لا «عناقيد غضب» ولا «عاصفة حزم» تكسر إرادة المقاومة
سعد الله الخليل
حين يشكك ستيفن سيش سفير أميركا السابق في اليمن بقدرة الضربات السعودية على تحقيق أهدافها بالضغط على الحوثيين لقبول الجلوس على مائدة التفاوض وفق الشروط السعودية الأميركية، فإنه لا ينطلق من فراغ، ولا من قاعدة التغريد خارج سرب بلاده، بل من رؤية العارف لتفاصيل المشهد اليمني وحقائق الأمور على الأرض التي عمل عليها سفيراً لواشنطن، والتي يعلم سفراؤها كل التفاصيل الدقيقة عن البلدان التي يعملون فيها، ومكامن القوة والضعف فيها أكثر مما يعلمه السواد الأعظم من أبناء تلك الدول!
سيش الذي ذَكّر بحرب السعودية ضدّ الحوثيين عام 2009 ونتائجها الفاشلة في التقدم، يدرك تماماً حذر آل سعود قبل البدء بعملية برية، ويعلن أنّ إشاعة هذه الأنباء لخلق أجواء ضاغطة نفسياً على الحوثيين وعلى الشارع اليمني الرافض للخطوة بسواده الأعظم رغم الانقسام العلني في المشهد السياسي اليمني.
عادة ما يمتلك المسؤولون الأميركيون جرأة التعبير عن الحقيقة بعد تركهم مناصبهم والتخلي عن ضغوط إداراتهم السياسية ومشاريعها حول العالم، جرأة ودقة في التحليل ربما دفعت سيش إلى القول إنّ سقوط خسائر بشرية مدنية ستعطي نتائج عكسية ضدّ السعودية والدول العربية التي حوّلت اليمن إلى ساحة لإرسال رسائل إلى إيران وكذلك إلى الولايات المتحدة، وربما هذا الكلام يفسّر حقيقة الاستنفار الأميركي الداعم للغارات السعودية على الأراضي اليمنية وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري لـ«عاصفة حزم» آل سعود.
بعد أسبوع من الغارات التي تشارك فيها دول لها ثقلها في المجال العسكري، وبتنسيق استخباري عالي المستوى بإشراف أميركي ترافقه آلة دعائية وإعلامية كبيرة لصناعة رأي عام مناصر للحملة، فإنه من المفترض أن تنعكس على الأرض تحجيماً للحوثيين وتراجعاً على صعيد الدعم الشعبي وضياعاً في الخطط والاستراتيجيات لتحوّل العمل الحوثي لحراك بلا مرجعية جرّاء ضربه مراكز القوة والقيادات، كما تروّج له القنوات السعودية والتي تدور في فلكها قنوات لطالما امتازت بالمهنية والحيادية ولعلّ المشهد السوري خير دليل.
ولأنّ» حساب السرايا يختلف عن حساب الكرايا» فقد أتت الوقائع بعكس التوقعات، تقدّمٌ حوثي في الضالع وشبوة ولحج وعدن دفع بالسعودية إلى استخدام زوارقها العسكرية لضرب المدينة بعدما فشل القصف الجوي بمنع التقدّم، وإسقاط المضادات الجوية ثلاث طائرات رغم أنّ بيانات وزارة الدفاع السعودية أكدت تدمير تلك القوة منذ اليوم الأول فكيف سقطت تلك الطائرات؟ سؤال يكشف حقيقة التصريحات السعودية.
وفي الحديث عن التصريحات لا بدّ من التوقف عند كلام العميد أحمد عسيري المتحدث باسم عملية «عاصفة الحزم» بأنه لا مكان آمن للحوثيين في اليمن، كلامٌ فسّرته المجازر السعودية وأسقط استهداف المدنيين التذاكي بالعبارات والتبجّح باستخدام أسلحة ذكية أعادت إلى الذاكرة المجازر التي أوقعتها أسلحة العدو «الإسرائيلي» «الذكية» خلال العدوان على جنوب لبنان، ولعلّ التاريخ يعيد ذاته فاستهداف آل سعود لمخيم النازحين في «المزرق» شمالي اليمن يعيد إلى الذاكرة القذائف «الذكية» التي أطلقتها المدفعية «الإسرائيلية» على مخيم الأمم المتحدة في قانا إبان عملية عناقيد الغضب على جنوب لبنان عام 1996 ومجزرة قانا حين أعاد طيران العدو الكرّة في تموز 2006 حين وضع العدو «الإسرائيلي» في الأيام الأولى نصب عينيه أهدافاً كبرى بسحق المقاومة والقضاء عليها فكان الردّ بمعادلات ما بعد بعد حيفا، فهل تَرسم تطورات عاصفة حزم آل سعود معادلات جديدة بما بعد بعد جيزان ونجران وعسير؟ وتَرسم الرياض بعاصفة حزمها حدود قوتها وتكتب تاريخ انهيار تفوّقها المنهار أصلاً، كما كتب عدوان 2006 تاريخ انتهاء صلاحية جيش العدو «الإسرائيلي» وعجزه عن ضرب المقاومة. وثبتت حقيقة الوعد الصادق في الدفاع عن خيارات الشعوب التواقة إلى التحرّر من التبعية الأميركية.
يبدو أنّ الأسبوع الأول من الغارات يكشف تكرار سيناريو حرب تموز 2006، والمجازر المرتكبة إحدى حلقاته، هذا ما تكشفه يوميات العدوان السعودي… فيما رسالة الردّ فحواها «لا عناقيد غضب ولا عاصفة حزم تكسر إرادة المقاومة في الحياة».
«توب نيوز»