الجدّيّة والسرعة أميركياً إسرائيلياً نحو الترسيم… ما الذي تغيّر؟
ناصر قنديل
– يحق لكل لبناني حر ومفعم بعنفوان الكرامة الوطنية أن يبتسم فخراً، وهو يسمع في نشرات الأخبار سؤال الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين للرؤساء عن إمكانياتهم تقديم ضمانات بعدم تعرّض «إسرائيل» لأي «اعتداء» على منصاتها النفطية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق، وأن يجيبه الرؤساء بأن لا ضمانات، بل إنه إذا استغرقت المفاوضات شهورا فلا ضمانات أيضاً، أما إذا تم التوصل الى اتفاق في غضون أيام أو اسابيع قليلة، وتقديم ضمانات لقيام الشركات العالمية بالتنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية، فيمكن عندها البحث بالأمر.
– صحيح أن الأزمات التي تعصف بسوق الطاقة العالمي على خلفية الحاجة الأوروبية الملحة لبديل عن الغاز الروسي، والاهتمام الأميركي بتأمين هذا البديل، والتطلع «الإسرائيلي» لتمثيل هذا البديل، عوامل حاسمة في السعي الأميركي والإسرائيلي لإظهار الجدية والسرعة في التعامل مع الملف التفاوضي مع لبنان، لكن السؤال هو ماذا لو لم يكن لدى لبنان القدرة على تهديد أمن الطاقة بالنسبة لكيان الاحتلال، هل كنّا سنشهد قدراً بسيطاً من الجدّية والسرعة بالقياس لما نشهده الآن، والجواب ليس منتظراً لا من وليد جنبلاط ولا من سمير جعجع، ولا من فلاسفة الحياد و»أصدقاء لبنان في العالم»، لأن هوكشتاين قدّم الجواب عنهم جميعاً بالسؤال الذي طلب جواباً عليه من الرؤساء؟
– في حوار هوكشتاين مع قناة أل بي سي يجيب عن موضوع امتناع شركة توتال عن التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية، أولاً أن أميركا لا علاقة لها، لأن توتال شركة عالميّة مستقلة، متجاهلاً أن أكبر الشركات العالمية المستقلة تقيم حساباً لمخاطر وقوعها تحت العقوبات الأميركيّة، فكيف بشركة تتداخل فيها حسابات المصالح الأوروبية الأميركية، والعقوبات كانت بين سطور كلمات هوكشتاين في السبب الذي فسّر عبره موقف توتال، معتبراً أن الشركات تنأى عن العمل والاستثمار في مناطق مشكوك بتوافر الأمن فيها، ويغيب اليقين القانونيّ عن حقوق العمل فيها، مستنتجاً أن التوصل الى اتفاق سيُنهي هذه المخاوف، لكنه لم يقل لنا لماذا هذا القلق الأمني والقانوني لم يبدأ بالسريان على الجانب الإسرائيلي إلا بعد تهديدات المقاومة، بحيث تحقق التوازن الذي كانت تفتقده المفاوضات خلال 11 سنة، فصارت الحاجة للأمن واليقين القانوني على الضفتين حاجة ملحّة؟
– في حوار هوكشتاين أيضاً كشف عن دوره في المفاوضات التي كانت استنزافاً لوقت لبنان أعوام 2014 و2015 و2016، بينما كان كيان الاحتلال يحفر وينقب ويستعدّ للاستخراج، والشركات العالمية تلتزم معادلة هوكشتاين حول لبنان، الاتفاق مع «إسرائيل» أولاً وإلا لا حفر ولا تنقيب، بينما يعرض هوكشتاين وسلفه وخلفه على لبنان حلولاً تفاوضية كان أفضلها خط هوف الذي يقتطع الحقول الغنية بالغاز من حصة لبنان، فيما يتذاكى علينا بالقول اليوم لو قمتم بالتوصل إلى اتفاق اليوم لكنتم في قلب السوق العالميّة، فلا تكرّروا العناد وإضاعة الفرص مجدداً كي لا نجلس عام 2027 نبحث الموضوع ذاته بلا طائل، وهو يضحك علينا، لأننا لو قبلنا بالمعروض سابقاً كنا نصطاد السمك في الحقول اللبنانية، بعدما تمّ ضمّ الحقول الغنية لحصة كيان الاحتلال.
– ثبات الرؤساء وتماسكهم عامل حاسم أيضاً في صناعة وضع تفاوضي متفوّق للبنان، فرض على الأميركي والإسرائيلي السرعة والجدية، لكن هذا التناسق والتماسك ما كان ليتحقق لو لم يشعر الرؤساء بعائدات الاستثمار على عامل القوة الذي مثله حضور المقاومة على خط التفاوض، وهم يرون هوكشتاين الساخر يتحوّل إلى هوكشتاين السائل، ويرون هوكشتاين الذي يخصنا بسفرة كل عام يتفقد حال الفقر والحاجة وانعكاسه على سقوفنا التفاوضيّة، يزورنا في الشهر مرتين ليسأل هل من ضمانات لعدم تعرّض مصالح «إسرائيل» في النفط والغاز للخطر إذا لم نتوصل الى اتفاق؟
– بالعصا وحدها صارت السلحفاة أرنباً وصار الذئب ابن آوى، وبالمقاومة وحدها لم نعد جزرة ولا دجاجة.