أربعينية حزب الله: العين التي فقأت المخرز وأسقطت مشروع «إسرائيل الكبرى»
خضر رسلان
مثّل ما عُرف بنكسة حزيران 1967 عاملاً مؤثراً في التاريخ العربي لجهة تأسيسها لصدمة تاريخية ثقافية جذرت مفاهيم أراد الصهاينة حفرها في الوجدان العربي سواء لدى الجماهير أو عند النخب، وهي تثبيت مقولة إنّ الجيش “الإسرائيلي” لا يُقهر وانّ العجز العربي يتعدّى الإخفاقات العسكرية والسياسية الى شيوع حالات إحباط جماعي نتج عنها ما يُعرف بالنخب المهزومة التي أخذت تبتدع مفردات تروّج لـ «ثقافة الهزيمة» التي تبرّر القبول بالكيان “الإسرائيلي” كـ “واقع طبيعي” في المنطقة، وعزز هذا المناح توقيع مصر إحدى دول الطوق اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وخروجها من الصراع مع العدو “الإسرائيلي” وهذا ما زاد من وتيرة الإحباط الثقافي لدى الكثير من الشرائح على مختلف أنواعها.
وفي ظلّ سيادة ثقافات متعددة ذات طابع سلبي في البيئة العربية من ثقافة الهزيمة والإحباط والضياع الى بروز دور المال الذي أسّس لنشوء نخب تروّج لمفهوم التبعية والانقياد للسياسة الغربية… في هذه الاجواء حدث زلزال انتصار الثورة الإسلامية في إيران الذي أعاد رسم المشهد من جديد مدخلاً مفاهيم جذرية ذات أبعاد ثقافية نهضوية ثورية وجدت فيها المجتمعات العربية المقاومة ضالتها ومحط آمالها.
وفي إطار السياسة التوسعية “الإسرائيلية” المبنية على ثقافة الاستهزاء بالمقدرات العربية اجتاح جيش الاحتلال الصهيوني لبنان في بداية حزيران عام 1982 مطلقاً على العملية اسماً مضللاً بحسب صحيفة “هآرتس” وهو “سلامة الجليل”، بينما الصحيح بحسب الصحيفة العبرية انّ وزير الحرب في حينه، اريئيل شارون، الذي خطط لاجتياح بيروت، إنما يهدف الى تنصيب سلطة “مريحة” للكيان الصهيوني في لبنان مستفيداّ من ثقافة التيئيس والهزيمة التي أصابت الشارع العربي بشكل عام وجزء كبير من الشعب اللبناني بحيث أصبح حديث المقاومة والصمود والقيام مخالفاً لثقافة الهزيمة التي تبنّاها أغلب النخب والقوى السياسية وذلك تحت عنوان العين لا تقاوم المخرز، ولا ترموا بأنفسكم في التهلكة.
في ظلّ هذه الأجواء ومع بزوغ فجر الثورة الإسلامية في إيران انطلقت مقاومة حزب الله الذي استند على الموروث الثقافي الحسيني كأساس أول في حركته الجهادية وعلى المدرسة الخمينية الثائرة المنتصرة على الطاغوت كمثال وقدوة انطلق في قيامه مرتكزاً على قواعد فكرية عقائدية قرآنية وإنسانية أنتجت مع التراكم ثقافة مضادة لثقافة الهزيمة هي ثقافة الانتصار .
يمكن اختصار العناوين الجهادية لأربعينية حزب الله بالنالي:
1 ـ اجتياح 1982 حتى اندحار عام 2000
مع الأيام الأولى للاجتياح “الإسرائيلي” ومع شيوع ثقافة التيئيس والهزيمة وانّ العين لا تقاتل المخرز كانت ثقافة المقاومة الإيمانية التي تقول كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، مقرونة بشحذ الهمم وإعداد المقدمات الضرورية للمواجهة.
