الضفة الغربيّة تنتفض في تشييع النابلسيّ… ومطالبات بوقف التنسيق الأمنيّ بين السلطة والاحتلال / نصرالله للاسرائيليّين: اليد التي ستمتدّ لثرواتنا ستقطع… وأيّ اعتداء لن يبقى دون عقاب / عون يحرّك ملف عودة النازحين بالتنسيق مع سورية… وميقاتي يتفاعل إيجاباً مع هبة الفيول الإيرانيّ /
كتب المحرّر السياسيّ
تقترب أوروبا من لحظة الحقيقة التي فرضتها تحديات موارد الطاقة عليها، وبدأ صراخ وزرائها يعبر عن عمقها، بالحديث عن استبداد الجغرافيا واستحالة التمرد عليها، ومحدودية هامش الاستقلال الذي تملكه أوروبا عن روسيا، رغم محاولات استبدال الغاز الروسي بمصادر أخرى ثبت أنها لا تغطي أكثر من 40% من الاستهلاك الأوروبي من الغاز الروسي، إذا تم تأمينها جميعها، وهي تحتاج لثلاث سنوات لتصبح جاهزة، بينما اللجوء إلى خيار معاد للبيئة مثل العودة إلى الفحم الحجري أظهر الحاجة لاستيراد المزيد من كمياته من روسيا بسبب عدم كفاية الإنتاج الأوروبي لتغطية الحاجات الفعلية، فيما بدأت عمليات التمهيد لتقنين الكهرباء ووقف عدد من الصناعات، في ألمانيا وفرنسا، ووصل الصراخ الى بريطانيا التي كانت تزعم قدرتها على الاستقرار.
في المنطقة ترقّب لما سيحدث على المسار التفاوضي الخاص بالملف النووي الإيراني، مع تسارع الرسائل المتبادلة بين طهران وبروكسل في محاولة لرد الاعتبار لورقة مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل كأساس صالح للتفاهم، بعد توضيحات حملتها الرسائل التي تلقتها طهران.
أما في فلسطين التي لا زالت في واجهة الأحداث منذ بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة، وتصدّرت الأضواء مع النصر الذي فرضته المقاومة بإعادة تثبيت معادلة الردع بوجه جيش الاحتلال، رغم عامل المفاجأة بالاغتيالات التي استهدفت قادة سلاح الصواريخ في حركة الجهاد الإسلامي، ورغم ربط جيش الاحتلال لتحييد المنشآت المدنية والحكومية بتحييد حركة حماس عن المواجهة، وبقاء الجهاد وحدها في ميدان الرد على العدوان الإسرائيلي، وفوزها منفردة بفرض تثبيت معادلات الدرع، فقد تصدر الأحداث استشهاد قائد كتائب شهداء الأقصى في نابلس إبراهيم النابلسي، ورسالته المؤثرة التي أعلن فيها عزمه على الاستشهاد بعدما قامت قوات الاحتلال بتطويق مكان وجوده ومحاصرته، وجاء موقف والدة الشهيد النابلسي يشعل مشاعر الفلسطينيين برباطة جأشها وموقفها الداعم للمقاومة، ليتقدّم شعار وقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال مطالبات المشيّعين، وهو ما أكدته القيادات الفلسطينية الوطنية، باعتباره الرد الوحيد على حملات التنكيل والحصار والاغتيال والمداهمة التي تشهدها الضفة الغربية، تحت مظلة تعاون أجهزة الأمن الفلسطينية مع مخابرات جيش الاحتلال. حرب غزة ودروسها كانت موضع اهتمام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه في يوم العاشر من ذكرى عاشوراء، مؤكداً أن فلسطين ستبقى الهوية والقضية بالنسبة للمقاومة، وموجهاً الرسائل إلى الإسرائيليين حول ملف ترسيم الحدود البحرية، بلغة الوضوح الحاسم والقاطع، بقوله، إن اليد التي ستمتد الى ثوراتنا ستقطع، محذراً الإسرائيليين من أي خطأ في الحساب، كما ارتكبوا الخطأ في حرب غزة، قائلا أما حسابنا معكم فحساب آخر، محذراً من أي اعتداء لأنه لن يبقى دون عقاب.
