دمشق وتراتبية المشهد السياسي في الإقليم… عناوين استقرار
د. حسن مرهج
بات واضحاً أنّ جملة التطورات السورية، قد أفرزت نتائج لم تكن في حسبان المناهضين للدولة السورية، وبناء على ذلك، فقد عاد دور الرئيس السوري د. بشار الأسد على الصعيدين الإقليمي والدولي، إلى البروز مجدداً، في وقت تبنّت قوى مناهضة للأسد، وفي الفترة الحرجة من النزاع السوري، مواقف مناهضة له، واليوم ينظرون الآن إلى دمشق أكثر فأكثر كمفتاح لإعادة تجميع المنطقة المتمزقة، وهذا يؤكد بأنّ سورية باتت اليوم مطلوبة إقليمياً ودولياً، وأصبحت نقطة مركزية في الخطط الرامية إلى استعادة الاستقرار في فترة ما بعد الربيع العربي.
في جانب آخر، فإنّ الإمارات والسعودية خلال الأشهر الـ12 الماضية، أوفدتا مسؤولين إلى دمشق لعقد اجتماعات مع قادة الأجهزة الاستخبارية، وكانت هناك تحركات أيضاً من مصر وقطر في هذا الاتجاه، بيننا ناشد الأردن الولايات المتحدة المساعدة في استعادة وحدة سورية، في هذا الإطار، فإنّ العاهل الأردني عبدالله الثاني، خلال زيارته إلى واشنطن في وقت سابق، أكد للكونغرس ضرورة استئناف التواصل مع الرئيس الأسد، وطرح خطة تقضي على ما يبدو بإعادة منح عمّان دور الوسيط بين إدارة الرئيس جو بايدن ودمشق، وتبع ذلك خطوة أميركية باتجاه دمشق، عبر طرح خطة لتصدير الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسورية.
في ذات السياق، فإنّ اندفاعة الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع الدولة السورية، تستند إلى فرضية واقعية تتمحور حول انتصار سورية، وأنه من الضروري إعادة العلاقات مع دمشق، وعلى الإدارة الأميركية أن تفهم هذه الحقيقة، وتقوم بتعديل سياساتها تجاه سورية، وهذا فعلاً ما تمّ تسريبه خلال قمة جدة الأخيرة، لجهة ضرورة التواصل مع القيادة السورية، وتجاهل الرغبات الأميركية، فقد بات يقيناً أنّ دمشق ستكون نقطة ارتكاز إقليمي، مع دورها الضامن لاستقرار عموم المنطقة، وتحديداً في العراق ولبنان، وصولاً إلى اليمن.
وفي هذا الصدد، هناك دور للديناميكيات الأخرى في المنطقة. على سبيل المثال، ترى الإمارات في التنسيق مع دمشق، ثقلاً موازناً ضرورياً تجاه ما تعتبر أنها أعمال معادية من قبل تركيا وسياساتها المهدّدة للاستقرار العربي، وأيضاً ثمة مساعي جدية لإعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، وبصرف النظر عن رفض بعض الأنظمة لعودة دمشق، لكن تلك الأنظمة الرافضة، تقوم بالتنسيق مع دمشق سياسياً وأمنياً، وحتى اقتصادياً، لتشكل قناعة راسخة لديها، بأنّ دمشق لا تزال تشكل عمقاً عربياً داعماً لجلّ التطلعات والتوجهات العربية.
تراتبية المشهد السياسي في الإقليم، تؤكد بأنّ واشنطن لم تعد شريكاً موثوقاً، ونظراً لهذه الرؤية، فإنّ غالبية القوى الإقليمية، وجدت في العودة إلى دمشق سراً وجهراً، مخرجاً من حالة التشتت التي تصيب المشهد العربي، وبالتالي فإنّ التنسيق مع دمشق، سيكون بلا ريب عنواناً للاستقرار بعيد المدى، لا سيما أنّ دمشق أثبتت وبالقطع، قدرتها على تجاوز أيّ إشكالية مع محيطها الإقليمي، وعليه، فإنّ دمشق باتت مطلباً إقليمياً وعربياً، بهدف تأمين مسبّبات الاستقرار، وانعكاس ذلك على كلّ دول المنطقة.
ختاماً، لا شك بأنّ دمشق تدرك أهمية موقعها الجيواستراتيجي، وتدرك أيضاً بأنّ رغبات بعض الدول العربية، ترتكز في إطار محاولة إضعاف النفوذ التركي وضمناً الإيراني، وبالتالي، تدرك دمشق أهمية إيجاد تموضع استراتيجي، يبقي العلاقة مع إيران في أوْج تألقها، على الرغم من المحاولات الكثيرة التي تصبّ في بوتقة إحداث شرخ في العلاقة السورية الإيرانية، وفي جانب موازٍ، فإنّ دمشق ترغب أيضاً وعبر التضامن العربي معها، من وضع حدّ للسياسات التركية في سورية وعموم المنطقة، وبين هذا وذاك، فإنّ القيادة السورية، تدرك ضرورة السير في اتجاهين، والمواءمة بين مصالح دمشق، ومصالح حلفاء الدولة السورية.
إذ لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ الدولة السورية، تمكّنت من ضبط كافة المعادلات الإقليمية والدولية، واستثمار ذلك في جذب كافة القوى الإقليمية والدولية إلى دمشق، وعليه، فإنّ سورية الموقع والدور، هي حقيقةً صمام أمان الأمن القومي العربي، بل والدولي أيضاً.