة التراجع ولا عزيمة التقدم، وما كان ينقص الرئيس بايدن ليصبح عالقاً في مضيق تايوان، دون خريطة طريق للخروج، إلا أوهام عجوز مثل نانسي بيلوسي تعيش نوستالجيا العنجهية الأميركية، تسابقه في أعراض الخرف المبكر، ليجد نفسه مضطراً لسماع الرئيس الصينيّ يتلو على مسامعه معادلة، “إن من يلعبون بالنار سيحرقون أنفسهم”، بحيث يبدو بايدن مضطراً للاستعانة بالجيش لأحد أمرين، إما لتوفير الحماية لزيارة بيلوسي والمخاطرة بحريق قد يخرج عن السيطرة، أو وهذا هو الأرجح لإقناع بيلوسي وإيجاد المخرج المشرف لها، تحت شعار الظروف الأمنية غير ملائمة للزيارة ويفضل تأجيلها والاستعاضة عنها بزيارة الأسطول الأميركي في المنطقة.