لبنانياً، أعطى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اهتماماً خاصاً بملف عودة النازحين السوريين، بما بدا أنه محاولة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه وزير الخارجية، بعدما حل وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار مكانه في التحدث بعد الاجتماع، مشيراً الى أن التنسيق على اعلى المستويات مع سورية، وكان حضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم اشارة بهذا الاتجاه، بينما قالت مصادر رفيعة قريبة من رئاسة الحكومة إن الرئيس نجيب ميقاتي يتفاعل إيجاباً مع هبة الفيول الإيراني، التي كانت محور بحث تفصيلي بينه وبين السفير الإيراني مجتبى أماني قبل يومين.
وقال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه بختام المسيرة العاشورائيّة التي نظمها الحزب في الضاحية الجنوبية: «نحن سادة قرارنا وشعب واجهنا على مدى 40 عاماً الحصار والحروب والاغتيالات، وسنظل نتطلع إلى مستقبل واعد لشعب لبنان ونحن نتطلع إلى لبنان القوي الحر العزيز القادر على حماية سيادته وكرامته والقادر على استخراج ثروته الطبيعية، ونتطلع إلى لبنان القادر على منع أي يد أن تمتد إلى ثرواته الطبيعية كما عمل قطع أي يد حاولت أن تمتد إلى أرضه وقراه ومدنه».
وحذّر السيد نصرالله من أن «اليد التي ستمتدّ إلى أية ثروة من ثروات لبنان ستُقطع كما قطعت عندما امتدت إلى أرضه»، مشيرًا إلى أن «المطلوب من المسؤولين اللبنانيين أن يعيشوا مع آلام الناس»، داعيًا لتشكيل حكومة حقيقة كاملة الصلاحيات لتتحمل المسؤوليات إذا لم يتم الاستحقاق الرئاسي أو إذا تم.
وتوجّه للعدو الصهيونيّ بالقول: «تلقينا الرسائل المطلوبة في حرب غزة ورأينا صمود غزة ونحن في لبنان حسابنا معكم حساب آخر»، مؤكدًا أن «المقاومة اليوم أقوى من أي وقت مضى»، وتابع: «في الأيام القليلة الماضية سمعنا العديد من التصريحات والتهديدات تجاه لبنان… أما في لبنان فحسابنا معكم هو حساب آخر وخبرتونا وما حرب تموز ببعيدة لا تخطأوا مع لبنان ولا مع شعب لبنان». ولفت السيد نصرالله الى أننا «سمعنا أن الإسرائيليين يخططون لاغتيال قادة فلسطينيين وإذا حصل هذا الأمر في لبنان، أي اعتداء على أي إنسان في لبنان لن يبقى من دون عقاب ولن يبقى من دون ردّ»، مشددًا على أنه «على العدو أن يعرف من يقف في الجبهة المقابلة وأن في لبنان مقاومة أثبتت أنها تقهر الجيش الذي قيل إنه لا يُقهر، ونرفض أن تنهب ثرواتنا ونرفض أن تنتقص سيادتنا وأن تفرض علينا غير إرادتنا». وأضاف: «نحن في الأيام المقبلة ننتظر ما ستأتي به الأجوبة على طلبات الدولة اللبنانية، ولكن أقول لكم في عاشوراء يجب أن نكون جاهزين لكل الاحتمالات».
ولم يتأخر جواب المجاهدين على طلب السيد نصرالله عبر رسالة نصيّة، وزّعها الإعلام الحربيّ في المقاومة الإسلامية، أكدوا فيها «أننا جاهزون بكل ما أعددنا لهم من قوة؛ متوثّبون على الحدود، حدود السيادة وخطوط الكرامة براً وبحراً ومن حيث لا يحتسبون». وأضافوا: «نعرفك وتعرفنا يا سيدنا، ثابتون على الثّغور بالنّحور، سنحطّم مركبات نارهم، ونهشّم غرورهم، وندك أوكارهم وسنكتب للأحرار نصرنا الأكبر الذي ننتظره بشوق، وبوشم دمدم رصاصنا سنحفر للمحتلين المعتدين هزيمة الهزائم».
