تداعيات كامب ديفيد وفلسطنة الصراع (4)
كتب حسين مرتضى
بعد أن مرّت القضية الفلسطينية بالنكبة والنكسة بدأت مرحلة جديدة من الصراع عنوانها سياسيّ يرتكز على توقيع اتفاقيات منفردة بين عدد من الأنظمة العربية وكيان الاحتلال الصهيوني تنفيذاً لأوامر الإدارة الأميركية.
في هذا الجزء سنتحدث عن محاولات تغيير ملامح القضية الفلسطينية وتحويلها من شأن سياسي عربي إلى شأن فلسطيني داخلي.
مصطلح فلسطنة الصراع تمّ الترويج له إعلامياً على نطاق واسع بهدف تغيير حقيقة الصراع، لتبدو القضية على أنها عبارة عن خلاف بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، ليصبح بذلك التنازل عن فلسطين يبدو كأنه تنازل فلسطيني وبأن لا أحد لديه الحق للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني إلا ممثلو السلطة.
المقولة التي يتداولها البعض بأنّ «فتح» هي مطلقة الرصاصة الأولى، هي مقولة خاطئة ومنافية للواقع، بل وتستهدف الذاكرة الفلسطينية والعربية لتمحو منها نضال شعب فلسطين لثلاثين عاماً في فترة الانتداب البريطاني، كما أنه تجاهل لقيادات ثورية معروفة.
وحول الدعم الخارجيّ لحركة فتح، علاقة فتح مع الدول العربية شكلت نقطة خلاف، حيث ركزت الحركة على علاقتها مع النظام السعوديّ الذي سمح لأنصار حركة فتح بجمع التبرّعات من السعوديين الأثرياء بشرط امتناعهم عن العمل التنظيمي السري، والإشراف على طريقة طباعة الكتيّبات السياسية وتوزيعها في المملكة ليتمّ تهجين الحركة وفق تعليمات الإدارة الأميركيّة.
كما قدّم النظام السعودي الدعم المادي لفتح للإسراع في العمل الفدائي لمجابهة الخطة المصرية لإقامة منظمة التحرير الفلسطينية التي دعا لها جمال عبد الناصر، وقامت السلطات السعودية بدعم الحركة لإبعادها عن سورية التي قدّمت الدعم الحقيقيّ لعدد كبير من فصائل المقاومة الفلسطينية.
ويؤكد عدد من المؤرّخين بأنّ المبادرات للصلح مع الكيان كانت مبادرات سعودية (بدءاً من قمة فاس 1981 ـ 1982 وصولاً إلى قمة بيروت عام 2002) وكان الهدف من دعم السعودية هو التركيز على فلسطنة الصراع مع العدو الصهيونيّ وانسحاب الدول العربيّة منه.
لقد شكّل توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين الحكومة المصرية وكيان الاحتلال الصهيونيّ نقطة تحوّل نحو تحويل الصراع إلى اتفاقيات سلام لا يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني، فكانت اتفاقية أوسلو عام 1993 ثم معاهدة وادي عربة عام 1994 وأعقب ذلك التراجع بروز قيادات فلسطينية مقاومة ورافضة لهذا الانقلاب الانهزاميّ.
إنّ اتفاق اوسلو كان اتفاقاً كارثياً وخيانة لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية حيث شكل اعترافاً بحق الكيان الصهيونيّ بـ %78 من مساحة فلسطين التي احتلها عام 1948 دون الحصول على شبر واحد من %22 الأخرى المحتلة عام 1967 ودون توقف الاستيطان، كما أنه لم ينص على عودة اللاجئين، ولم يتمسك بإطلاق سراح الأسرى، ولم يُتفق على حدود الدولة الفلسطينية.
رغم أنّ قادة منظمة التحرير اعتبروا أنّ إقرار اتفاقية أوسلو شكل نصراً للقضية الفلسطينية، اعتبر الصهاينة أنّ الاتفاقية أهمّ إنجاز لهم بتاريخ الصراع، باعتبارها كرّست منظمة التحرير بصفتها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وأحدثت انشقاقاً واسعاً في الرأي العام الفلسطيني وبين الفصائل والمنظمات الفلسطينية كما أنها سبب رئيسي بتوقف الانتفاضة الفلسطينية التي جذبت انتباه العالم وحولتها من انتفاضة مشروعة في وجه الاحتلال إلى كونها عصياناً مدنياً، بدلاً من تطويرها ودعمها لإرغام المحتل على الخروج.
وردّاً على الهزيمة واتفاقيّات الاستسلام قامت حركات المقاومة في فلسطين ولبنان خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية لتوضّح أنّ بضعة آلاف من المقاومين كحزب الله قادرون على إيقاف العدو عند حدوده، وبهدف إبعاد النظر عن العدو الصهيوني، وعن المقاومة المجيدة التي عرَّت أنظمة الاستسلام، بدأ التآمر على المقاومة من خلال خلق خلافات مذهبية وطائفية وهمية.