اليانكي في تايوان يخسر الرهان وسهامه ترتد عليه
محمد صادق الحسيني
على الرغم من سيل التصريحات والتحليلات والتعليقات والإدانات والانتقادات، المتعلقة بزيارة بيلوسي الى جزيرة فورموزا المنشقة عن الصين قبل يومين، فإنّ أياً منها لم تلقِ ما يكفي من الإضاءة على طبيعة هذه الزيارة وأهدافها وموقعها، في السياسة الأميركية العدوانية، خاصة منها السياسة الخارجية المتعلقة بالدول المناهضة للهيمنة الأميركية، التي تشهد عملية تآكل متسارعة.
فهذه الزيارة لم تأتِ من عدم، ولم تقم لها تلك السيدة العجوز بهدف السياحة، أو دعم الديموقراطية، كما ادّعت هي والإدارة الأميركية والبيت الأبيض، الذي نأى بنفسه عن الزيارة، بحجة انّ بيلوسي هي سيدة قرارها كونها رئيسة الكونغرس الأميركي، وإنما لها أسباب أخرى بعيدةً كلّ البعد عن الديموقراطية ودعمها والأخلاقيات والقيم الزِائفة التي تحدثت عنها بيلوسي وبيت رئيسها الأبيض.
إذ انّ هذه الزيارةقد تمت بعد ان استكملت الإدارة الأميركية، وبأوامر من رئيسها الديموقراطي بايدن، حشد ما يكفي من القوة العسكرية لشنّ عدوان أميركي متدرّج، ضدّ جمهورية الصين الشعبية، وذلك من خلال استفزاز القيادة الصينية واستدراجها الى ردّ فعل عسكري، تجاه جزيرة فورموزا الصينية المنشقة عن البر الصيني منذ عام ١٩٤٩.
ولا يحتاج المرء للتأكد من ذلك سوى الى مراجعة سريعة لتصريحات الرئيس الأميركي، المتعلقة بالصين، والخطوات العملية التي لا حصر لها، والتي سارعت عمليات الحشد الاستراتيجي، لا بل التحرّش الاستراتيجي بالصين، تمهيداً لمواجهة عسكرية معها، ولو بشكل محدود زماناً ومكاناً. ومن أهمّ الأدلة على ذلك هي الخطوات التالية:
1 ـ قيام البنتاغون الأميركي، بناءً على أوامر الرئيس الأميركي نفسه، بتعزيز التواجد الجوي والبحري، في بحار الصين وبحر اليابان ومضيق جزيرة فورموزا وفي المحيطين الهندي والهادئ، استكمالاً للحشد الاستراتيجي الأميركي ضدّ الصين الشعبية، وهي عمليات حشد استراتيجي يجري تنفيذها في إطار الحشد الاستراتيجي الأميركي ضدّ كلّ من الصين الشعبية وروسيا وإيران.
2 ـ رفع وتيرة التحرشات البحرية والجوية الأميركية الخطيرة، في مضيق جزيرة فورموزا على وجه الخصوص، بعد تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية مباشرة، وبناءً على خطط مسبقة، كان قد أفصح عنها خلال حملته الانتخابية، أيّ أنه بدأ تنفيذ تلك الخطط على وجه السرعة وعلى نطاق واسع، حيث شملت عمليات التحرّش كافة مسارح العمليات، المُشار إليها أعلاه.
ـ فعلى سبيل المثال لا الحصر بدأت القاذفات الاستراتيجية الأميركية، من طراز B – 2 Spirit، التابعة للجناح الجوي الأميركي 509، المتموضع في قاعدة وايت مان الأميركية بإجراء تدريبات جوية مكثفة، ترافقها مقاتلات أميركية من طراز F 16 وأخرى أسترالية من طراز F35، لتأمين الغطاء الجوي لتلك القاذفات الاستراتيجية.
علماً أنّ هذه التدريبات، التي كان بعضها يستغرق خمسين ساعة متواصلة، مع التزوّد بالوقود جواً واستبدال مقاتلات الغطاء الجوي طبعاً، حسب الأصول العملياتية. وقد بدأت هذه التدريبات بتاريخ ٢٣/٣/٢٠٢١، ايّ بعد حوالي شهرين من تولي بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة وبناء على أوامره لوزارة الدفاع الأميركية.
