التوتر الصيني ـ الأميركي ورفع سقف المواجهة…
رنا جهاد العفيف
الاستفزازات الأميركية سياسة عدائية، متواربة بعد كّل فشل ذريع لها، لتنتقل كرة النار من أوكرانيا إلى بحر الصين، ليتصاعد الغضب الصيني بعد إعلان رئيسة مجلس النواب الأميركي عزمها زيارة تايوان، ومكالمات هاتفية مطوّلة المدة، بين بايدن شي جين بينغ، إذ لم تضع حداً للخلاف الأميركي والصيني بشأن تايوان، وتوجهات أميركية للاستعداء بكين بخرق واشنطن المتكرر لجوهر التزامها بمبدأ الصين، فهل جولة بيلوسي تخالف البنتاغون؟ وماذا عن رغبة واشنطن بالعملية العسكرية وهي أشبه هنا بالأزمة الأوكرانية، التي تعطي مؤشر دخول العالم إلى اصطفافات سياسية تؤسّس للتوازن الدولي الجديد؟ ناهيك عن التحذير الصيني لواشنطن بعدم اللعب بالنار في موضوع تايوان؟ وما أهداف الولايات المتحدة بدحرجة كرة النار لتطال شركاء الصين؟
مكالمة هاتفية مطولة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، بشأن تايوان، أعطت عمقاً في ظلّ توجه أميركا لاستعداء بكين، وهذا بالنسبة للصين خط أحمر، باعتبارها جزءاً من أراضيها، فالحديث في الآونة الأخيرة كثر حده عن الاستفزازات الأميركية المتعمدة طبعاً للصين، لرفع سقف المواجهة، منعاً لكبح صعود الاقتصاد الدولي لها، وباعتبار بنيت واشنطن استراتيجيتها على أساس التحدي مع الصين المنافسة لواشنطن، دفعت بنانسي بيلوسي لتحقق غاياتها التي لم تفلح بها زيارة بايدن للمنطقة، وهذا ربما سينتج عنه مناوءات ترفع من حدة التصعيد قد تؤثر على شركاء الصين كروسيا وإيران، لطالما اللعبة الأميركية تصبّ بإقرار زخم المواجهة مع طهران وموسكو في اتجاه محاصرة مشاريع الصين الدولية، ونظراً لحضورها الدولي، قد تشكل نظاماً اقتصادياً جديداً سوف يستبدل النظام الحالي، بما أنها تمتلك قدرات خارقة على تكفيف ردع سياسة الغرب وليس فقط واشنطن، وفق تحركات الصين سواء في مضيق تايوان او جنوب شرق آسيا حيث تستشعر واشنطن تهديد مصالحها هناك، ولعلّ التهديد أكبر سيطرة الصين على الممر البحري، وعلى الثروات البحرية وعلى هذا النحو تجرّ معها الولايات المتحدة وحلفاءها إلى شيطنة الصين، ليتنافس الحليفان جونسون في بريطانيا، وهذا يؤجّج التوتر قرب تايوان، وفقاً للبوارج الأميركية التي هي بمثابة رسائل تحذيرية بالمناورة مع دول الجوار الصيني، بينما واشنطن ستزوّد تايوان بالأسلحة، كما زوّدت أوكرانيا، وجعلت منها أداة ووسيلة لمحاربة روسيا، وهنا الأمر مشابه تحديداً في مسألة تزويد الأسلحة، وعلى ما يبدو ستلعب واشنطن ذات اللعبة ولكن هذه المرة على مستوى واسع النطاق، لتغضب بكين تجاه الأميركيين، وبالتالي الصين لها رسائلها بمناورتها العسكرية قبالة سواحل تايوان وتفعل الأخيرة الأمر ذاته استعداداً لأيّ عمل عسكري محتمل يرجح الأميركيون أنّ التوقيت تغيّر لكنه وارد مستقبلاً، وهذا له دلالات وخلفية تباعاً للأزمة الأوكرانية وما تلاها من فوضى، لذا تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز هجماتها على الصين، لكونها تمثل التهديد الأكبر لها، وهنا ستكون اللعبة على مستوى العالم برمته، ليس فقط الصين، وهنا يتطلب الأمر تعزيز المحور الصيني والروسي أكثر فأكثر.
ونظراً للأحداث، لا نرى توافقاً بين واشنطن وبكين إلا من زاوية نظر وضع جزيرة تايوان، فالصين واحدة لا تتجزأ بمضيق فاصل، وهذا ما أكده الصينيون، وبنبرة قوية من رئيسهم شي جين بينغ قال: من سيلعب بالنار في قضية تايوان سيحرق نفسه، والخطاب هنا موجه للرئيس الأميركي بايدن .
أما بخصوص جولة بيلوسي التي ستحمل الكثير من السلبية إلى بكين، قد تضع ثغرة بين الجانبين، وهذا من خلال رفض بايدن لأيّ تغيير أو تصرف، والقصد الأبعد ربما هو استعادة الصين الجزيرة، هذا ربما ما يجعل بيلوسي تخالف النصائح نوعاً ما، والسبب قد يعود ربما باستخفاف واشنطن بمناطق عديدة في العالم كالشرق الأوسط، تسعى اليوم لتعيد زمام عقدة الهيمنة لتخيّم على شرق آسيا كأولوية استراتيجية لها .
وبحسب التقديرات السياسية بالمواقف لكلا الطرفين، لا أعتقد أنهم خرجوا بمضمون، أيّ لم تحقق نقطة الاتصال الهاتفي نتيجة حتمية تحدّ من التأزم الحاصل، بالرغم من وجهة نظر أخرى، قد تكون مهمة لأنّ كليهما يمثلان قوى عسكرية عظمى، وهذا يتطلب مرونة، وذلك تفادياً للخطر الأكبر والذي يصل مداه لا قدر الله طبعاً إلى منحدر نووي قد لا يحمد عقباه، بما أنّ واشنطن تقود حملة التنسيق والتصعيد، وهذا سيناريو متكرّر أيام الحرب الباردة بين واشنطن والصين، حكماً إذا ما تطوّرت الأمور، وفقاً للعملية العسكرية التي ترغب بها والتي تعتقدها لماذا؟؟ لتضع الصين في مأزق ومن سيصطفّ حولها، ستفرز آنذاك عقوباتها الاقتصادية عليها، والسيناريو بمشهديته الإقليمية والدولية يتكرّر ولكن بغير صيغة، كما حصل في العملية الخاصة بأوكرانيا تماماً، لذا كان لتحذيرات الصين شأن كبير على وقع خلفية زيارة بيلوسي لتايوان، وكلّ المؤشرات هنا تقول بأنّ الولايات المتحدة ستفشل كما فشلت في أماكن أخرى، لأنّ اللعب مع «الذئاب المحاربة» بين قوسين الصين، ليس بالأمر السهل، خاصة إذا كانت المعركة تخص الدفاع عن سيادة ووحدة الصين، وفقاً للهجة الحادة بالدفاع عن مصالح بلادهم وبالتالي نحن أمام نقطة فارقة ومفصلية تاريخياً إذا دفعت الأمور باتجاه النزاع، وأيّ خطأ ترتكبه واشنطن مع الصين العالم سوف يمرّ بنقطة تحوّل كبير وسوداوية، نظراً لما نشهده من أزمات الأمس ليست كأزمات اليوم التي تشهدها المنطقة والإقليم…