حروب الشرق والغرب أميركا أم روسيا؟
ربا يوسف شاهين
تتطلع الدول العظمى لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى، وذلك عبر اتخاذ نوع خاص من الحروب، أو العمليات العسكرية التي تعتبر نجاة لها من خطر قد يصيب محيطها الإقليمي وأمنها القومي؛ فعلى سبيل المثال، دأبت الولايات المتحدة على خلق ظروف التموضع العسكري، أولاً تحت ذريعة مكافحة الإرهاب المُهدّد لأمنها، وثانياً بحجة تحقيق الديمقراطية الغربية، كما فعلت في أفغانستان والعراق لعديد من السنوات، حيث أسّست الولايات المتحدة لِما يمكن تسميته بخطوط المواجهة، مع القوى الأخرى المناهضة لها كروسيا الاتحادية، وبات الصراع السياسي والعسكري بين الدولتين، نتيجة السطوة الأميركية على أفغانستان، يتمّ من خلال أطراف النزاع ما بين طالبان والجيش الأفغاني.
ربطاً بما سبق، فإنّ الانقسام وتوليد فرقاء من نوع خاص كحركة طالبان، كانت من أولويات القيادة الأميركية لكي تمكنها من خلق ظروف البقاء، لتحقيق مكاسب أخرى تخصّ الثروة الجغرافية لأفغانستان، وعلى الجانب الآخر تستمرّ الخلافات السياسية مع روسيا واتهامها باحتلال أفغانستان، لتتراكم النزاعات السياسية بين موسكو وواشنطن على كثير من الملفات.
ورغم خروج واشنطن من أفغانستان، واعتراف رؤسائها بعدم جدوى البقاء فيها، لتنتقل الدفة في الصراعات السياسية إلى سورية، حيث استشاطت الولايات المتحدة غضباً عندما تحوّلت العلاقة الروسية مع سورية، إلى حليف صديق في الحرب الإرهابية على سورية، وباتت بطلب من القيادة السورية أحد أهمّ الفاعلين في تحقيق القضاء على الإرهاب، الذي يصدّره الغرب، سواء بنشاط القوات الروسية عسكرياً على الأرض السورية، أو لوجستياً عبر تقديم المعدات العسكرية والآلات الحربية، وخاصة منظومة «أس 300».
وبعد 11 عاماً من الحرب الإرهابية على سورية، أدركت الولايات المتحدة عدم جدوى الكباش السياسي البعيد المدى، كما في سورية وأفغانستان، فانتقلت وفق خطة ممنهجة لضرب المحيط القومي لروسيا الاتحادية عبر تأجيج الخلاف مع أوكرانيا، والذي ظهر بشكل تراكمي مع سقوط الاتحاد السوفياتي، فتبنّت واشنطن مسألة دعم المجموعات القومية المسلحة في أوكرانيا، وأيّدت التعصّب القومي لأوكرانيا ضدّ روسيا الاتحادية، لتحقق لها أرضاً في الحديقة الخلفية لروسيا، فتنشئ قواعد لحلف الناتو في المحيط الروسي.
تطوّر الصراعات السياسية لم يأت بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة تراكمات خلفتها الحربين العالميتين الأولى والثانية، ورغم الضخ الكبير لتحقيق انكسار روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ومع اقتناع الغرب برغبة الرئيس فلاديمير بوتين في إعادة إحياء الاتحاد السوفياتي، لذلك تمّ التحضير لخلق انكسار وزلزلة في المحيط الروسي، عبر الحرب الأوكرانية، التي ومن خلالها استطاعت الولايات المتحدة إحداث تعديلات على السياسة الروسية خاصة الاقتصادية منها، والتي انعكست في كثير منها بشكل سلبي على أوروبا، خاصة اقتصادياً وأمنياً، وبالتالي زعزعت بعض المواقف الأوروبية تجاه روسيا، لأنها أدركت حجم التورّط في العلاقات السياسية، والموقف من العملية العسكرية على أوكرانيا بالنسبة لهم، خاصة أنّ روسيا تشكل المورد الرئيسي لهم للغاز والنفط عبر نورد ستريم1.
في المحصلة، ما يحصل على المستوى العالمي من حروب بين القوى العظمى روسيا والولايات المتحدة، كلً من وجهة نظره السياسية، مع استغلال لنقاط الضعف السياسية والاقتصادية للبلدان المستهدفة، وبالتالي التبعية اللامشروطة، والتي في النهاية ستنتهي إما بخروج دراماتيكي أو قانوني، ولكن بعد تدمير من تمّ تسليط عدسة التلسكوب عليه ليكون في لعبة البوكر السياسية المقبلة…