4 ـ كما أنّ عمليات التحرّش الجوي الاستراتيجي الأميركية قد تواصلت، بعد ذلك بأسابيع قليلة، حيث قامت قاذفات استراتيجية أميركية، من طراز B 1 -B Lancer، انطلاقاً من القاعدة الجوية الأميركية في جزيرة: دييغو غارسيا Diego Garcia، في المحيط الهندي، وبمرافقة مقاتلات استرالية، من طراز F 16 وأخرى من طراز F 18 وقد نفذت هذه القاذفات الاستراتيجية تحرشاتها ضدّ الصين الشعبية وقواتها المسلحة في كلّ من غرب المحيط الهندي وصولاً الى بحر الصين الجنوبي والبحر الأصفر وبحر الفلبين.
5 ـ في حين انّ عمليات التحرش، قبل زيارة بيلوسي، قد تواصلت بوتيرة عالية، حيث قامت قاذفتان من طراز : B 2 – Spirit، المنتشرة في قاعدة سلاح الجو الاسترالي: أمبيرلي Amberley، وبمراقبة تشكيل من المقاتلات الاسترالية، من طراز F 16 و F 18 Hornet بطيران تحليقي لعشرات الساعات، في أجواء مسرح العمليات البحري، المشار اليه أعلاه.
كما نفذت قاذفتان من نفس الطراز، وبتاريخ ١٢/٧/٢٠٢٢، عمليات تحرّش جوي شبيهة وفي نفس المناطق تقريباً، كما جاء في موضوع نشره موقع ذي درايف الأميركي المتخصص بالشؤون العسكرية بتاريخ ٣/٨/٢٠٢٢.
ومن الجدير بالذكر انّ سلاح الجو الأميركي، ومنذ تولي بايدن الرئاسة، قد نشر أربعة قاذفات استراتيجية وبشكل دائم، في القاعدة الجوية الاسترالية، المذكورة أعلاه، الى جانب القاذفات الأخرى في قاعدة دييغو غارسيا.
وهذه هي المرة الأولى، حسب ما جاء في مقال موقع ذي درايف، بقلم أوليڤر باركين Liverpool Parken، المذكور أعلاه، التي يقوم سلاح الجو الأميركي فيها بمثل هذه الطلعات الجوية التحررية وبالقاذفات الاستراتيجية وهي في وضع قتالي، اي محمّلة بالقنابل النووية، منذ خمسة عشر عاماً.
6 ـ إذن… فالحديث عن قرار بيلوسي المستقلّ وعدم جواز تدخل البيت الأبيض في ذلك ما هو إلا ذرّ للرماد في العيون، حيث انّ ما حصل قد تمّ كحلقة، في إطار حلقات خطة أميركية عدوانية محكمة، تستهدف الإيقاع بالصين او حتى استفزازها لتوجيه ضربات نووية لأهمّ المراكز الصناعية والعسكرية الصينية بهدف عرقلة التقدّم الاقتصادي الصناعي والعسكري الصيني.
وهذا يعني انّ الديموقراطية، التي تغنّت بحمايتها تلك العجوز بيلوسي، هي منهم براء. وما فشلهم في تغطية مخططاتهم العدوانية تجاه الصين، في هذه الحالة، إلا دليل على ذلك أكده كاتب المقال، المذكور أعلاه، بصور الأقمار الصناعية الملتقطة بتاريخ ١/٨/٢٠٢٢، والتي تظهر فيها القاذفات الاستراتيجية الأميركية في القاعدة الجوية الاسترالية، المذكورة سالفاً.
ومع ذلك كله فإنّ بكين أظهرت وعياً وحضوراً فاعلاً في مسرح العمليات الإعلامية والسياسية والعسكرية للزيارة الحمقاء وحوّلتها الى فرصة لها.
فهي لم تستفز وبالتالي لم تمنح الأميركي الفرصة ليستنزفها، بل حاصرت الزيارة حتى سخّفتها وجعلت العجوز الشمطاء تنزل تحت جنح الظلام وتهرب بسرعة في اليوم الثاني بعد ان كانت تريد البقاء للجمعة…
ومن ثم أطلقت مناوراتها في مضيق تايوان هي الأولى لها منذ ربع قرن فصارت سابقة تعزز سيادتها من الآن فصاعداً على الجزيرة.
ثم بدأت الحصار عليها من كلّ الجهات لمدة ٤ أيام، وقطعت الحبوب وجلّ الحاجيات التجارية عنها وهي التي تستورد ٤٠ في المائة من حاجياتها من الصين الشعبية، وهذا يعني في ما يعني إثارة غضب الراي العام لدى سكان الجزيرة ضدّ حكامها الانفصاليين وضرب مصداقيتهم وأهليتهم.
وبذلك تكون بكين قد قصّرت زمن استعادة فرموزا للوطن الأمّ، لتصبح أقرب من أيّ وقت مضى جزءاً من البرّ الصيني.
يقول المثل الصيني: لا تشقّ البطيخة قبل ان تنضج.
بعدنا طيبين قولوا الله…