بدأت تجربة المقاومة في سياق مواجهة شاملة مع الاحتلال “الإسرائيلي” مسبوقة بأخذها الغطاء الشرعي من قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني الراحل برؤية واضحة المعالم للهدف من القتال بواسطة أساليب إبداعية أهّلتها لتشكيل مدرسة جديدة في المقاومة واءمت بين تجارب من سبقها ومدعومة بمهارات ذاتية حكم أداءها منذ انطلاقتها قادها الى إنجاز التحرير في العام 2000 والذي كان حدثاً مفصلياً ويمكن إيجاز أسبابه ونتائجه بالتالي:
أ ـ دور الغطاء الشرعي الذي أسّس لإطلاق سلسلة من العمليات الاستشهادية وأبرزها عملية فاتح عهد الاستشهاديين أحمد قصير وهو سلوك ثقافي متميّز يبرز دور الولي الفقيه الجامع للشرائط التي منها الشجاعة والإحاطة بأمور الزمان والمكان.
ب ـ الدور القيادي للشهيد الشيخ راغب حرب والذي أسّس من خلال مقولته الخالدة الموقف سلاح والمصافحة اعتراف منهاجاً تربوياً ثقافياً مقاوماً كسر حلم العدو في التطبيع مع الشعب الجنوبي.
ج ـ دخول المقاومين الى المناطق المحررة بكلّ سلاسة ودون إراقة دماء وهو مثل أنموذجاً حضارياً يُحتذى.
د ـ العنوان الأبرز للاندحار الصهيوني عن لبنان هو محو ثقافة الهزيمة التي كانت سائدة وانّ جيشها ليس فقط يُقهر بل انها ايّ “إسرائيل” أوهن من بيت العنكبوت.
2 ـ انتصار تموز 2006
استطاعت المقاومة في حرب تموز أن “تثبت قواعد اشتباك تحمي لبنان من خلال توازن الردع، وان تفشل مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي كانت تديره الولايات المتحدة والذي كان يُراد له إنهاء أيّ دور للمقاومة في المنطقة وإجراء تغييرات ديمغرافية مترافقة مع إنهاء لقضية الفلسطينية.
انّ نتائج حرب تموز كانت استراتيجية وثقافية في معركة “الإرادة والعزيمة”، وفي الوقت الذي أظهرت فيه المقاومة قدرتها وقوة شكيمتها ظهر بشكل واضح “مستوى الوهن والترهّل” في قيادة “إسرائيل” ومنظوماتها العسكرية والأمنية.
وأبرز عنوان لانتصار تموز وما حققته المقاومة ما قاله الأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصر الله في خطاب «النصر الإلهي» في 22-9-2006 “زمن الهزائم قد ولى وجاء زمن الانتصارات”.
3 ـ المقاومة في الأربعينية حامية الكيان اللبناني
تحت عنوان مقاومة تحمي وطناً استطاع حزب الله وفي سياق المعادلة الذهبية جيش شعب ومقاومة إسقاط المشروع التكفيري الذي أرادته أميركا ان يكون بديلاً لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي سقط في تموز 2006 والذي كان يهدف الى إلغاء الكيانات الوطنية ومنها لبنان وبذلك ثبتت بحق انّ المقاومة حامية للكيان اللبناني.
مسيرة أربعينية جهادية راكمت خبراتها وقدراتها مستندة على الاتكال على الله أولاً ومن ثم الأخذ بأسباب صنع القوة والاقتدار حتى أصبحت عاملاً حاسماً وقوة إقليمية مؤثرة صاحبة مدرسة قتالية تدرس في أبرز المعاهد العسكرية في العالم تحمي لبنان من اعتداءات الصهاينة وتحافظ على ثرواته الوطنية بكلّ قوة واقتدار.
في الأربعينية العين التي أراد المخرز ان يفقأها استطاعت هزيمته بل ان تصبح عيناً ساهرة تحمي سياج الوطن، وانّ الكيان الذي كان له جيش لا يُقهر أصبح يعيش خلف الجدر وكيانه بات مؤقتاً بعد إسقاط أحلامه المزعومة عن دولة من الفرات الى النيل.