لمَ ضدّ العدوان السعودي على اليمن؟
د. إبراهيم علوش
مع تحول القصف السعودي والحليف للمناطق اليمنية المختلفة إلى حدثٍ يوميٍ مألوف، ويا للأسف، في وسائل الإعلام، تماماً مثل عمليات العصابات التكفيرية وتفجيراتها في أكثر من قُطر عربي، يتعرض المواطن العربي لقصف من نوع آخر، إعلامي، يصور ما يجري من عدوانٍ على اليمن والمنطقة كصراع طائفي سني-شيعي في معظم الأحيان، أو كصراع عربي-فارسي أحياناً، مع أن محاولة حكام السعودية زج تركيا وباكستان في معركة اليمن ينم عن أجندة طائفية أكثر مما ينم عن أجندة عربية حتى بالمعيار الشكلي. فالعدوان على اليمن يُشن بالاستناد إلى أجندة طائفية صرف، يمنياً وإقليمياً.
لكن تحويل معركة اليمن إلى معركة ذات طابع طائفي، إذا نجح، ستكون له ارتدادات في المشرق العربي كلّه، ولن يقف عند حدود اليمن، إذ لا مناص من انسياح التأثيرات الطائفية للدول المجاورة لليمن بالأخص، تماماً مثلما انساحت ارتدادات التحريض الطائفي المسعور عبر أقطار الهلال الخصيب في جميع الاتجاهات. العبرة أن فتح معركة على أسس طائفية في اليمن يهدد بفرط عقد سائر دول الخليج العربي، وفي مقدمها السعودية نفسها، فكأن من دفع السعودية إلى شن العدوان على اليمن أراد أن يبدأ مرحلة تفكيك السعودية نفسها!
لذلك من المهم اليوم، حرصاً على وحدة اليمن، وأقطار الجزيرة العربية كلها، أن نحدد طبيعة المعركة الجارية اليوم بعلى نحو صحيح، بعيداً عن المنظار الطائفي الذي لا يمكن إنكار وجوده الكريه على مستوى الشارع، كأداة سياسية جرى تعميمها شعبياً لإعادة خلط الأوراق من قبل جهات مختلفة إقليمية ودولية، في سياق تهميش التناقض مع الإمبريالية والصهيونية، وفي سياق صراع نفوذ جغرافي-سياسي تمثل تركيا والسعودية وإيران بعض أطرافه.
يقيم العدوان على اليمن من زاوية الأطراف المشاركة فيه، ومن زاوية أهدافه، وآثاره. نلاحظ من الناحية الأولى أن أعتى قوة رجعية في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، وهي حكام آل سعود، هم حجر الزاوية في العدوان على دولة عربية تقع في الفئات الدنيا من معايير التنمية البشرية. فما يحصل الآن هو تدمير منهجي للبنية التحتية في اليمن الفقيرة، وعدوان غاشم يدفع ثمنه اليمنيون نساءً ورجالاً وأطفالاً وشيوخاً.
يعكس ذلك العدوان، في ما يعكس، حقداً تاريخياً على اليمن التي تمتلك الإمكانات وحدها على منازعة حكام الحجاز على قيادة الجزيرة العربية، خاصة أن السعودية تسيطر على أراضٍ يمنية واسعة في محافظتي نجران وجيزان، وكانت اليمن ساحةً ساخنة للحرب الباردة العربية في الستينيات بين مصر الناصرية وحكام آل سعود، إذ مثلت مصر آنذاك مشروع الوحدة والتحرير والنهضة، ومثل حكام آل سعود، ولا يزالون، مشروع التبعية للخارج ومأسسة الرجعية في عموم الوطن العربي، ما يجعل التدخل المصري الناصري في اليمن في الستينات مختلفاً من الناحية النوعية عن التدخل السعودي وحلفائه في اليمن اليوم. ففي سياق صراع المشروعين، وقف آل سعود دوماً على رأس معسكر الرجعية العربية، في مواجهة كل حالة قومية تحرّرية في الوطن العربي وغيره، فلا يحق لهم إذن أن يزعموا الدفاع عن العرب والعروبة أو عن المشروع العربي.
على العكس، يؤدي الهجوم على اليمن تحت يافطة عربية لدفع اليمنيين دفعاً إلى التخلّي عن العروبة، وإلى الوقوع في حضن إيران، إذا كان هذا ما يقلقهم، تماماً مثلما فعلوا عندما شاركوا في العدوان على العراق، ومن ثم على سورية. ولو افترضنا جدلاً أن كل ما يقوله معسكر البترودولار عن المشروع الإيراني صحيح، فإن السؤال يبقى: هل نقاط التقاطع مع المشروع الأميركي أو الصهيوني أو التركي أكبر من نقاط التقاطع مع المشروع الإيراني لهذه الدرجة حتى يعقد ارباب البترودولار تحالفاً إقليمياً-عالمياً ضده؟! وإذا كانت المشكلة مع إيران، لِمَ تدمير اليمن؟! ولِمَ لا يحصل الهجوم على جزر طنب الكبرى والصغرى وأبي موسى مباشرة؟!
المشكلة الأخرى أن جعل «الحرب على إيران» الأولوية الأولى في السياسة الرسمية العربية يتم فحسب على حساب «الحرب على الإرهاب»، فالمستفيد الأول من انزياح أولويتها وتراجعها إلى الوراء هم الإرهابيون التكفيريون أنفسهم الذين راحوا يهللون ويباركون العدوان على اليمن، وهذا يمثل بحد ذاته إشكالاً لأطراف التحالف في العدوان على اليمن، ويحمل في طياته إمكان انفراطه، فمصر مثلاً تعتبر مواجهة الإرهاب التكفيري أولوية أولى لا ثانية، فإلى أي مدى يمكن أن يستمر التحالف الرسمي العربي ضد اليمن وأن يحافظ على تماسكه في ظل مثل هذه الشروط؟
من البديهي أن العدوان السعودي على اليمن، إن تكرّس نموذجه، سوف يدفع حكام الحجاز إلى تكرار تجربته في سورية أو غيرها، وإلى تحقيق أهداف السياسة العربية للسعودية عسكرياً، ولن يعجز حكام الحجاز عن إعادة تدوير الحجج المعروضة لتبرير العدوان على اليمن في السياق السوري، ولذلك من المهم جداً أن يهزم هذا التحالف العدواني، وأن يُدحر على أرض اليمن، وأن يقدّم كل دعم ممكن إلى اليمنيين الذين يواجهونه.
نضيف أنه ليس من السليم التركيز على الحوثيين وحدهم كطرف مقابل للعدوان السعودي، متجاهلين دور القوات المسلحة اليمنية الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي يمارس نفوذا ودوراً عابراً للطوائف، فمن المهم التأكيد أن الذين يواجهون العدوان ليسوا الحوثيين وحدهم، بل جميع اليمنيين شعباً وجيشاً.
بالمعيار نفسه، لا بد من التركيز على الطرف الرئيسي في العدوان وهو حكام الحجاز، فالتركيز على آخرين من الذين يلعبون دوراً ثانوياً أو أقل أهمية في العدوان، يشتت البوصلة، ويضيع الحلقة الرئيسية في المعركة، مع إدانة كل مشاركة رسمية عربية أو غير عربية في العدوان.
يجب التأكيد على أن لا حل غير الحل السياسي في اليمن، وأن هذا الحل يصنعه اليمنيون أنفسهم بعيداً عن التدخل الخارجي.