وفي انتظار عودة الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود عاموس هوكشتاين المتوقعة قبل نهاية الشهر الجاري الى بيروت، سُجل لقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائب رئيس المجلس الياس بوصعب في عين التينة. وتشير المعلومات إلى أن «هوكشتاين سمع ردًا من الرؤساء الثلاثة عون وبري وميقاتي مضمونه أننا لن نتنازل عن الخط 23 ولن نقاسم «إسرائيل» بالحقول، ولا حديث عن أي خط متعرج، والخط سيكون 23 بالإضافة إلى قانا مع ضمانة دولية للحفر والإنتاج.
ورجّحت مصادر في فريق المقاومة لـ «البناء» أن يلجأ العدو الإسرائيلي إلى المناورة والخداع من خلال تأجيل استخراج الغاز من كاريش الى ما بعد الانتخابات في الكيان للهروب من ردة فعل المقاومة التي يأخذ تهديد أمينها العام على محمل الجد». وتوقعت المصادر أن تذهب الأمور الى المواجهة العسكرية إذا تمادى العدو في المكابرة والمناورة بالتنكر للحقوق اللبنانية، مؤكدة بأن «حزب الله مستمرّ في مساره العسكريّ حتى تثبيت الحقوق السيادية اللبنانية على أرض الواقع من خلال ترسيم الحدود البحريّة، وفق ما يطالب به لبنان، وانتزاع ضمانات من الأميركيين باستخراج واستثمار الثروة النفطية والغازية اللبنانية بأسرع وقت». وكشفت المصادر عن قرار لدى فريق المقاومة بفك الحصار الأميركيّ الغربي الاقتصادي والمالي المفروض على لبنان من خلال رفع السطوة الخارجيّة على القرار اللبنانيّ وتحرير الثروة الغازية والنفطية المدفونة في باطن الأرض.
وعلّق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، على تحذيرات السيد نصرالله، في ملف ترسيم الحدود بالقول: «قلقون من هشاشة الوضع في تلك المنطقة، ونطلب أن يتجنّب أي شخص الخطابات التي تزيد من تأجيج الموقف»، وفق ما نقلت وكالة «الأناضول« التركية.
وأكد الرئيس عون خلال استقباله الدكتور انطوان شديد مع وفد من «التجمّع من أجل لبنان في فرنسا RPL»، أن لبنان متمسّك بحقوقه في مياهه وثرواته الطبيعية، وهو قطع شوطاً بعيداً في المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبيّة والتي ستستكمل من أجل التوصل الى اتفاق في شأنها برعاية الامم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة الاميركية.
وبالتوازي رأس رئيس الجمهورية اجتماعاً حضره وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار ومدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، خصص لاستكمال البحث في ملف عودتهم الى بلادهم، في ضوء الخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية لهذه الغاية. وتمّ خلال الاجتماع درس الملف من مختلف جوانبه لا سيما الإجراءات التي ستعتمد لتنفيذ خطة العودة على مراحل.
وفي هذا الإطار علمت «البناء» أن الحكومة السورية أبلغت المعنيين بالدولة اللبنانية استعدادها للتعاون مع السلطات اللبنانية لإعادة النازحين السوريين مع ضرورة التنسيق على مستوى الحكومتين والدولتين والوزارات والأجهزة المعنية نظراً لضخامة الملف وجوانبه المتعددة والمعقدة، إلا أن مصدراً سياسياً أشار لـ»البناء» الى أن الجهود الداخلية والتأكيدات السورية غير كافية ولن تنجح وحدها بحل أزمة النزوح المستمرة منذ عقد كامل، بسبب غياب القرار الخارجي الأميركي – الأوروبي – الخليجي لإعادتهم الى سورية للاستمرار باستخدامهم كورقة ضغط وابتزاز أمنية وسياسية واقتصادية ضد لبنان وسورية بالتوازي مع قانون العقوبات قيصر المفروض على سورية والذي يصيب لبنان أيضاً بتداعيات وشظايا كبيرة. ويكشف المصدر أن القرار الغربي لن يعيد النازحين الآن الى سورية في ظل انشغاله بأزماته الحالية، فضلاً عن أنه يربط عودتهم بالحل السياسي في سورية وبالتالي الإبقاء على ورقة النازحين بيده لتعزيز موقفه في أية تسوية مقبلة في المنطقة مع روسيا وإيران وسورية.
وشدّد رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» طلال أرسلان، على أنّ تصريح الوزير بو حبيب مرفوض ومستنكَر، وكلّ من يتحدّث عن عرقلة أو رفض من الدولة السورية لعودة النازحين يضلّل الناس. وأوضح، «أنّنا مَن نسّق هذا الملف ومَن أعدّ خطّة العودة في ثلاث حكومات متعاقبة، والعرقلة الأولى هي من الدّاخل اللّبناني، يليها رفض المجتمع الدولي والدول المانحة؛ أوقفوا الكذب».
في غضون ذلك، باتت مسألة تأليف الحكومة مُغيّبة بالكامل عن اهتمامات المسؤولين، لصالح فتح معركة رئاسة الجمهورية في وقت مبكر على الرغم من أننا لم ندخل في المهلة الدستورية المحددة للانتخاب في الأول من أيلول المقبل، وترجّح مصادر مطلعة لـ»البناء» فرضية الفراغ في رئاسة الجمهورية في ظل التباعد بين رؤى وتوجّهات وأهداف اللاعبين السياسيين، وغموض المشهدين الإقليمي والدولي، ودخول عوامل واعتبارات جديدة ستعقد المشهد، وما الاشتباك السياسي على جبهة «التيار» والقصر الحكومي إلا انعكاس للأزمة السياسية التي ستتفاقم في الأيام المقبلة إذا لم تحصل تسوية خارجية تحتوي الانفجار المقبل. مشيرة الى أن لا انتخاب رئيس من دون تسوية داخلية – خارجية تمهد لمرحلة جديدة في البلاد.
وتتّهم أوساط التيار الوطني الحر الرئيس ميقاتي بأنه لا يريد تأليف الحكومة لغياب القرار الخارجيّ باستيلاد حكومة جديدة في العهد الحالي، موضحة أن ميقاتي شكل الحكومة الحالية خلال شهر ونصف عندما كانت الظروف الداخلية والخارجية مؤاتية، لكنه يتلقى «وشوشات» داخلية وخارجية اليوم توحي له بأن يبقى رئيس حكومة مكلفاً لتسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية وعدم منح عون والنائب جبران باسيل أي هدية أو قوة دفع تؤدي الى تعويم العهد الحالي. وأشارت الأوساط لـ»البناء» إلى أن «الحكومة الحالية لم تأخذ ثقة المجلس النيابي الحالي وبالتالي لا صلاحيات لها بعد 31 تشرين أكثر من النطاق الضيق لتصريف الأعمال، ولو كانت مثل حكومة الرئيس تمام سلام في عهد الرئيس ميشال سليمان يمكنها أخذ مكان ودور رئيس الجمهورية وفق الدستور، لكن الحكومة الحالية لا تستطيع ذلك». إلا أن الأوساط تؤكد بأن «الرئيس عون سيسعى إلى انتقال سلس للسلطة من خلال تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية، كما أن التيار الوطني الحر سيلبي أية دعوة من الرئيس بري الى جلسة لانتخاب الرئيس وسيكون التيار أول المشاركين، وبالتالي أية عرقلة ستكون من الآخرين». ويضيف أن «صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل الى حكومة أصيلة وليس إلى تصريف أعمال، وبالتالي ميقاتي سيكون مكبلاً بعد 31 تشرين المقبل».
أجواء رئيس الحكومة المكلف قرأت عبر «البناء» في الحملة الإعلامية والسياسية التي يقودها «التيار» ضد ميقاتي والاجتهادات الدستورية التي تسوق للطعن بشرعية حكومة تصريف الأعمال بعد الفراغ الرئاسي، على أنها «مقدمة لإرباك البلد وخلق مبررات وذرائع لإبقاء الرئيس عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته». وتتهم التيار الوطني الحر بتعطيل تشكيل الحكومة، والتلطي خلف رئيس الجمهورية لفرض شروطه.